المتوقَّع من قمَّة بوتين- إردوغان
يتَّجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين يوم الخميس في 5 آذار/مارس الحالي، وذلك بعد سلسلة من التطوّرات الميدانية التي كادت أن تؤدّي إلى حربٍ كُبرى بين الطرفين في الشمال السوري.
وكان من الواضِح طيلة فترة التصعيد العسكري في إدلب أن الطرفين التزما "حافّة الهاوية" وحاولا - قَدْر الإمكان- ألا تصل المواجهة بينهما إلى حد الاقتتال المُباشَر، بدليل أن إردوغان استمر بالإعلان عن أن الجيش السوري هو المسؤول عن قصف الجيش التركي في إدلب، بينما سارعَ الروس إلى التعزية بالقتلى الأتراك والحديث عن عدم وجود نيَّة باستهداف القوات التركية، ولكن وجود هؤلاء مع الإرهابيين وخارج نُقاط المُراقبة التركية هو السبب في ذلك.
وهكذا، وبغياب الإيرانيين الذين دعوا إلى عَقْدِ قمَّة ثُلاثية في طهران لاحتواء المواقف التصعيدية، ستُعقَد قمَّة ثُنائية في روسيا بين الرئيسين بوتين وإردوغان، يبدو إردوغان الأضعف فيها، للأسباب التالية:
-أولاً، إن قيام الرئيس التركي بالذهاب إلى روسيا للقاء بوتين، يجعله في موقفٍ تفاوضي أضعف، خاصة بعد قيام بوتين برفض العروض التركية للقاءاتٍ ثُنائيةٍ أو رُباعيةٍ (بالإضافة إلى ألمانيا وروسيا) في إسطنبول، ومُماطلته في قبول دعوة إردوغان لعَقْدِ لقاء.
-ثانياً، تأتي القمَّة التركية الروسية، بعد استنفاد إردوغان كل السُبُل لدفع حلفائه في الناتو لمُساعدته عسكرياً، أو مُمارسة الضغوط العسكرية أو الاقتصادية على روسيا لوقف الحملة العسكرية السورية داخل إدلب.
لقد فشل إردوغان في جرّ الناتو لمُشاركة -ولو رمزية- بالحرب الدائرة اليوم في إدلب، ولم ينفع معه التهديد بإرسال آلاف اللاجئين إلى أوروبا في تغيير الموقف الأوروبي من الموضوع. أما الأميركيون، فقد وعدوه بالمساعدة التقنية والاستخباراتية، وشجَّعوه على المُضيّ قُدُماً في تلك الحرب "بمُفرده".
منذ عام 2016، بالَغ إردوغان في تحدّي حلفائه في حلف الناتو، وأصرَّ على إتمام صفقة "أس 400" مع الروس بالرغم من كل التحذيرات والتهديدات التي تلقَّاها من أعضاء حلف الناتو ومن الأميركيين. واليوم، لم يكن من المنطقي أن يقوم أعضاء حلف الناتو بالدخول مع إردوغان في مُغامرةٍ عسكريةٍ ضد الروس داخل الأراضي السورية، قد تؤدّي إلى نشوبٍ حربٍ عالمية.
-ثالثاً، إن الهجوم الواسع الذي قام به الجيش السوري مع حلفائه، وتحرير مساحات شاسِعة من الجغرافيا السورية في محافظتي حلب وإدلب، والرسائل الدموية التي أرسلها الروس والجيش السوري إلى إردوغان، والردّ الناري التركي على الجيش السوري والقوى العسكرية المُسانِدة.. كلها مُعطيات تجعل من الحرب العسكرية المباشرة مغامَرة مُكلِفة على الجميع تفاديها.
وللأسباب الوارِدة آنفاً وغيرها من القضايا المُشتركة التي تهمّ الجميع، أظهرت التصريحات الإيرانية رغبة في تفادي التصعيد مع الأتراك، كما أظهر كل من الأتراك والروس رغبة في تفادي الصِدام. فما الذي يُمكن أن تؤدِّي إليه القمَّة التركية الروسية؟.
-سيحاول الطرفان الوصول إلى اتفاقٍ جديدٍ حول إدلب، بعدما دفنت التطوّرات الميدانية اتفاق سوتشي 2018، والذي ماطل إردوغان في تنفيذه طويلاً.
-سيُطالب إردوغان بمنطقةٍ آمنةٍ بعُمق 30 كلم داخل الأراضي السورية، بحجَّة حماية أمنه القومي ولإيواء اللاجئين السوريين فيها. الأكيد، أن الحكومة السورية ليست في وارِد التراجُع عمّا حقَّقته من تحرير لأراضيها أو التراجُع عن شبرٍ من الأرض لإحلال الجيش التركي فيها!، وبالتالي لن تقبل موسكو بذلك.
-من المُمكن أن يحصل إردوغان على موافقة روسية على بقاء القوات التركية بعُمقٍ لا يتجاوز 5 كلم (كما تنصّ إتفاقية أضنة الموقَّعة بين سوريا وتركيا عام 1998)، مع الإصرار على فتح وتأمين الطريقين الدوليين "أم 5" وأم 4"، وإبعاد الإرهابيين والمُسلَّحين إلى المدى الذي يتمّ فيه تأمين قاعدة حميميم عسكرياً.
في المُحصِّلة، إن المفاوضات الحالية ستأخذ بعين الاعتبار التطوّرات الميدانية والإنجازات التي حقَّقها الجيش السوري مع حلفائه على الأرض. وكما أدَّت الاتفاقيات السابقة في كل من سوتشي وأستانة إلى تحقيق إنجازات كُبرى للجميع في سوريا، يُدرِك الأتراك اليوم حاجتهم للروس في تأمين مصالحهم الحيوية في سوريا، كما يُدرِك الروس أن كلفة تحرير سوريا من دون اتفاق مع تركيا ستكون مُكلِفة جداً، لذا يبدو أن الأمور ستتّجه إلى اتفاقٍ جديد، يتمّ الالتزام به إلى أن تتبدَّل الظروف التي ستسمح بقيام الجيش السوري باستكمال تحرير الباقي من أرضه.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً