هل يطرد ترامب جون بولتون؟
بما أن ترامب يحتاج إلى إنجازٍ خارجي ما يوظّفه في الداخل الأميركي على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس، وتلهّي الرأي العام الأميركي عن فضائحه المُتكررة، فإنه يحتاج إلى عقد تلك القمّة مع كوريا الشمالية والحصول على مكاسب هامة بالإعلان عن نزع السلاح الكوري الشمالي، فهل يُقيل ترامب جون بولتون بعدما تبيّن أنه يلعب دوراً تخريبياً - قد يكون مُتعمّداً - في موضوع كوريا الشمالية؟. الأرجح أنه سيتركه في الوقت الحاضر لأنه يكنّ العداء لإيران ومُخلص لإسرائيل، ولكنه لن يتوانى عن إقالته فيما لو استمر بتصريحاته المُضرّة لما يعتقد ترامب أنه إنجاز تاريخي يُسجّل له، ويحتاجه ترامب بشدّة.
هل يطرد ترامب جون بولتون؟
بين مدٍّ وجزر، ينتظر العالم اللقاء المُرتقب بين كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جون-أون، فبعد أن كتب ترامب رسالة يعلن فيها إلغاء القمة، عاد وتراجع مبدياً تفاؤله حول انعقاد القمة في موعدها، وذلك على أثر مشاورات قام الرئيس الكوري الجنوبي بها مع نظيره الشمالي للاطّلاع على هواجسه وبحث سُبل إعادة المفاوضات بين الإثنين.
ولا شكّ أن ما أعلنه الرئيس الكوري الجنوبي من أن الجانب الشمالي مستعد لنزع سلاحه النووي ولكن القلق يتأتّى من ألا يؤدي نزع السلاح إلى دفع الولايات المتحدة إلى إنهاء حال العداء وإعطاء ضمانات للنظام الكوري الشمالي، يلخّص جوهر المشكلة وعدم الثقة التي تطبع العلاقات بين البلدين.
ويبدو القلق الكوري الشمالي مشروعاً، خاصة بعدما صرّح جون بولتون بأن الولايات المتحدة تأمل أن تطبّق مع كوريا الشمالية نفس الاتفاقية كما مع ليبيا، وهذا يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تنوي تقديم أية تنازلات أو حوافز للنظام الكوري الشمالي مقابل نزع أسلحته النووية، بل إن التشبيه بالنموذج الليبي، قد يعني أن الولايات المتحدة قد تحاول تغيير النظام الكوري الشمالي بالقوّة تماماً كما فعلت مع معمّر القذافي الذي عقدت معه اتفاقية عام 2004، أسفرت عن نقل المعدّات النووية الليبية إلى الولايات المتحدة، ثم ما لبثت أن أطاحت به وقامت الميليشيات المدعومة من الغرب والأميركيين في ليبيا باغتياله بعد أقل من عقد من الزمن.
ويبدو أن الذكريات الكورية الشمالية مع بولتون، لا تبشّر بالكثير من الإيجابية، فقد عمد الرئيس الأميركي جورج بوش عام 2002، وبتحريضٍ من جون بولتون، إلى إلغاء اتفاقيةٍ سابقةٍ كانت قد عُقِدت مع كوريا الشمالية، كما دعا بولتون في وقتٍ سابقٍ وقُبيل انضمامه إلى فريق البيت الأبيض بوقتٍ قليل، الإدارة إلى القيام بضربة عسكرية استباقية لكوريا الشمالية.
ويبقى من الأمور المُقلقة أيضاً، قيام ترامب بالانسحاب من طرفٍ واحدٍ من، وهو ما لا يُبشّر بالكثير من الإيجابية والثقة مع الإدارات الأميركية المُتعاقبة، إذ أن انسحاب ترامب من اتفاق أممي أخذ الكثير من الجهد الدبلوماسي لإقر الاتفاق النووي الإيرانياره، يجعل من السهل على أي رئيس أميركي قادم، التنصّل من الاتفاق الذي سيعقده ترامب مع بيونغ يانغ، والتهديد - كما يفعل ترامب الآن مع إيران - بخيارات عسكرية وإبداء الرغبة بالعمل على تغيير النظام.
ولكن، بكل الأحوال، إن ما حمى نظام بيونغ يانغ في وقت سابق، لم يكن عدم الرغبة الأميركية في عدم التدخّل أو تقاعُس الإدارات الأميركية عن محاولة النيل من النظام المُعادي لها في شبه الجزيرة الكورية، بل بالتحديد الحماية الصينية لهذا البلد المجاور.
لطالما شكّلت كوريا الشمالية "البلد الحاجز" بالنسبة للصين، أي أنها المنطقة العازِلة التي تفصل الجغرافيا الصينية عن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية. لقد عمد الأميركيون خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الى إنشاءِ سورٍ من الحلفاء لتهديد الصين واحتوائها (اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، الفليبين وغيرها) وذلك من ضمن استراتيجية احتواء الشيوعية التي أقرّها الرئيس ترومان واستكملت في مرحلة ما بعده.
وبالإضافة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية التي تربط الصين بكوريا الشمالية، بالتأكيد لن تسمح الصين للولايات المتحدة بالقضاء على نظامٍ حليفٍ، ولا زَرْع الفوضى في جوارها بما يرتدّ سلباً على الأمن القومي الصيني، ولا أن تتم منافستها في مجالها الاقليمي، وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من قدرة اقتصادية وسياسية وعسكرية وخاصة مع ما يترتّب على هذه الفوضى من تدفّق اللاجئين، وإعطاء مساحة من عدَم الاستقرار تزدهر من خلالها حركات الإسلام السياسي والتكفيري التي ستُهدّد الصين في عُقر دارها.
لكل هذه الأسباب وغيرها، سيكون من المُتعذّر على الأميركيين القيام بضربات استباقية لبيونغ يانغ - كما هدّد بولتون - كما من غير الممكن تحدّي الصين في عُقر دارها بتكرار التجربة الليبية والقيام بتغيير النظام وزرع الفوضى في الجوار الصيني المباشر.
وبما أن ترامب يحتاج إلى إنجازٍ خارجي ما يوظّفه في الداخل الأميركي على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس، وتلهّي الرأي العام الأميركي عن فضائحه المُتكررة، فإنه يحتاج إلى عقد تلك القمّة مع كوريا الشمالية والحصول على مكاسب هامة بالإعلان عن نزع السلاح الكوري الشمالي، فهل يُقيل ترامب جون بولتون بعدما تبيّن أنه يلعب دوراً تخريبياً - قد يكون مُتعمّداً - في موضوع كوريا الشمالية؟. الأرجح أنه سيتركه في الوقت الحاضر لأنه يكنّ العداء لإيران ومُخلص لإسرائيل، ولكنه لن يتوانى عن إقالته فيما لو استمر بتصريحاته المُضرّة لما يعتقد ترامب أنه إنجاز تاريخي يُسجّل له، ويحتاجه ترامب بشدّة.