أبرز التحدّيات التي سترافق إدارة بايدن عام 2022!
لا شكّ في أن عام 2021 لم يكن عاماً سهلاً على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي بدأ عامه الأول في البيت الأبيض وارثاً تركةً كبيرة ومتعبة من إدارة سَلَفه دونالد ترامب، أبرز معالمها علاقات متوترة بين ضفتي الأطلسي، وانقسام داخلي غير مسبوق، وفشل في مواجهة جائحة كورونا، وحرب تجارية مع الصين وسواها.
فتحَ مجيء بايدن إلى البيت الأبيض أملاً في إعادة إحياء التحالف المتين مع أوروبا، وإعطاء دور أكبر لحلف الناتو، ومحاولة مواجهة الصين عبر وسائل أخرى، منها الاستثمار في التنمية، ومحاولة حشد الحلفاء الأوروبيين لحرب باردة جديدة. لكن العلاقات الأميركية الأوروبية سُرعان ما عادت إلى التوتر بعد أن قام الأميركيون بإقناع أستراليا بإلغاء صفقة غواصات فرنسية، لمصلحة شراء غواصات نووية في إطار تحالف دفاعي جديد لمواجهة صعود الصين، انخرطت فيه بريطانيا وأستراليا، بعد أن أعلنت عدة دول فاعلة في الاتحاد الأوروبي أنها غير معنية بحرب باردة مع الصين، تستعيد الصراع الأيديولوجي مع الاتحاد السوفياتي السابق.
واليوم، بعد مرور سنة تقريباً على وصول بايدن إلى البيت الأبيض، تعاني إدارته عدة تحديات سوف ترافقها عام 2022، بحيث يبدو أن الاهتمام بالداخل سوف يطغى على الاهتمامات الاستراتيجية، أو – على الأقل - ستكون القرارات الاستراتيجية للإدارة مرتبطة بعوامل داخلية، على نحو أساسي.
وفي استكشاف لما ستكون عليه تحديات عام 2022 على الإدارة الأميركية، نجد ما يلي:
1- في الداخل: انتخابات نصفية في ظل تراجع شعبية بايدن
يعاني جو بايدن من تراجع شعبيته بصورة كبيرة. وتشير شبكة "سي أن أن" إلى أن ترتيب بايدن الاقتصادي ورِضا الجمهور عن أدائه قد يكونان الأدنى منذ جيمي كارتر عام 1977. في استطلاع حديث للرأي، قامت به المحطة مع شركة إحصاءات أخرى، اعتبر 44 % من المستطلَعين عن رضاً عن أداء بايدن الاقتصادي في مقابل 55 % أبدوا عدم رضاهم.
وفي استطلاع آخر قامت به شركة أيبسوس مع محطة ABC، اعتبر أكثر من ثلثي الأميركيين (69 %)، أنهم لا يوافقون على كيفية تعامل بايدن مع التضخم (28 % فقط يوافقون)، بينما أكثر من النصف (57 %) لا يوافقون على طريقة تعامله مع التعافي الاقتصادي. هذه الأرقام وغيرها تشير إلى أن المؤشرات الاقتصادية والتضخم وجائحة كورونا، سوف تكون أبرز شعارات الحملات الانتخابية للانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وخصوصاً أن الاستطلاع أظهر أن 71 % من الناخبين المستقلين اعترضوا على أداء بايدن وأسلوبه في التعامل مع التضخم.
إن إقناع الأميركيين في الداخل بأن الامور تسير على النحو الصحيح، وأن التعامل مع جائحة كورونا وموجاتها الجديدة يتمّ بشكّل فعّال، قد يكون أفضل ما يمكن أن تفعله الإدارة الأميركية في السنة المقبلة، من أجل تشكيل رافعة للحزب الديمقراطي خلال الانتخابات النصفية المقبلة.
2- بالنسبة إلى التحديات في الخارج:
بحسب ما تمّ إعلانه سابقاً، كانت الإدارة الأميركية تتطلع، في عام 2021، إلى أن "تحقق علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها مع روسيا"، وأن يكون لديها القدرة على "تركيز أكبر على الصين، والتعاون حيثما أمكن، والتنافس وإظهار أن الديمقراطيات تستطيع أن تتقدَّم على الصين وتواجهها عند الضرورة".
أ- روسيا:
لا تبدو العلاقة مستقرة بموسكو في ظل التهديدات المتزايدة التي تشكّلها روسيا، والشروط الواضحة التي وضعها بوتين في اتصاله ببايدن، ومفادها أن الروس لن يتهاونوا بشأن توسّع حلف الناتو إلى حدودهم، وأن الجمهوريات السوفياتية السابقة، مثل أوكرانيا أو جورجيا، لا يمكن أن تكون جزءاً من الناتو.
بالنسبة إلى الأميركيين، يبدو أن النظرة إلى روسيا ما زالت محكومة بأفكار الحرب الباردة. لذا، فإن تغيير الرئيس في البيت الأبيض وتقاربَه مع روسيا أو عدمه، لا يبدو أنهما عاملٌ مساعد على تغيير النظرة إلى موسكو في الداخل الأميركي.
قد تعمد إدارة بايدن إلى محاولة تقليل المواجهة مع الروس عام 2022 كي تتمكن من التركيز على الصين، لكن الأمر مرتبط بالتهديدات الاستراتيجية التي تواجه أوروبا، وما يطالب به بوتين - بصورة واضحة - وهو خفض مستويات وجود قوات الناتو قرب حدوده وإرجاعها إلى حيث كانت قبل توسيعها إلى أوروبا الشرقية في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
إن الأمر معقَّد بالنسبة إلى بايدن، فهو يحتاج إلى أوروبا لمواجهة الصين وروسيا، ويهمه إظهار الولايات المتحدة كحليف موثوق به لدول أوروبا الشرقية ودول البلقان، بعد أن أظهر الانسحاب الفوضوي من أفعانستان صورة سيئة عن حليف يهرول مسرعاً من أجل النجاة بنفسه، وترك حلفائه لمصيرهم.
وعليه، يمكن أن يكون اجتماع القمة الذي سيعقده بوتين وبايدن، بصورة شخصية، في بداية عام 2022، بعد لقائهما الافتراضي السابق، مناسبةً لفتح باب التعاون مع موسكو في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، لكن الآمال في تعاون وثيق مع الروس يتيح لإدارة بايدن التركيز على المنافسة الاستراتيجية مع الصين، لا تبدو متاحة في الوقت الحالي.
ب - الصين
يدرك الصينيون أن أولوية الإدارات الأميركية، منذ أوباما حتى الآن، هي احتواء الصين ومنعها من تحقيق التنمية، ومن الوصول إلى تحقيق أهدافها وتطلعاتها القومية.
يتطلّع الصينيون ويعملون – حيثما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً- من أجل إشغال الولايات المتحدة الأميركية في مناطق حيوية أخرى، من أجل كسب الوقت للوصول إلى أهدافهم، أو على الأقل بهدف اقتناص فرص في التمكين، بحيث لا تعود معها الجهود الأميركية تنفع في الاحتواء.
لقد أدّى التعاون الروسي الصيني في سوريا إلى إشغال إدارة أوباما في الشرق الأوسط، ومنعها من تحقيق الاهداف المرجوّة من استراتيجية الاستنزاف التي كانت تحاول تطبيقها، الأمر الذي ساهم في تأخير تطبيق استراتيجية "التوجه نحو آسيا" pivot to Asia .
ثم أعاقت جائحة كورونا قدرة ترامب على الاستفادة من الحرب التجارية التي أقامها ضد الصين، وإجبارها على توقيع اتفاقية مهمّة سُمِّيت "اتفاقية المرحلة الأولى" في كانون الثاني/يناير 2020، تعهّدت الصين بموجبها شراءَ بضائع أميركية بقيمة 200 مليار دولار سنوياً.
سوف تحاول إدارة بايدن، عام 2022، الاستفادة من الضغوط التي أقامها ترامب على الصين، وقد تطالب بأن تقوم الصين بتنفيذ ما عليها بموجب "اتفاقية المرحلة الأولى". إن المراقب لسياق تعامل إدارة بايدن مع الصين، ومقارنته بسَلَفه دونالد ترامب، لا يجد تغييراً كبيراً بين الرجلين.
على الرغم من محاولة بايدن تشكيلَ أحلاف أمنية لمواجهة الصين (AUKUS)، ومن إعلان الأميركيين مقاطعةَ دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022، وعلى الرغم من التصريحات الأميركية المستفزة للصين بشأن تايوان، فإن خيار المواجهة العسكرية لا يبدو محتملاً عام 2022، لأن البلدين محكومان بالتعاون.
هناك ترابط عميق بين الاقتصادين والمجتمعات الصينية والأميركية، فلا تزال الصين أكبر مستورد للبضائع من الولايات المتحدة. كما أنه، بالرغم من القيود والضرائب التي تفرضها الحكومة الأميركية على الصين، والمستمرة منذ ترامب حتى اليوم، فإن الولايات المتحدة تبقى وجهة مهمة للغاية للاستثمار الصيني في الخارج، الأمر الذي يساعد الشركات الصينية على اكتساب التكنولوجيا والمعرفة والعلامات التجارية واختراق الأسواق الأميركية.
ج - الشرق الأوسط:
انطلاقاً من المبدأ الاستراتيجي الأهم للإدارة الأميركية، متمثّلاً بالتركيز على الصين، فإن سعي بايدن لتخفيف الانخراط في الشرق الأوسط يبدو سياسة ثابتة. تعاني الإدارة الأميركية، في خطتها من أجل تخفيف الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، شروطَ ايران وعدمَ تهاونها في المفاوضات الجارية، والقلقَ الجنوني الاسرائيلي من توجّه الإدارة إلى إعادة العمل بالاتفاق الموقَّع مع إيران عام 2015، والذي جعل الرحلات السياسية المكوكية بين "إسرائيل" وأميركا لا تتوقف.
يُتوقَّع أن تسير المفاوضات بصورة جيد بين إيران والدول الست عام 2022، وقد يكون من مصلحة الأطراف جميعها أن يتم توقيع نوع من الاتفاق المُرضي للطرفين (إيران والولايات المتحدة) قبل الانتخابات النصفية الأميركية، والتي يُتوقَّع أن يحصد الجمهوريون فيها أغلبية واضحة إذا ما استمرت الظروف الاقتصادية والداخلية في أميركا كما هي عليه الآن.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.