قبل 4 سنە
حسني محلي
471 قراءة

إردوغان وآيا صوفيا.. خلافة وسلطنة وفتوحات

 

مقالي الأول لهذا العام كان بعنوان "تركيا وإردوغان.. انتظروا المفاجآت". وكان الموقف التركي في الدفاع المستميت عن إدلب بمثابة المفاجأة الأولى ولحق به التدخل التركي المباشر في ليبيا مع مفاجآت أصغر على صعيد التهديدات التركية لقبرص في موضوع الغاز ولليونان في ما يتعلق بجزرها القريبة من السواحل التركية، وهو ما انعكس على العلاقات التركية مع أوروبا عموماً باعتبار أن اليونان ومعها قبرص عضوان في الاتحاد الأوروبي، الذي وجد نفسه في أزمة أخرى مع أنقرة بسبب التوتر العسكري التركي المباشر مع فرنسا قبالة السواحل الليبية. 

وجاء قرار المحكمة العليا التي ألغت قرار الحكومة لعام 1934، والذي حوّل آيا صوفيا من جامع إلى متحف ليحمل في طياته رسائل ومعاني كثيرة على طريق إحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية بعد ما يسمى بالربيع العربي الذي أراد له إردوغان أن يساعده لتحقيق حلمه في زعامة الأمة الإسلامية والإسلاميين بعد أن أبعدهم إردوغان عن آل سعود.

هذا الأمر كان كافياً لاستفزاز مشاعر الفتوحات العثمانية التركية لتتجاوز حدود الجمهورية التركية الحالية إلى حيث كان العثمانيون يحكمون حتى بدايات القرن الماضي. وتطلب ذلك المزيد من المقولات والفعاليات الدينية لإقناع إسلاميي العالم أن إردوغان زعيم العالم الإسلامي عقائدياً وسياسياً وأنه محمد الفاتح الجديد الذي فتح القسطنطينية عام 1453 وجعل من كنسية آيا صوفيا وهي الكنسية الأم في العاصمة البيزنطينية جامعاً للمسلمين. 

وبقيت آيا صوفيا بطابعها الكنيسي مع إضافة المآذن إليها كجامع حتى العام 1934 عندما قرر مصطفى كمال أتاتورك تحويلها إلى متحف باعتبار أنها إرث تاريخي للإنسانية جمعاء وكرمز للأخوة المسيحية - الإسلامية.

وجاء خطاب الرئيس إردوغان، الذي سبق له أن رفض أكثر من مرة خلال السنوات الماضية تحويل آيا صوفيا إلى جامع، ليثبت رغبته في تسويق الجامع كرمز للخلافة الإسلامية الجديدة بعد أن تحدى ويتحدى وسيتحدى الجميع، في الخارج إقليمياً ودولياً، وفي الداخل كل من يعترض على مشاريعه في الخارج. 

فإردوغان خارجياً بعد أن تحدى كل الدول العربية يهدد ويتوعد الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي واليونان، والآن روسيا، من خلال آيا صوفيا باعتبار أنها رمز الدولة البيزنطينية الأرثوذوكسية، وهي مذهب روسيا واليونان ودول شرق أوروبا.

وداخلياً يهدد ويتوعد إردوغان بالقضاء على كل ما له علاقة بأتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة والذي ألغى السلطنة والخلافة العثمانية التي انتهت قبل ذلك بهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وجاء مصطفى كمال وأقام على أنقاضها جمهوريته بعد أن طرد المحتل البريطاني والفرنسي واليوناني والإيطالي والروسي.

ونجح إردوغان حتى الآن في جميع مساعيه للتخلص من إرث أتاتورك خاصة بعد أن حول النظام السياسي إلى رئاسي في نيسان أبريل 2017 فسيطر على جميع مؤسسات ومرافق الدولة وأهمها الجهاز القضائي وتخلص من جميع معارضيه وخاصة الصحافيين وجاء الدور على من يدافع عنهم في المحاكم أي المحامين.

فقد شهدت إسطنبول والعاصمة أنقرة والعديد من المدن التركية الرئيسية خلال الأيام الماضية تظاهرات صاخبة شارك فيها عشرات الآلاف من المحامين الذين أعلنوا رفضهم للقانون الذي أقره البرلمان ويهدف للحد من سيطرة المعارضة على نقابات المحامين ولاحقاً كل النقابات المهنية. فقد استغل إردوغان محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016 فأقال نحو 6 آلاف من القضاة ووكلاء النيابة العامة بعد أن اتهمهم بالعلاقة مع الداعية فتح الله غولن ووضع الكثيرين منهم في السجون وتم تعيين أنصار وأتباع حزب العدالة والتنمية بدلاً عنهم. 

وبعد التعديلات الدستورية في نيسان/أبريل 2017 والتي غيرت النظام من برلماني إلى رئاسي أحكم الرئيس إردوغان سيطرته على المحاكم بكل أشكالها ومستوياتها ويتم تعيين أعضائها ومعهم وكلاء النيابة العامة من قبل المجلس الأعلى للقضاء الذي يترأسه وزير العدل. وتتهم المعارضة القضاة ووكلاء النيابة بالرضوخ لأوامر وتعليمات الرئيس إردوغان خلال ملاحقاتهم القضائية للصحافيين والسياسيين والأكاديميين والمحامين وكل المعارضين ووضع الكثيرين منهم في السجون.

وجاءت تهديدات الرئيس إردوغان بإغلاق جميع منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك "يوتيوب" و"تويتر" و"نتفليكس"، ليضع العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان أمام تحديات جديدة قد تنتهي قريباً "بصلاة الجنازة على أرواحها" مع المعلومات التي تتوقع للبرلمان أن يصدر قريباً قانوناً جديداً يفرض رقابة صارمة على مواقع التواصل الاجتماعي بأكملها.

ودفع كل ذلك الرئيس السابق عبد الله غول ورئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان لتوجيه انتقادات عنيفة جداً للرئيس إردوغان واتهموه معاً "بمعاداة الديمقراطية وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي"، ومن دون أن يخفوا "قلقهم من هذا المسار الخطير بعد سيطرة إردوغان على الجهاز القضائي" على حد قولهم.

وجاء قرار المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون الأسبوع الماضي بمنع قناتين معارضتين لمدة 5 أيام بسبب برامجها عن ليبيا وسوريا ليثبت الرغبة الحقيقية لدى الرئيس إردوغان بالتخلص من كل أنواع المعارضة الإعلامية حتى يمنع على المعارضة السياسية إيصال صوتها إلى الجماهير الشعبية.

 كل ذلك بعد أن أثبتت استطلاعات الرأي تراجع شعبية إردوغان وحزبه باستمرار منذ الهزيمة التي مُنيا بها في الانتخابات البلدية التي انتصر فيها مرشحو المعارضة في أهم الولايات وأهمها إسطنبول وأنقرة وإزمير . وتوقعت كل الاستطلاعات لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش أن يهزما إردوغان في انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2023 أو قبل ذلك وبفارق 10 نقاط تقريباً. وأثبتت الدراسات أيضاً أن الدعاية والحملات الانتخابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي أدّت وستؤدي دوراً مهماً في شعبية مرشحي المعارضة وهو ما سيدفع إردوغان لتشديد الرقابة على هذه الشبكات وبالتالي استصدار القوانين والمراسيم الرئاسية للحد من صلاحيات رؤساء البلديات حتى يقال عنهم إنهم فشلوا في خدمة المواطن.

ودفعت كل هذه المعطيات وتلك المحتملة على المدى القريب والمتوسط زعيم حزب السعادة "الإسلامي" تامال كاراموللا أوغلو للتشكيك في مستقبل الديمقراطية برمتها حيث استبعد للرئيس إردوغان "إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية إذا لم يضمن نتائجها مسبّقاً كما هو الحال في العديد من دول العالم الثالث".

وتتوقع الأوساط السياسية للرئيس إردوغان المزيد من الإجراءات الصارمة ضد المعارضة بما في ذلك رفع الحصانة البرلمانية عن عدد كبير من قيادات وأعضاء حزب الشعب الجمهوري بمن فيهم زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو ليتسنى للقضاء محاكمتهم وهو ما هدد به البعض من قيادات حزب العدالة والتنمية كما هم استهدفوا بتصريحاتهم زعيمة الحزب الجيد مارال اكشانار وقيادات حزب الشعوب الديمقراطي وعشرة من أعضائه البرلمانيين موجودون في السجن بمن فيهم الرئيسان المشتركان صلاح الدين دميرطاش وفيكان يوكساكداغ. وهو الاحتمال الذي إن تحقق سيكون بمثابة المفاجأة الأكبر التي ستضع تركيا أمام تحديات جدية وخطيرة لا تحمد عواقبها بسبب التوتر السياسي والاجتماعي الذي تعيشه تركيا منذ فترة طويلة بسبب سياسات إردوغان الذي يسعى للتخلص من النظام العلماني وأسلمة الدولة والأمة التركية .

على أن تبقى مشاكل السياسة الخارجية بعيداً عن اهتمامات الإعلام الموالي إلا إذا طلب منه إبراز "الانتصارات العظيمة" للرئيس إردوغان في ليبيا وسوريا والعراق أو أي مكان آخر في العالم وكما هو الحال في قرار آيا صوفيا "وهي البداية لتحرير الأقصى من الصهاينة والكعبة المشرفة من آل سعود" وفق كلام صحيفة "يني شفق" الموالية لإردوغان.

ومن دون أن تسمح الرقابة الحكومية مع ملاحقات أمنية وقانونية للإعلام المعارض بالتطرق لمثل هذه الأمور والحديث "عن خفايا وأسرار هذه الانتصارات ونتائجها وانعكاساتها المحتملة على تركيا سياسياً واقتصادياً ومالياً وأمنياً واستراتيجياً على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي". 

واعتبر البروفسور آوميت آوزداغ أستاذ العلاقات الدولية وعضو البرلمان عن الحزب الجيد هذه النتائج والانعكاسات على الصعيد الخارجي "سبباً رئيسياً لمجمل مشاكل تركيا الداخلية وأهمها مساعي إردوغان في التغطية على فشله في الخارج بمزيد من الاستبداد وكبت الحريات والقضاء على النظام الديمقراطي برمته"، وقال "إنه بعد أن سيطر إردوغان على جميع أجهزة ومؤسسات الدولة وأهمها الجيش والمخابرات والأمن أحكم سيطرته على القضاء وهو سلاحه الأقوى والأخطر للتخلص من كل من يعارضه في كل صغيرة وكبيرة لأنه يعرف أنه مخطئ وفاشل فيها والسبب بسيط وهو إن إردوغان ينظر للأمور نظرة عقائدية أثبت التاريخ فشلها دائماً".

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق  وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP