قبل 11 شهور
حسني محلي
135 قراءة

إردوغان يتحدّى الألمان في عقر دارهم: "حماس حماس حماس"!

الاشراق | متابعة.

بعد يومين من تصريحات المستشار الألماني شولتز، والتي انتقد فيها موقف الرئيس إردوغان "ضد إسرائيل، ودفاعه عن حماس"، جاء إردوغان إلى برلين ليكرر موقفه تجاه حماس وفلسطين، وهذه المرة في وجه شولتز وإعلامه، الذي أراد أن يحرجه خلال المؤتمر الصحافي المشترك.

واتهم إردوغان ألمانيا بـ"الدعم المطلق لإسرائيل لأنها تفكر في أنها مدينة لها بحجة الهولوكست". وقال: "نحن لسنا مدينين لإسرائيل أو أي طرف آخر.

لذا، نقول الحق من دون أيّ تردد، وفي كل مكان، وسندافع عن الشعب الفلسطيني، الذي يدافع عن حقوقه وأرضه المحتلة". وتساءل: "لماذا أنتم هكذا تقولون حماس حماس حماس، في الوقت الذي تقتل إسرائيل الآلاف من الأطفال والنساء، وتدمر المستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس، ولا أدري لماذا أنتم غير مبالين بكنائسكم".

كلام إردوغان هذا أثار ردود فعل واسعة في الإعلام التركي والإعلام الألماني، بحيث وصفت صحيفة "دي زايت" الألمانية موقف شولتز بـ"الجبان" لأنه لم يتصدَّ لإردوغان، بينما شبّهت صحيفة "بيلد" مباحثات إردوغان وشولتز بـ"العصا والجزرة".

وأَوْلى الإعلام التركي، المكتوب منه والمرئي، اهتماماً واسعاً بأقوال إردوغان، عبر الهواء مباشرة، وعَدّ ذلك تحدياً واضحاً منه للموقف الأوروبي، وللموقف الألماني بصورة خاصة، المنحاز إلى جانب "إسرائيل"، مؤكداً أن موقف شولتز الاشتراكي الديمقراطي وشريكته زعيمة حزب الخضر، وزيرة الخارجية بيربوك، يُعَدّ تناقضاً واضحاً للمصالح الألمانية، كما هي الحال بشأن سياسات برلين ضد روسيا في أوكرانيا.

الخلاف التركي - الألماني اكتسب أهمية إضافية لأنه جاء في الوقت الذي تسعى أنقرة لشراء طائرات يورو فايتر، وهي من صنع ألمانيا (33%؜)، وبريطانيا (33%؜)، وإيطاليا (21%؜)، وإسبانيا (13%؜)، بعد أن انسحبت فرنسا من المشروع. وجاء هذا الاهتمام بالمقاتلة الأوروبية بعد أن تم استبعاد تركيا عن مشروع طائرات أف – 35، ورفضت واشنطن بيعها طائرات أف – 16، على الرغم من وعود الرئيس بايدن، الذي قيل إنه رفض دعوة إردوغان إلى البيت الابيض قبل نهاية العام الجاري، وذلك بطلب من منظمات اللوبي اليهودي الأميركي، والتي لم تُخفِ انزعاجها من تصريحات إردوغان ضد "إسرائيل"، وقال عنها إنها "دولة إرهابية" ويجب ملاحقتها في المحاكم الدولية. كما وصف حماس بأنها "حركة تحرر تناضل من أجل حقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية".

ومن دون أن تخفي واشنطن، طوال الفترة الماضية، انزعاجها من سياسات أنقرة تجاه الأزمة الأوكرانية، ورفضها التزام العقوبات الأميركية والغربية على موسكو، مع استمرار العلاقات الشخصية الوطيدة بين إردوغان وبوتين، وانعكاسات ذلك على حجم العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما في ذلك شراء صواريخ أس - 400 الروسية.

وجاءت تصريحات قائد القوات البحرية الأميرال تاتلي أوغلو لتعميم هذا الفتور وهذا التوتر بين أنقرة وواشنطن وحليفاتها، بحيث قال، قبل يوم من زيارة إردوغان ألمانيا: "إننا لن نقبل دخول السفن الحربية الأميركية والأطلسية البحر الأسود، لأننا لا نريد لهذه المنطقة أن تتحول إلى شرق أوسط جديد". وسيكون قرار البرلمان التركي قبل نهاية العام الجاري، والخاص بالموافقة على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، هو الاختبار الأخير في سياسات المد والجَزر بين إردوغان وحلفائه في الغرب.

أحزاب المعارضة تهربت من التعليق على أقوال إردوغان في برلين، واكتفت بتذكيره بتصريحاته المتناقضة سابقاً، إن كان فيما يخص تهديداته لألمانيا بشأن موضوع إرسال اللاجئين السوريين إليها، أو بشأن موضوع تهديداته لـ"إسرائيل"، خلال الأعوام العشرة الماضية، بحيث هددها وتوعدها اكثر من مرة، قبل أن يدعو رئيسها هرتسوغ إلى زيارة أنقرة في الـ9 من آذار/مارس من العام الماضي، ويلتقي نتنياهو في الـ20 من أيلول/سبتمبر الماضي. كما لم تهمل المعارضة تذكير إردوغان باستمرار علاقات أنقرة بـ"تل أبيب"، التي تستورد معظم حاجياتها من البترول والحديد والصلب والكيميائيات، وحتى المنتوجات الزراعية، من تركيا، التي غادر موانئها خلال الأيام الـ40 الماضية، 350 سفينة متجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.

التوتر في العلاقات التركية مع ألمانيا، وكانت حليفة تركيا في الحرب العالمية الأولى، وهو ما أدى إلى انهيار الدولة العثمانية، يبدو واضحاً أنه سينعكس على قرارات أنقرة بشأن رسم السياسات الخارجية، في المديين القريب والمتوسط، مع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وتحتلّ ألمانيا المرتبة الأولى في استثمارات الشركات الأجنبية في تركيا في الوقت الذي يزيد عدد الأتراك المقيمين بألمانيا على ثلاثة ملايين، ويؤثّر إردوغان على الأقل في خمسين في المئة منهم، سياسياً وعقائدياً، أي دينياً وقومياً.

وتتوقع الأوساط السياسية أن ينعكس التوتر الأخير بين أنقرة وبرلين، بسبب تناقض المواقف تجاه فلسطين وحماس، على علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي.

وكانت برلين فيه البلد الأكثر دعماً لأنقرة في مساعيها للانضمام إليه على الرغم من رفض إردوغان التزام معاييره الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي. ولم يدفع ذلك رئيس الوزراء شولتز إلى اتخاذ مزيد من المواقف العدائية العملية ضد تركيا، مهما كان الضغط عليها من "تل أبيب" وواشنطن، اللتين لا تريدان، ومعهما عواصم أخرى، أن يقترب الرئيس إردوغان "السنيّ" إلى الموقف الإيراني "الشيعي"، والذي أعلنه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال القمة العربية الإسلامية في الرياض، الأسبوع الماضي. وترى العواصم الغربية في هذا "التقارب"، في اللهجة الخطابية، واحتمالات التنسيق في المجال السياسي بين طهران وأنقرة، خطراً على مواقف العواصم العربية المتواطئة. وبفضلها يستمرّ العدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية، بتشجيع من العواصم المذكورة.

ويبقى الرهان على موقف الرئيس إردوغان، الذي إن لم يتراجع عن موقفه الحالي، فقد يستعيد سمعته قبل "الربيع العربي" الدموي وتدخله في سوريا، وهذه المرة عبر اتخاذ موقف واضح وعلني وشجاع ضد الكيان الصهيوني، مهما كانت الضغوط التي يتعرض لها، دولياً وإقليمياً. وما على إردوغان، في هذه الحالة، إلا أن يقطع كل علاقات أنقرة الاقتصادية والتجارية بالكيان الصهيوني فوراً ليساعده ذلك على مساعيه للضغط على العواصم العربية المتواطئة من أجل إقناعها بضرورة العمل المشترك ضد "تل أبيب"، وقبل أن تدمر غزة والضفة الغربية وتقتل الشعب الفلسطيني برمته بحجة حماس وعلاقاتها بإيران ودول المقاومة وقواها المعروفة.

وستكون الخطوة التالية، بالنسبة إلى إردوغان، أن يقترح تحالفاً إقليمياً سريعاً، يضمّ تركيا وإيران ومصر والسعودية، وحليفته قطر، من أجل اتخاذ موقف عملي وفعال مشترك لإيقاف الحرب فوراً.

وقد يساعده ذلك على تحقيق نقلة نوعية في سياساته الخارجية، عبر انعكاسات ذلك على الوضع الداخلي، بعد أن أثبتت التطورات الأخيرة "أن الغرب الإمبريالي لا يعاديه هو وتركيا فقط، أياً كان السبب، بل يعادي كل دول المنطقة وشعوبها، من خلال عقلية صليبية، وهذه المرة عبر الدعم المطلق للكيان الصهيوني، الذي لا ولن يرحم أحداً، وفق أيديولوجية نتنياهو، الذي يستشهد بآيات توراتية".

وما على المسلمين، شيعة وسنة وعرباً وتركاً وفرساً وكرداً، إلّا أن يواجهوها، إن لم يكن بالقرآن الكريم، فبالوعي والضمير الإنساني الشريف والمخلص، وهو أمر كفيل بتلقين الكيان الصهيوني الدرس الذي يستحقه، قبل فوات الأوان بالنسبة إلى الجميع، وفي المقدّمة إردوغان، الذي تغنّى في أعوام "الربيع العربي" بأمجاد الخلافة والسلطنة العثمانية، وقد يُحْيي ذكرياتهما من جديد، على أن يُثبت أنه يستحق ذلك، وهذه المرة عبر الدفاع الحقيقي والعملي، مع حلفائه الصادقين، عن فلسطين، لأنها ضمير كل الشرفاء ووجدانهم، ليس فقط في المنطقة، بل في العالم أجمع.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP