المحكمة الجنائية الدولية: هل تقاضي الضحايا الفلسطينيين بدلاً من "إسرائيل"؟
الاشراق | متابعة.
تقدَّمت 5 دول أطراف في المحكمة الجنائية الدولية (جنوب أفريقيا، وبنغلاديش، وبوليفيا، وجزر القمر، وجيبوتي) بطلب للتحقيق في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبدأت معها المحكمة بإجراء تحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في القطاع منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، علماً أن المحكمة كانت قد فتحت تحقيقاً سابقاً عام 2021 بشأن الوضع في فلسطين، ولم تظهر منه أي نتائج لغاية الآن.
ووفقاً لنظام روما الأساسي الصادر عام 1998، "يجوز لأي دولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتُكبت، وتطلب من المدعي العام التحقيق في الحالة لغرض تحديد ما إذا كان ينبغي اتهام شخص محدد أو أكثر بارتكاب مثل هذه الجرائم".
وبناءً على دعوة عائلات إسرائيلية، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن المدعي العام كريم خان توجه إلى "إسرائيل" "بناء على طلب ودعوة" من ناجين وعائلات قتلى هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأوضحت أن الزيارة "ليست ذات طبيعة تحقيقية"، لكنها "تمثل فرصة مهمة للتعبير عن التعاطف مع جميع الضحايا والبدء بحوار"، بحسب تعبيرها.
وبالفعل، زار كريم خان "إسرائيل" ورام الله، وأصدر بياناً أقل ما يقال فيه إنه منحاز إلى "إسرائيل" ويستدعي القلق من تسييس القضاء الدولي. وندرج هذه الملاحظات على البيان:
طمأنة "إسرائيل"
يتعهد كريم خان لأسر "الضحايا الإسرائيليين في هجوم السابع من أكتوبر" بأن المحكمة "على استعداد للعمل بالشراكة معهم لمحاسبة المسؤولين"، ويطمئن السلطات الإسرائيلية إلى أن عمله وزيارته "لن تخلّا بموقف إسرائيل بشأن الولاية القضائية، وباعتبارها دولة غير طرف في نظام روما الأساسي".
ويؤكد البيان للسلطات الإسرائيلية أن المحكمة ملتزمة بمبدأ "التكامل"، وهو مبدأ يكرسه نظام المحكمة، ويشير إلى أن الاختصاص الجنائي الوطني له الأولوية على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة إلى الجرائم الدولية، بالتالي فإن المسؤولية الأولى، وهي التحقيق ومقاضاة الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، تقع على عاتق الهيئات القضائية الوطنية، وهي السلطات الإسرائيلية هنا.
وعلى هذا الأساس، يمكن الإشارة إلى أن كريم خان طمأن "إسرائيل" مبكراً إلى أن عمله لن يمسّ بحق "إسرائيل" في رفض حكم المحكمة أو رفض اختصاصها، ورفضها تسليم أي من مواطنيها للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية.
إطلاق اتهامات ليست في صلب نظام المحكمة
في بيانه، وصف المدعي العام المنظمات الفلسطينية بأنها "جماعات إرهابية"، علماً أنَّ نظام المحكمة لا يشير من قريب أو بعيد إلى جرائم "الإرهاب".
يقتصر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان. وقد تمّ تعريف الجرائم الثلاث الأولى وتحديد عناصرها القانونية في نظام المحكمة بشكل مفصل.
أما جريمة العدوان، فبقيت غير معرّفة. وجاءت النسخة النهائية لنظام روما الأساسي خالية من أي تعريف لجريمة العدوان، إلى أن عقدت الهيئة العامة للمحكمة الجنائية الدولية مؤتمراً في كمبالا- أوغندا عام 2010، وأقرّت تعديل نظام روما الأساسي، وأدخلت إليه تعريف العدوان، على أن لا يدخل هذا التعديل حيّز التنفيذ إلا بعد موافقة غالبية الدول عليه.
تمييز فاضح بين المدنيين
في وصفه الضحايا المدنيين الإسرائيليين، تحدَّث خان عن "أبرياء مدنيين إسرائيليين"، فيما غابت عبارة "الأبرياء" من توصيف المدنيين الفلسطينيين، وغاب توصيف الجرائم المرتكبة بحقهم، وتمّ تلخيص قضيتهم بوصفها "معاناة" وليست جرائم دولية مرتكبة بحقهم.
وحدّد المدعي العام ما ارتكبه الفلسطينيون في 7 تشرين الأول/أكتوبر ضد "الأبرياء المدنيين الإسرائيليين" بأنه "جرائم في صلب اختصاص المحكمة" (علماً أن الزيارة "ليست ذات طبيعة تحقيقية"، كما جاء في بيان المحكمة الصادر قبلها)، لكنه لم يشر مطلقاً إلى أن ما تقوم به "إسرائيل" ضد المدنيين الفلسطينيين هو "جرائم دولية" تدخل في صلب اختصاص المحكمة، ولم يقم بتوصيفها كجرائم.
ونقارن بين النصين:
في الحديث عن الإسرائيليين، قال خان في بيانه: "تمثل الهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين "الأبرياء" في 7 أكتوبر/تشرين الأول بعضاً من أخطر الجرائم الدولية التي تهز ضمير الإنسانية، وهي جرائم أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية للتصدي لها".
وجاء النصّ الحرفي الذي يختصّ بالفلسطينيين في البيان: "وتحدثت أيضاً إلى عائلات الضحايا الفلسطينيينـ وكنت ممتناً لسماع مثل هذه الروايات الشخصية عن تجاربهم في غزة والضفة الغربية. علينا ألا نستسلم أبداً لمثل هذه المعاناة".
في النتيجة، بالرغم من رهان العالم على المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة للضحايا، فإنَّ عمل المحكمة منذ زمن شابه التسييس والتعامل بتمييز واضح بين مرتكبي الجرائم، إذ تتعامى عن الجرائم التي يرتكبها الغرب، فيما تركّز عملها في الدول الفقيرة. لقد تمّ وصفها في يوم من الأيام بأنها "محكمة أفريقيا"، واتهمها قادة أفارقة بأنها نوع من الغطاء لتدخلات الدول الكبرى في الشؤون الأفريقية.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة