هل تكون خطّة بايدن فرصة أميركا الأخيرة؟
افتتح الرئيس الأميركي جو بايدن معركة داخلية طويلة الأمد، ستأخذ الحيز الأكبر من النقاش الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية لأسابيع قادمة، هي معركة إقرار حزمة تمويل تحديث البنى التحتية في الولايات المتحدة.
بحسب قوله، لم تقم الولايات المتحدة، ولعقود عدّة، بتحديث جدّي وحقيقي للبنى التحتية. لذا، يطلب بايدن من الكونغرس الأميركي إقرار حزمة تمويل مقدارها 2.25 تريليون دولار أميركي، على أن يتم التمويل عبر زيادة فرض الضرائب على الشركات الكبرى، وهو ما يرفضه الجمهوريون بشدة.
يؤكّد البيت الأبيض أنَّ هذه الخطة ستقدم تصوّراً لبناء اقتصاد جديد، وستخلق ملايين الوظائف للأميركيين، وتعيد بناء البنى التحتية، والأهم أنها ستجعل أميركا "في وضع يسمح لها بمنافسة الصين"، كما يذكر موقع البيت الأبيض في شبكة الإنترنت.
بالفعل، إن التقدم الهائل الاقتصادي والاجتماعي والتقني الخارجي والداخلي الذي أحرزته الصين منذ دخولها إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001 ولغاية اليوم، دفع الأميركيين إلى القلق من تنامي الصعود الصيني، فالتقدم الذي حقَّقته الصين على شتى المستويات بات أمراً غير مسبوق، وقد أتى أحياناً على حساب الولايات المتحدة وعمالها واقتصادها الداخلي. وللمقارنة بين سرعة التطور بين البلدين، نذكر بعض المؤشرات على سبيل المثال لا الحصر:
- البنى التحتية
في تبرير الحاجة الماسّة للحزمة المطروحة، يقول الأميركيون إنَّ الاقتصاد الأميركي البالغ قيمته 20 تريليون دولار يعتمد على شبكة قديمة جداً من البنية التحتية بنيت منذ عقود، من الطرق والجسور، إلى السكك الحديدية للشحن والموانئ، إلى الشبكات الكهربائية وتوفير الإنترنت.
ويقول الاقتصاديون الأميركيون إن التأخير وتكاليف الصيانة المتزايدة يعوقان الأداء الاقتصادي. وهناك مخاوف تتعلق بالسلامة أيضاً، إذ إن العديد من الجسور معيب من الناحية الهيكلية، وقساطل مياه الشفة القديمة وأنظمة الصرف الصحي باتت تشكّل مخاطر على الصحة العامة.. ما يجعل الولايات المتحدة متخلفة عن البلدان المتقدمة الأخرى في الإنفاق على البنية التحتية، بحسب التقارير الأميركية.
- البطالة
خلال العام 2020، وبمعزل عن الأرقام المتغيرة شهرياً بسبب جائحة كورونا التي أدخلت العالم كلّه في ضائقة اقتصادية، وأدخلت الملايين حول العالم في البطالة القسرية بسبب الإقفال العام، كانت نسبة البطالة في الولايات المتحدة 8% تقريباً، في تحسن ملحوظ عن العقد السابق، حين ضربت الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008 الاقتصاد الأميركي، ودفعت كثيرين إلى البطالة والفقر والتشرد.
أما في الصين، فقد بلغ متوسط البطالة في عموم البلاد ما يوازي 3.6% في العام 2019. وتختلف نسب البطالة فيها بين المناطق الحضرية والريفية. على سبيل المثال، بلغت البطالة في بكين 1,3% في العام 2019.
- محاربة الفقر
تشير الأرقام الرسمية في الولايات المتحدة (1990-2019) إلى أن معدل الفقر تراجع في الولايات المتحدة، ليرسو على معدل 10.5 (قبل جائحة كورونا). ويختلف معدل الفقر في الولايات المتحدة على نطاق واسع باختلاف المجموعات العرقية.
يعد الأميركيون من ذوي البشرة السمراء أكثر المجموعات العرقية التي تعيش تحت خط الفقر. وفي العام 2019، أشارت الإحصائيات الأميركية الرسمية إلى أن حوالى 19% من أصحاب البشرة السمراء كانوا تحت خط الفقر، بينما كان 7.3% من السكان البيض (غير اللاتينيين) يعيشون تحت خط الفقر. كما تتباين هذه الأرقام بين الولايات، ففي ولاية كاليفورنيا كان حوالى 4.66 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر في العام 2018، مقابل 465 ألف شخص في مينيسوتا.
أما الصين التي بدأت مسيرة الانفتاح وإصلاح الاقتصاد في العام 1978، فقد استطاعت انتشال أكثر من 800 مليون شخص من الفقر بحلول العام 2020، بحسب تقديرات البنك الدولي. وكان الرئيس الصيني شي جينبيغ قد أعلن في شباط/فبراير الماضي أنَّ الصين حقَّقت "انتصاراً كاملاً" في مجال مكافحة الفقر في المناطق الريفية خلال 8 سنوات فقط من عهده (ما يوازي 100 مليون إنسان)، وأن معدل الفقر في الصين اليوم هو صفر.
تثير هذه الإحصائيات والأرقام الصينية الكثير من الانتقادات في الولايات المتحدة، متحدّثة عن أنَّ الصين الآن تعد دولة ذات دخل متوسط عالٍ، وبالتالي إن المقياس أو معدّل الدخل الفردي اليومي الذي يعلن الصينيون فيه الانتصار على الفقر متدنٍ جداً بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني المتسارع، كما يعني أن هناك عدداً كبيراً من المواطنين الصينيين ما يزالون يعتبرون "فقراء" بمعايير البلدان المتوسطة الدخل.
في المحصّلة، وعلى الرغم من أنَّ الاقتصاد الأميركي يعدّ الأقوى والأول عالمياً، فإن التأخر في التحديث ومعالجة الأزمات البنيوية التي يعانيها المجتمع الأميركي، كالفقر والبطالة والفجوة الكبيرة والهائلة بين مستوى معيشة السكان، وتكدس الثروة بيد فئة قليلة جداً، وتقاضي 1% من الأميركيين ما يوازي جميع ما يتقاضاه 90% من باقي السكان... تجعل جميعها ولاية بايدن الحالية الفرصة الأخيرة للأميركيين لمنع الصين من التفوق الاقتصادي على الولايات المتحدة في العقد القادم، فإما أن يقتنصوها فيحدوا من قدرة الصين على الصعود إلى المرتبة الأولى عالمياً، وإما يستمروا بالغرق في الحزبية والانقسام والتعطيل، فتكون فرصة ذهبية للصين للتفوق، ستستغلها حتماً، ولن تنتظر.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً