إردوغان يبتزّ بوتين.. التصعيد في أوكرانيا والعين على سوريا!
في تصعيد عسكري غير محسوب النتائج، استخدمت أوكرانيا طائرات تركية من دون طيار لتدمير مدفعية الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق البلاد، بحسب ما أعلن الجيش الأوكراني، في حين أعلن مصدر في جمهورية دونيتسك الشعبية الانفصالية التي يسيطر عليها الانفصاليون أن الضربة التي نفّذتها الطائرة من دون طيار لم تسفر عن أيّ خسائر عسكرية أو مدنية. وحذّر الكرملين من أن إمداد تركيا لأوكرانيا بطائرات من دون طيار يهدّد بزعزعة استقرار الصراع في شرق أوكرانيا، على الرغم من العلاقات "الخاصة" بين موسكو وأنقرة.
ولا شكّ في أنَّ هذا التصعيد يضع الموقف التركي على المحك؛ ففي حين يتعاون الروس والأتراك في قطاع الدفاع بشكل واسع، ما استفزّ الحلفاء في حلف الناتو وجعل الأميركيين يعاقبون تركيا ويوقفون صفقة طائرات أف - 35، لا تتوانى تركيا عن مزاحمة موسكو عسكرياً في العديد من البلدان، كليبيا وسوريا وأوكرانيا وغيرها.
وكما في المرات السابقة، يقوم إردوغان اليوم بمحاولة ابتزاز الروس للوصول إلى مقايضة يستفيد منها ويوسّع نفوذه الإقليميّ. لقد نجح إردوغان في جرّ الروس إلى لعبة المقايضة تلك؛ فحين يتنافس الطرفان في ساحة من الساحات، ويجد إردوغان نفسه ملزماً بتقديم التنازلات أو مهدّداً بالخسارة، يقوم بالتصعيد في جبهة أخرى مشتركة، ما يدفع الروس إلى الجلوس حول الطاولة، والتوصل إلى حل هو عبارة عن مقايضة رابحة.
عملاً بمبدأ البازار الذي يُتقنه التركي جيداً، وفي حمأة التصعيد الروسي وحشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، قام الرئيس التركي بتقديم دعم صريح لكييف (بشكل غير متوقع). في أيار/ مايو المنصرم، استضاف إردوغان نظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في أنقرة، وأكد دعم تركيا لوحدة أراضي أوكرانيا وأيضاً دعْمَها عسكرياً، وتأييد انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
يعرف إردوغان أن كلامه لن يمر مرور الكرام عند بوتين، لكنه يدرك أن العلاقة التي رُسمت بين الطرفين لم تخرج يوماً عن إطار "التعاون التنافسي"، حيث يقوم اعتماد متبادل بين الطرفين، مع تنافس شرس على إنشاء مناطق نفوذ، يتم تحقيقها عبر حروب بالوكالة بين الطرفين، ودعم الأطراف المتقاتلين في سوريا وليبيا والقوقاز وغيرها.
وحدها أوكرانيا بقيت خارج اللعبة التنافسية الخطرة التي يقوم بها الطرفان، إذ يدرك إرودغان حساسية القضية بالنسبة إلى الروس، واقتصر دعمه لكييف على بعض الخطابات، والابتعاد عن العقوبات المفروضة على روسيا أو تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا في صراعها مع القوات المدعومة من روسيا في دونباس.
اليوم، يبدو إردوغان مرغماً على تنفيذ تعهداته في سوريا، وهو يعاني من تراجع شعبيته في الداخل، في ظل أزمات حادّة يعاني منها الاقتصاد التركي، وتراجع سجل تركيا في حقوق الإنسان، ما يقلّل من إمكان خلق نظرة إيجابية اقتصادية جيدة وجذب الاستثمارات.
تهدف أنقرة من خلال دعم أوكرانيا إلى دفع بوتين إلى مقايضة ومساومة، كما حصل في العديد من المراحل السابقة، حيث تساهل بوتين في طموحات إردوغان الجيوبوليتكية (في ناغورنو كاراباخ على سبيل المثال) من أجل كسب في ساحات أخرى.
وهكذا، في الوقت الذي أعرب فيه إردوغان (خلال زيارته سوتشي في أواخر أيلول/ سبتمبر الحالي) عن أن "السلام في سوريا مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا، والخطوات التي يتخذها البلدان معاً بشأن سوريا لها أهمية كبيرة"، كانت آليات عسكرية تركية محمّلة بالسلاح الثقيل وبدبابات ومدفعية قد دخلت سوريا، بعد حديث عن عملية عسكرية ينوي الجيش السوريّ القيام بها في إدلب لتحريرها.
لذلك، لا يمكن فصل التصعيد الذي يقوم به إردوغان في أوكرانيا، واستفزاز روسيا على حدودها المباشرة، عن التطورات والعملية العسكرية المرتقبة في سوريا، حيث رصدت مصادر إعلامية دخول أرتال عسكرية تركية هذا الأسبوع، وتوجّهها نحو النقاط التركية في جبل الزاوية وريف إدلب الغربي.
وهكذا، يمكن القول إن ممارسة سياسة الابتزاز التي أتقنها إردوغان ومارسَها مع بوتين، قد نجحت إلى حدٍ ما في إعطائه الكثير من المكاسب الاستراتيجية، سواء في سوريا أم أرمينيا أم ناغورنو كاراباخ. لكنّ أوكرانيا تمثّل جزءاً لا يتجزّأ من الأمن القوميّ الروسيّ، ولقد أظهر بوتين استعداداً لحماية هذه المصلحة القومية حتى لو كلفته حرباً مع حلف الناتو. لذا لا نتوقع أن يستمر الدعم التركي العسكري لأوكرانيا أو أن يغامر إردوغان في محاولة مساعدة أوكرانيا للهجوم على مناطق الشرق الأوكراني لاستعادتها من الانفصاليين.
بالنسبة إلى بوتين: أوكرانيا ليست أرمينيا، ولا سوريا ولا ليبيا، هي جزء من روسيا التاريخية، وخسارتها تعني تهديد موسكو، لذا لن يكون لإردوغان ما يريد، ولن يحظى الأوكراني بالدعم التركي لمدة طويلة. وتبقى الأنظار على سوريا!
لا تتبنى بالاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.