إردوغان يتودّد إلى "طالبان".. اللاجئون ورقة أم سلاح!
تشهد تركيا منذ حوالى شهر نقاشاً مثيراً في ما يتعلّق باللاجئين الأفغان الذين لا يمرّ يوم إلا ويتسلّل المئات، وأحياناً الآلاف منهم، إلى الأراضي التركية عبر الحدود مع إيران، في الوقت الذي تتناقل وسائل إعلام المعارضة والآلاف من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات هؤلاء اللاجئين، وجميعهم من الرجال، وبتعبير أدق من الشباب، وملابسهم نظيفة، رغم أنهم قطعوا ما لا يقل عن 2000 كيلومتر مشياً على الأقدام، وهم يحملون هواتفهم الخليوية!
ويثير ذلك العديد من التساؤلات لدى أوساط المعارضة التي لم تعد تخفي قلقها منهم، وكتبت من أجلهم سيناريوهات مثيرة. وناشد قادة أحزاب المعارضة الرئيس رجب طيب إردوغان لاتخاذ التدابير العاجلة لمنع تدفق اللاجئين، فيما اتهم وزير الثقافة الأسبق فكري ساغلار في حسابه في "تويتر" الرئيس إردوغان "بالانصياع لأوامر الرئيس بايدن وفتح أبواب تركيا للأفغان الذين تواطأوا مع القوات الأميركية والأطلسية التي كانت تحتلّ بلادهم".
وعبّر ساغلار "عن قلقه من احتمالات أن تكون هناك خطّة سريّة متّفق عليها بين واشنطن وأنقرة للاستفادة من هؤلاء اللاجئين في مهمات سرية وخطيرة في أفغانستان أو أيّ مكان آخر، وكما هو الحال بالنسبة إلى المرتزقة الذين تم نقلهم من سوريا إلى ليبيا، وبعدها إلى كاراباخ".
أما الجنرال المتقاعد نعيم بابور أوغلو، فقد غرّد أيضاً في "تويتر"، وقدّر "عدد الَّذين تعاونوا مع أميركا في أفغانستان بمليون شخص"، وتوقّع لهم "أن يغادروا البلاد مع اقتراب استلام طالبان للسلطة"، وقال: "لا يدري أحد من هم هؤلاء، وقد يكون من بينهم إرهابيو القاعدة وداعش وطالبان، بل وحتى عملاء لأجهزة مخابرات دولية، وهو ما سيهدّد أمن واستقرار تركيا ونسيجها الاجتماعي".
النقاش المتصاعد حول أزمة اللاجئين الأفغان، والذي أعقب اتفاق إردوغان مع بايدن في ما يتعلَّق بإرسال الجيش التركي إلى أفغانستان، صادف أيضاً الحملة التي تستهدف اللاجئين السوريين، وعددهم 3.7 ملايين، مع تصعيد مقصود من جهات قومية تستفزّ الشارع ضد السوريين عموماً، وهو ما أدى إلى أعمال عنف متكرّرة تستهدفهم.
ففي استطلاع للرأي أجري الأسبوع الماضي، أكد 76.2% من المواطنين "ضرورة إعادة كلّ اللاجئين الأجانب إلى أوطانهم"، وقال 81.9% من المشاركين في الاستطلاع "إن على الدولة التركية أن تبدأ حواراً مباشراً مع الرئيس بشار الأسد لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم فوراً".
رأي الشارع التركي هذا جاء دعماً لتصريحات متتالية أطلقها زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو الذي قال: "فور استلامنا السلطة، سنعيد العلاقات إلى وضعها الطّبيعيّ مع دمشق للاتفاق معها على خطّة شاملة وإنسانيّة لإعادة السوريين إلى بلادهم خلال فترة أقصاها عامان مع إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وبمساعدة دول الاتحاد الأوروبي"، من دون أن يهمل كليجدار أوغلو "تحميل إردوغان مسؤوليّة نزوح السوريين إلى تركيا"، متهماً إياه في معظم تصريحاته "بالتدخّل المباشر ودعم المجموعات المسلّحة التي تقاتل ضدّ الدولة السورية، وهي السّبب في نزوح السوريين".
يبدو واضحاً أنَّ الرئيس إردوغان والمسؤولين الأتراك غير مبالين بكل الانتقادات الموجّهة إليهم، إن كان في موضوع اللاجئين السوريين، والآن الأفغان، فقد استخدم إردوغان، والكلام للمعارضة، اللاجئين السوريين كورقة مهمة في مساوماته مع الاتحاد الأوروبي الّذي اضطرّ إلى دفع 6 مليار يورو لأنقرة، مقابل أن تمنعهم من السفر إلى أوروبا براً أو عبر بحر إيجة وأمام أنظار خفر السواحل التركي.
وقد غرق المئات من اللاجئين في هذا البحر عندما كانوا في طريقهم إلى الجزر اليونانية بقوارب مطاطية اشتروها من عصابات المافيا. ويقال إنَّها ربحت من عمليات التهريب ما لا يقل عن 3 مليار دولار للفترة الممتدة بين 2011-2017، إذ وصل عدد الّذين غادروا تركيا إلى أوروبا إلى أكثر من مليون ونصف المليون، واستقبلت ألمانيا معظمهم، لحاجتها الماسّة إلى المزيد من الأيدي العاملة.
الرئيس إردوغان والمسؤولون، وفي أكثر من مناسبة، أكَّدوا أنهم "لن يتراجعوا عن قرارهم في تقديم كل المساعدات والتسهيلات للاجئين السوريين، ولن يطلبوا منهم العودة إلى بلادهم إلا إذا قرروا ذلك بمحض إرادتهم"، فيما تبيّن استطلاعات الرأي التي أجرتها الأجهزة الحكومية "أن 86% من السوريين، وعددهم 3.7 مليون، لا يفكرون في العودة إلى سوريا مع استمرار الوضع الحالي فيها، وأنهم مرتاحون إلى وضعهم المعيشي في تركيا"، على الرغم من أن 400 ألف من أطفالهم لا يذهبون إلى المدارس، وأجورهم أقل بـ50% من أجور المواطن التركي، وأعمار 2 مليون و620 ألفاً منهم دون الـ18 عاماً.
الجنرال المتقاعد توركار أرتورك اتهم الرئيس إردوغان بـ"الاستفادة من هؤلاء اللاجئين والمواطنين السوريين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الموالية لها كورقة في مساوماته الحالية والمستقبلية مع دمشق وأطراف إقليمية ودولية مهتمة بالأزمة السورية".
وقدّر أرتورك "عدد هؤلاء السوريين في الداخل وفي تركيا بحوالى 7 مليون من أصل 23 هم سكّان سوريا"، وقال: "يريد إردوغان لهؤلاء أن يكونوا لسان حاله في سوريا في المستقبل".
الجنرال السابق خلدون صولماز تورك شكَّك في "نيات الرئيس إردوغان"، وتوقع له "أن يستفيد من اللاجئين السوريين، ولاحقاً الأفغان، وآخرين من دول أخرى، كليبيا والصومال، في مهمات خفية داخل تركيا مع ازدياد عدد الذين يحصلون على الجنسية التركية من هؤلاء (حتى الآن 120 ألفاً)، وهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد".
كما لا تخفي أوساط المعارضة احتمالات "استخدام البعض من اللاجئين، وخصوصاً مسلحي الفصائل المختلفة المتحالفة مع الجيش التركي، في مهمات أمنية داخلية، كالحرب ضد حزب العمال الكردستاني أو في حال انفجار الوضع الأمني الداخلي ضد إردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم".
في جميع الحالات، ومع استمرار سياسات الرئيس إردوغان العقائدية التي يريد لها أن تساعده لكسب المزيد من الشعبية "كزعيم لكل الإسلاميين والمسلمين في العالم"، يبدو واضحاً أن أنقرة لن تتراجع عن سياساتها الحالية في قضية اللاجئين السوريين والآن الأفغان.
هذا الأمر أثبته الرئيس إردوغان الذي قال في 20 تموز/يوليو الماضي: "إنني أتوقع أن نبحث مع طالبان ونتفق معها بسهولة حول العديد من القضايا، لأنه لا خلاف بين تركيا وما تؤمن به طالبان". إردوغان الذي اعترف ليلة الأربعاء (11 آب/أغسطس) بـ"أهمية أفغانستان بعدد سكانها البالغ 35 مليوناً"، قال هذه المرة: "اتصالاتنا مستمرة مع طالبان عبر أجهزتنا المختلفة، وأنا شخصياً قد أستقبل زعيمهم، فإذا لم نستطع أن نسيطر على الأمور عبر الحوار على مستوى عالٍ، فلن يتسنى لنا تحقيق السلام هناك".
كلام إردوغان هذا جاء بعد الاتصال مع الأمير القطري تميم، حيث يتواجد وفد "طالبان" هناك، ليكمل تحركاته بالاتصال مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، في محاولة منه لإثبات رغبة أنقرة في أن تكون طرفاً رئيسياً في مجمل تطورات الأزمة الأفغانية من الآن وصاعداً، لتكرّر بذلك تجربتها في سوريا، فكما كان لاجئوها ورقة وسلاحاً استفاد إردوغان منهم، ولا يزال، في مجمل حساباته المعقدة والمتداخلة في الشرق الأوسط، يبدو واضحاً أن أنقرة تخطط هذه المرة للاستفادة من اللاجئين الأفغان، لتفرض من خلالهم دورها هذه المرة في آسيا الوسطى، حيث الجمهوريات ذات الأصل التركي، والتي تحد روسيا والصين وإيران!
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.