استراتيجية بايدن: تقييم جديد للحلفاء والمصالح في الشرق الأوسط!
لم تأتِ استراتيجية الأمن القومي الأميركي، والتي أصدرتها إدارة بايدن، بجديد على صعيد الشرق الأوسط، فلقد أكدت ما كان ظهر من خلال التصريحات الأميركية، وما تمّ استنتاجه من زيارة بايدن الأخيرة للمنطقة، والتي أجمع المراقبون على أنها لم تكن على قدر التطلعات الأميركية، وأنها كانت حملة علاقات عامة متواضعة النتائج.
ومن خلال المقارنة العلمية لاستراتيجية الأمن القومي الحالية، مع الاستراتيجيات التي نشرتها كل من إدارتَي دونالد ترامب وباراك أوباما، تبدو التهديدات الاستراتيجية العالمية، الواردة في الوثيقة الحالية، أقرب إلى وثيقة الأمن القومي لإدارة ترامب المنشورة عام 2017. أمّا القسم المرتبط بالتصور الاستراتيجي للشرق الأوسط، فيبدو امتداداً لاستراتيجية الأمن القومي الأولى، التي نشرتها إدارة باراك أوباما عام 2010، والتي تتضمن رؤية بعيدة المدى، بعكس تلك المنشورة في الولاية الثانية لأوباما عام 2015، والتي عكست فشل "الربيع العربي"، وعودةَ الانخراط الأميركي من أجل "مكافحة الإرهاب"، تحت عنوان محاربة "داعش".
في الوثيقة الحالية لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط، نجد ما يلي:
1- التركيز على خفض التصعيد:
تتعهّد الوثيقة تعزيز الشراكات والتحالفات ودعم الدبلوماسية لخفض التصعيد وتهدئة التوترات وتقليل مخاطر نشوب صراعات جديدة في الشرق الأوسط. ومن أجل تحقيق هذا الغرض تتعهّد الوثيقة التخلي عن سياسة الانخراط العسكري وتغيير الأنظمة بالقوة.
أوردت الوثيقة ما يشبه المراجعة النقدية لسياسات الانخراط السابق في الشرق الأوسط، فألقت اللائمة على تلك السياسات وتسبُّبها بتخلّف الولايات المتحدة عن التقاط الفُرص الملائمة للأولويات العالمية، مؤكدة أن السياسات السابقة كانت تستند إلى "إيمان غير واقعي بالقوة وبتغيير الأنظمة لتحقيق نتائج مستدامة"، الأمر الذي فوّت الفرصة الملائمة للانخراط في مناطق أخرى.
لكن، على الرغم من هذه المراجعة بشأن فشل سياسة تغيير الأنظمة، وعلى رغم أن الوثيقة لا تذكر صراحة العمل على تغيير النظام الإيراني، فإنّها تتعهّد "الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني"، الذي "يناضل من أجل الحقوق الأساسية والكرامة، التي حرمها النظام في طهران منذ فترة طويلة"، بحسب نص الوثيقة.
2- ادّعاء امتلاك "ميزة نسبية" لا تضاهى لتحقيق الاستقرار:
تشير الوثيقة إلى امتلاك الولايات المتحدة "ميزة نسبية" في بناء الشراكات والائتلافات والتحالفات، من أجل تعزيز الردع وتحقيق الاستقرار الطويل الأمد في المنطقة، علماً بأن عبارة "الميزة النسبية" تُستخدم على نحو كبير في التجارة والاقتصاد، وتعني أن الشخص عادة ما يتمتع بميزة نسبية في إنتاج شيء ما، الأمر الذي يعني أنه كان في إمكانه إنتاجه بتكلفة أقل من أي شخص آخر، بينما امتلاك "ميزة مطلقة" يعني أنه الأفضل على الإطلاق في إنتاج ذلك الشيء.
وفي هذا الإطار، تتعهّد الوثيقة العمل على مبادئ خمسة، هي:
أ- المبدأ الأول: تعزيز الشراكات مع الدول التي تشترك في النظام الدولي القائم على القواعد، ومساندتها في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.
واللافت، في هذا البند، أن الوثيقة تخلّت عن عبارة "الحلفاء"، الذين عادة ما يتم الحديث عنهم في الأدبيات الأميركية، لمصلحة مجموعة محددة من الدول، هي التي تلتزم القواعد الأميركية (وهنا قد يتم استثناء بعض الحلفاء التقليديين).
ب- المبدأ الثاني: "عدم السماح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتهديد حرية الملاحة عبر الممارّ المائية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب. ولا تتسامح مع الجهود التي تبذلها أي دولة للسيطرة على أخرى - أو المنطقة - من خلال التعزيزات العسكرية أو التوغلات أو التهديدات".
ويُقصد هنا إيران بصورة أساسية، والتي تشير اليها الوثيقة في أماكن متفرقة، وتتعهّد عدم حصولها على سلاح نووي، وعدم التسامح مع تهديداتها ضد الشعب الأميركي والمصالح الأميركية، من خلال استخدام الدبلوماسية مع الإبقاء على الخيارات الأخرى على الطاولة.
ج- في المبدأ الثالث، تستدرك الوثيقة فتتراجع عن اللغة التهديدية الواردة في المبدأ الثاني، فتؤكد أنه "حتى عندما تعمل الولايات المتحدة على ردع التهديدات، التي يتعرّض لها الاستقرار الإقليمي، فإننا سنعمل على تقليل التوترات، وخفض التصعيد، وإنهاء النزاعات، حيثما أمكن ذلك، من خلال الدبلوماسية".
د- المبدأ الرابع يؤكد عمل الولايات المتحدة على التكامل الاقليمي "من خلال بناء روابط سياسية واقتصادية وأمنية بين شركاء الولايات المتحدة، وفيما بينهم... مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة".
هـ- المبدأ الخامس يتحدث عن تعزيز حقوق الإنسان.
3- الالتزام "الصارم" فيما يتعلق بأمن "إسرائيل":
لا تنسى الوثيقة تأكيد "الالتزام الصارم فيما يتعلق بأمن إسرائيل"، ودعم التطبيع والعلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية و"اتفاقيات أبراهام"، و"ترويج حل الدولتين" على أساس حدود عام 1967، مع "مقايضات متفَق عليها" بين الطرفين.
في النتيجة، تشكّل وثيقة الأمن القومي الأميركي، بصورة عامة، الخطوط العريضة للرؤية الاستراتيجية الأميركية في مرحلة وزمان معينين، وهي تتبدّل وفق تبدُّل الظروف والأخطار والتحديات العالمية. وعليه، نجد أن الشرق الأوسط - وإن كان محورياً دائماً في التفكير الاستراتيجي الأميركي- لكنه مقبل على تطورات مهمة ترتبط بالرؤية الأميركية للمرحلة المقبلة، التي ستوازن بين تخفيف الانخراط الأميركي لمصلحة مناطق أخرى والمحافظة على المصالح الأميركية، في آن واحد. وهذا قد يتطلّب تغيير الشراكات والبحث عن بدائل ترتبط بالرؤية الأميركية للتهديدات الاستراتيجية الصينية والروسية، وتقييم أداء الحلفاء "التقليديين" في الشرق الأوسط.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.