قبل 8 شهور
حسني محلي
137 قراءة

حرب تموز وطوفان الأقصى.. متى الجولة الثالثة؟

لدى حديثه عن حرب الاستنزاف التي بدأها بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، قال الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر: "ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وهو ما ثبت في المرحلة الأولى من حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 عندما اجتاح الجيش المصري فجر يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر خط بارليف الشهير، وكاد أن يحقق انتصاراً عظيماً لولا خيانة السادات في آخر لحظة، وهو الانتصار الذي كّرره مقاتلو حماس والجهاد الإسلامي في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي عندما اجتاحوا خطوط الدفاع الإسرائيلية في غلاف غزة وأسقطوا أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، الذي مُني بهزيمته النكراء الثانية في حرب غزة المستمرة. 

على الرغم من التفوق العسكري التكنولوجي المدعوم أميركياً وأطلسياً، وحتى إقليمياً، حيث القواعد الأميركية في معظم الدول العربية وتركيا، فقد مني الكيان الصهيوني بهزيمة كبرى بعدما فشل، وباعتراف وزير الدفاع الأميركي أوستن، في كل مساعيه ومحاولاته للقضاء على حماس والجهاد الإسلامي والمقاومة الفلسطينية المسلحة، كما فشل في كسر إرادة الصمود الأسطورية للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية على الرغم من تواطؤ وعمالة وتآمر الأنظمة العربية والإسلامية والبعض من الفلسطينيين.

وهنا، يتذكّر الجميع تواطؤ هذه الأنظمة وتآمرها على حزب الله الذي لقّن الكيان الصهيوني طعم الهزيمة الأولى في حرب تموز/يوليو 2006، التي غطيت أحداثها آنذاك شخصياً لمدة أسبوعين، إذ تصدى مقاتلو حزب الله بحاضنته السياسية الوطنية المدعومة من معظم الفئات الشعبية الشريفة لبنانياً وعربياً وإسلامياً للعدوان الإسرائيلي طيلة 33 يوماً، فألحقوا بالجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر" خسائر فادحة من الدبابات والمدرعات والبوارج الحربية، وأجبروا الآلاف من اليهود على الهرب من مستوطناتهم القريبة من الحدود مع لبنان بعدما أصيب أكثر من 2500 منهم بجراح خلال هجمات مقاتلي حزب الله والجيش اللبناني، وهي الخسائر التي ألحقها مقاتلو حزب الله ومن معهم من الوطنيين اللبنانيين بالجيش الإسرائيلي وكل عملائه في الداخل اللبناني، إذ اضطر هذا الجيش إلى الانسحاب من جنوب لبنان في حزيران/يونيو 2000 بعد احتلال دام 18 عاماً.

وقد كنت شاهداً على التظاهرات والمسيرات والفعاليات الاحتفالية العظيمة لمناسبة هذا الانتصار، وتحدثت عن تفاصيله وخلفياته آنذاك مع رئيس الوزراء سليم الحص ونائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم وسماحة السيد محمد حسين فضل الله وآخرين.

وربما لهذه الأسباب بدأ العديد من حكام الكيان الصهيوني، ومن بينهم رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك وإيهود أولمرت، ومعهما العديد من المفكرين الصهاينة، بالحديث عن احتمالات زوال هذا الكيان خلال السنوات القليلة القادمة ليعيد التاريخ نفسه، إذ لم تعمر الدولتان اليهوديتان في التاريخ أكثر من 80 عاماً لكل منها. 

وجاء طوفان الأقصى ليرسخ هذه التكهنات بعدما ثبت للجميع بأن "الجيش" والمجتمع الإسرائيلي لم يعودا "نموذجيين"، كما كان البعض يتخيل، بمن فيهم أبواق أنظمة التواطؤ والعمالة العربية والإسلامية التي كانت تسوّق لهذا الكيان من أجل إقناع شعوبها بأهمية الاتفاقيات الإبراهيمية. 

وربما لهذا السبب استنفرت هذه الأنظمة وأبواقها كل إمكانياتها الإعلامية والسياسية لإنقاذ الكيان الصهيوني من الورطة التي وقع فيها بعدما فشل في هزيمة المقاومة الفلسطينية ومنع حزب الله وأنصار الله والشعوب العربية من التضامن مع الشعب الفلسطيني. 

وترى هذه الأنظمة في صمود الشعب الفلسطيني مصدر رعب حقيقياً لها وللكيان الصهيوني، لأنها تعرف جيداً أن انتصار الشعب الفلسطيني هو انتصار لجبهة المقاومة، أي انتصار إيران وسوريا والعراق واليمن وباقي قوى وشعوب المنطقة المتضامنة مع فلسطين. 

وتعرف جيداً أن المجتمع الإسرائيلي، وحتى "جيشه الذي لا يهزم"، لن يتحمل هزيمة رابعة بعد الانسحاب من جنوب لبنان وحرب تموز/يوليو، والآن طوفان الأقصى، الذي سيتحول عاجلاً أم آجلاً إلى طوفان فلسطين الذي سيقضي على أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وأيضاً ووأيضاًيضاً على كل أساطير اليهود ومقولاتهم التوراتية المحرفة. 

وربما لهذا السبب تحدث نتنياهو وحكام "تل أبيب" عن حربهم مع "العمالقة"، فيما أفتى حاخاماتهم بقتل أطفاء ونساء فلسطين وإحراق الأخضر واليابس، من دون أن يساعدهم كل ذلك على تحقيق أي انتصار ملموس يرفع من معنويات الناس في الداخل الإسرائيلي والخارج. 

الغالبية العظمى من يهود العالم يؤيدون هذا الكيان الإجرامي، ومن منطلقات دينية صهيونية نجحت في نقل مئات الآلاف من يهود العالم إلى فلسطين منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى قيام "الدولة" العبرية وبعدها، وإلا، كيف لنا أن نفسر هجرة يهود روسيا وأوروبا وأفريقيا، بل يهود الدول العربية، إلى فلسطين، وليس بينهم أي قواسم مشتركة إلا الدين اليهودي الذي أمرهم بالنظرية الصهيونية بالقيام بمثل هذه الهجرة التي تتطلب منهم جميعاً قتل الشعب الفلسطيني والسيطرة على بيوته وأراضيه، وحتى أنهاره وبحاره، وإلا كيف ليهود روسيا وأوكرانيا بثقافاتهم ونمط معيشتهم أن ينسجموا مع يهود إثيوبيا أو اليمن والهند مثلاً، مع التذكير بأن يهود روسيا وأوكرانيا يعيشون شتاءً تحت الصفر بنحو 30 درجة، في الوقت الذي يعيش يهود إثيوبيا واليمن والهند نحو 45 درجة فوق الصفر صيفاً!

وبهذه المعطيات وغيرها اجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً ونفسياً، لن يحالف الحظ اليهود في "إسرائيل"، وهم ليسوا أمة أو شعباً، ومهما حظوا بدعم الدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية، بأن يتخلصوا من آثار الهزيمة التي ذاقوا طعمها لأول مرة وهم في عقر دارهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر  الماضي. 

ويفسر ذلك بكل وضوح عصبية الأحزاب والقوى اليهودية المتطرفة داخل الحكومة وخارجها وحديثها عن الاستمرار في الحرب حتى النهاية، لأنها تعرف جيداً أن الداخل الإسرائيلي لن ترتفع معنوياته من دون ذلك، بعدما لم يعد يتحمل أي انتكاسة جدية، وهي قادمة لا محالة، مهما طال الزمن.

بين تحرير الجنوب اللبناني وحرب تموز/يوليو 6 سنوات تخللها احتلال أفغانستان والعراق. وبين حرب تموز وطوفان الأقصى 17 عاماً، وبينهما "الربيع العربي" الذي أرادت "تل أبيب" وحلفاؤها إقليمياً ودولياً له أن يعوض الكيان الصهيوني هزيمته في حرب تموز 2006، وهو ما كاد أن يتحقق له لولا دخول حزب الله مرة أخرى على الخط ليفشل هذا المشروع الصهيو/إمبريالي الذي أكسب الكيان الصهيوني بعض الوقت، إلا أنه لن ينجيه من نهايته الحتمية التي اقتربت بمعجزة طوفان الأقصى.

ومع اقتراب موعد الزوال، وأياً كانت نهاية الحرب الحالية في غزة بانعكاسات ذلك على الضفة الغربية، فالجميع يعرفون أن "تل أبيب" وجميع العواصم الإقليمية المتواطئة معها لا تريد لهذه الحرب أن تنتهي بهزيمة "إسرائيل"، أياً كان شكل هذه الهزيمة أو شكل الانتصار الفلسطيني الذي سيمنح الشعب الفلسطيني ومن معه في لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران وباقي أنحاء العالم تفوقاً نفسياً سيشجعهم على الاستعداد للضربة القاضية على الكيان الصهيوني، وهو زائل بلا محالة، وإلا لما تحققت معجزة الصمود الفلسطيني منذ 5 أشهر، كما تحققت في انتصار حرب تموز/يوليو، والآن في إذلال أبناء اليمن العظيم لكل الدول والقوى الإمبريالية وعملياتها في المنطقة وخارجها.

ويبقى الرهان الأخير على عاملين أساسيين؛ أولهما صبر الشعب الفلسطيني بكل فصائله في مقابل انهيار واضح لمعنويات المستوطنين الإسرائيليين بعد صدمة طوفان الأقصى الذي ذكرهم بهزيمة تموز/يوليو، وبينها جميعاً العديد من انتفاضات الشعب الفلسطيني التي تحولت من ثورة الحجارة إلى ثورة الثوار الذين كانوا بالأمس يرمون دبابات العدو بالحجارة، وها هم الآن يقصفون ثكناتهم ومدنهم ودباباتهم بالصواريخ التي تثبت مقولة الزعيم الراحل عبد الناصر "إن ما أُخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة"، وهو ما سيتحقق للشعب الفلسطيني في جولته الثالثة قريباً بإذن الله.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP