قبل 3 سنە
ليلى نقولا
425 قراءة

بعد طعنات الحلفاء: هل آن أوان الاستقلال الأوروبي؟

تجد فرنسا نفسها غاضبةً بعد "الطعنة في الظَّهر"، التي تلقَّتها من حلفائها، غداة إعلان اتفاقية تحالف أمني بين كلّ من أستراليا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، والتي أضاعت على باريس عقداً تمّ توقيعه عام 2016، بين كل من أستراليا ومجموعة "نافال غروب"، التي تملكها الدولة الفرنسية، لتصنيع 12 غواصة تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء، تحت اسم "أتاك كلاس"، بقيمة 66 مليار دولار أميركي، وبحيث سيحصل الجيش الأسترالي على ثماني غواصات، على الأقل، تعمل عبر الطاقة النووية، من الولايات المتحدة بدلاَ من الغواصات الفرنسية .

تأتي هذه الضربة للفرنسيين على أبواب انتخابات رئاسية داخلية، يتوقَّع كثير من المراقبين أن يفقد ماكرون فيها القدرة على العودة إلى الحكم من جديد، وفي ظل غياب ميركل عن المشهد الألماني، واحتمالات خسارة حزبها الانتخاباتِ الداخليةَ المرتقبة في ألمانيا.

منذ مجيء ماكرون إلى الحكم، وهو ـ كعدد من القادة الفرنسيين قبله - يسعى لمزيد من الاستقلالية الأوروبية عن الولايات المتحدة الأميركية. وتطوّرت التصوّرات الفرنسية، منذ خطاب ماكرون في جامعة السوربون عام 2017، والذي اعتبر فيه أن "الطريقة الوحيدة لضمان المستقبل هي إعادة تأسيس أوروبا ذات سيادة وموحَّدة وديمقراطية"، ثم دعوته عام 2018 إلى "تعميق التضامن في الاتحاد الأوروبي وإنشاء جيش أوروبي"، وصولاً إلى دعوته ميركل عام 2020 إلى حوار استراتيجي للبحث في سياسة مستقبلية للاتحاد، تأخذ في الاعتبار المستجدات في الساحة الدولية والتراجع الأميركي، لكن ميركل خذلته، معتبرة أنه في حال قرَّرت الولايات المتحدة عدم رغبتها في قيادة العالم، فيمكن حينها للأوروبيين التفكير في بدائل.

ولم يكتفِ ماكرون بذلك، بل اعتبر في مقابلة مع مجلة The Economist، عام 2019، أن "الناتو" يعاني "موتاً دماغياً"، الأمر الذي أثار ردَّ فعل سريعاً من جانب الحلفاء في "الناتو" ومن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي انتقدت هذه الأقوال، معتبرة أنه "حتى لو كانت لدينا مشاكل، لكننا نحتاج إلى التكاتف". كان ماكرون ينتقد، في تلك المقابلة، ما اعتبر أنه غياب للتنسيق بين أعضاء "الناتو"، والشكوك في التزام الولايات المتحدة الأميركية أمنَ حلفائها واستمرارَ "الناتو" في ظل حُكم دونالد ترامب.

واليوم، هل يكون في إمكان الفرنسيين أن يدفعوا إلى مزيد من الاستقلال الأوروبي من أجل مواجهة التغيرات العالمية، وخصوصاً بعد أن تبيَّن أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تعطي الأولوية لأوروبا في تقييمها الاستراتيجي، بل إن منطقة شرقي آسيا باتت في المرتبة الأولى في تقييم التهديدات والفرص الاستراتيجية الأميركية؟

من أجل مواجهة المتغيّرات الاستراتيجية العالمية، الزاحفة والمتحوّلة، على الأوروبيين القيام بما يلي:

أولاً - تعزيز الاستقلالية في السياسة الخارجية:

لا شكّ في أن الأوروبيّين تنفَّسوا الصُّعَداء بعد مجيء جو بايدن إلى الحكم في الولايات المتحدة، وإعلانه "عودة أميركا"، وخصوصاً بعد "قمة السبع"، والاتفاق على إطلاق مشروع تنموي موازٍ للمشروع الصيني.

كان تقسيم بايدن للعالم بين طرفَي نقيض، الدول الديمقراطية والدول غير الديمقراطية، مدغدعاً لعواطف معظم الحكام الأوروبيين، الذين ما زالوا يُمَنّون النفس بنَشر القيم الليبرالية في العالم.

لكنّ الكلام شيء، والأفعال شيء آخر. وتبدو أولويات الولايات المتحدة بعيدةً عن أولويات أوروبا اليوم، بحيث يبدو أن واشنطن تعطي الأولوية لصراعها الاستراتيجي مع بكين، وأن سياسة "أوروبا أولاً"، والتي سادت في التقييم الاستراتيجي الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحت من الماضي.

ثانياً - تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية:

في هذا الإطار، لطالما اعتبر ماكرون أنه "إذا لم يكن لأوروبا صدقية عسكرية، في عالم تتصاعد فيه القوى الاستبدادية مرة أخرى، فلن تستطيع أن تجلس إلى الطاولة".

وبالفعل، فإن التزام الولايات المتحدة أمنَ أوروبا، وإنفاقَها الدفاعي الهائل على حلف "الناتو"، سيصبحان من الماضي، في ظلّ تَشاطُر الحزبين في الولايات المتحدة النظرةَ إلى أن الإنفاق الدفاعي الأوروبي هو أقلُّ من المطلوب كثيراً، وأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمّل "الركّاب بالمجّان" (free riders).

ثالثاً - تعزيز القدرات الجيوسياسية الأوروبية:

لا يمكن لأوروبا أن تُواجه العَقد المقبل من القرن الحادي والعشرين بأدوات تقليدية. إن العالم مُقْبِل على تحديات جمّة، سيستعرُ فيها التنافس الاستراتيجي بين القوى العظمى عبر حروب هجينة ومركَّبة. لذا، فإن غياب أوروبا عن الفعالية والنفوذ، في قضايا، مثل الاقتصاد الرقمي، والتجارة والتنمية والاستثمارات في التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، سيجعلها ساحة تنافس نفوذ بين القوى العظمى بدلاً من أن تكون لاعباً أساسياً في المسرح العالمي.

رابعاً - استقلالية النظرة إلى كلّ من روسيا والصين:

لن يستطيع الأوروبيون الاستمرار في السير خلف الولايات المتحدة الأميركية، في ظل تباين مصالح الطرفين وتباين أولوياتهما. إن النظرة الأوروبية إلى روسيا، كجارٍ وشريك ومنافس، مُغايرةٌ للتقييم الأميركي للصراع العالمي مع الروس. وبالتالي، فإن التجاور الجغرافي مع روسيا يحتّم على الأوروبيين اعتماد مقاربة مغايرة للمقاربة الأميركية للعلاقة بالروس.

أمّا الصين، فتنظر إليها أوروبا باعتبارها "شريكاً ضرورياً وخصماً" في الوقت نفسه. وكان ماكرون سارع إلى التعليق على البيان الختامي لقمة حلف شمال الاطلسي، والتي انعقدت في حزيران/يونيو المنصرم، والذي أُدرِجَت فيه الصين باعتبارها باتت "تشكّل خطراً أمنياً... وتحدّياً للنظام الدولي"، بالقول إنه "ليس للصين علاقةٌ تُذكَر بالحلف ("الناتو"). لذا، من المهمّ ألّا ننحاز في علاقاتنا". 

في النتيجة، من غير المتوقَّع أن يستطيع الأوروبيون السير نحو الاستقلالية عن الولايات المتحدة بهذه السهولة، في ظل غياب الرغبة في ذلك لدى عدد من القادة الأوروبيين، بصورة عامة، والألمان، على نحو خاص، وعدم قدرة فرنسا منفردة على السير في هذه المهمة، بالإضافة إلى سيطرة الولايات المتحدة على قرار عدد من الدول الصغرى في الاتحاد.

بناءً عليه، إن مسار التطورات في العالم يفيد بأنه إنْ لم تستطع أوروبا، في عالم متحوّل بسرعة، التكيّفَ مع التحديات الاستراتيجية الزاحفة، فستتحول من قطب موازٍ إلى ساحة صراع ومجال للمنافسة بين القوى الكبرى.

 

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP