قبل 4 سنە
حسني محلي
412 قراءة

النزول من قطار الديموقراطية

بدأ رجب طيب إردوغان مساره السياسي بانضمامه إلى التيار الإسلامي تحت راية حزب السلامة الوطني الذي كان يتزعمه الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس الحركة الإسلامية، والذي أصبح رئيساً للوزراء في العام 1996، بعد أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء في العديد من الحكومات اليمينية واليسارية، ومنها حكومة بولند أجاويد التي اتخذت قرار التدخل في قبرص في العام 1974.

 وكانت المؤسَّسة العسكريّة وحلفاؤها المدنيون في المرصاد دائماً لأربكان ونهجه الديني، الذي اعتبره هؤلاء خطراً على النظام العلماني، وبالتالي الديموقراطي، الذي تخلص منه إردوغان بعد 17 عاماً من استلامه السلطة في انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002. 

وكان حزب العدالة والتنمية قد سيطر بفضل قانون الانتخابات على 66% من مقاعد البرلمان، بعد أن حصل على 34% من الأصوات، فأصبح عبد الله جول رئيساً للحكومة التي نجحت في إقناع المعارضة بتغيير الدستور ورفع الحظر الذي كان مفروضاً على إردوغان، بسبب قصيدة ألقاها بعد أن تم انتخابه رئيساً لبلدية إسطنبول في العام 1994 بحصوله على 25.19% فقط من أصوات الناخبين، وبعد أن فشل اليسار في الاتفاق على مرشح مشترك.

ورغم أنَّ إردوغان في بدايات حكمه، وبشيء من الذكاء، حرص على الحوار مع المؤسَّسة العسكريّة وباقي القوى السياسيّة، وتهرَّب من استفزازها، فإنه لم يتأخّر في استهداف الجيش، بدعم من حليفه السابق وعدوّه الحالي فتح الله جولان المقيم في أميركا. 

وكان أتباع جولان يسيطرون على القضاء والأمن، فاعتقلوا (الفترة الممتدة بين 2008-2012) المئات من جنرالات الجيش، ووضعوهم في السجون، بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري ضد الحكومة، ومن بين هؤلاء رئيس الأركان السابق إيلكار باشبوغ. وقيل إن رئيس الأركان السابق حلمي أوزكوك هو الذي وشى بهم جميعاً، لأنه كان مقرباً من جولان وإردوغان.

وجاء "الربيع العربي" والدور الذي أدته أنقرة ليساعد إردوغان في تنفيذ ما تبقى من أجندته، بعد أن استغلّ القضايا الخارجية في استراتيجياته الشخصية التي أراد لها أن تساعده ليتحوَّل إلى زعيم مطلق للبلاد من دون منافس ومنازع، وبدعم من دول وقوى خارجية، سعت لتسويقه في دول المنطقة وشعوبها كنموذج ديموقراطي علماني في دولة مسلمة مهمة كتركيا وريثة الدولة العثمانية.

وكان الخلاف الذي انفجر بينه وبين الداعية الإسلامي نهاية العام 2013، عندما سرَّب أتباع جولان تسجيلات صوتية لإردوغان ووزرائه أثبتت تورطهم في قضايا فساد خطيرة جداً، مع مخططات باجتياح سوريا، كافياً لفتح صفحة جديدة في الحياة السياسية في البلاد، فقد شنّ إردوغان، ومعه الإعلام الموالي، هجوماً عنيفاً على جولان، وقال عنه الإعلام إنه عميل لأميركا و"إسرائيل" وألمانيا التي حصلت على جميع أسرار تركيا بفضل أتباعه في الأمن، الذين كانوا يتنصتون على مكالمات كل المسؤولين، السياسيون منهم والعسكر.

وكان هذا التوتّر بين الطرفين مؤشراً مهماً على المرحلة التالية من المواجهة بينهما، وهو ما تحقّق بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 تموز/يوليو 2016. وشكَّك زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو وقادة أحزاب المعارضة الأخرى بجدية هذا الانقلاب، وقالوا عنه إنه مدبّر، إذ استغلَّ إردوغان هذه المحاولة، فتخلَّص من مئات الآلاف من أتباع جولان في جميع مؤسَّسات الدولة، وأهمها الجيش والأمن والمخابرات والقضاء، فأصبح الحاكم المطلق للبلاد، بعد أن نجح في تمرير التعديلات الدستورية في استفتاء 16 نيسان/أبريل 2017، الذي قالت المعارضة إنه قام بتزوير نتائجه.

 وتحول النظام إلى نظام رئاسي، وأحكم إردوغان سيطرته على كلّ شيء، والأهم هو الجيش الَّذي كان مصدر قلق وخوف للإسلاميين، الذين لطالما كانوا هدفاً لهذه المؤسسة العسكرية التي تدخَّلت 4 مرات وأطاحت بالحكومات المدنية في الأعوام 1960 و1971 و1980، وآخر مرة ضد حكومة أربكان في العام 1997.

واتهم إردوغان آنذاك زعيمه وأستاذه نجم الدين أربكان بعدم التصدي للمؤسسة العسكرية، كما اتهمه بـ"الديكتاتورية" داخل حزب الرفاه الذي تمرَّد عليه إردوغان ورفاقه، ومن بينهم عبد الله جول وعبد اللطيف شنار وآخرون. 

وسعى هؤلاء إلى السيطرة على قيادة حزب الفضيلة الَّذي حلّ محلّ حزب الرفاه الذي حظرت المحكمة الدستورية نشاطه في العام 1999، إلا أنهم فشلوا، ما دفعهم إلى الاستقالة من الحزب وتشكيل حزب العدالة والتنمية في آب/أغسطس 2001. 

استلم الحزب السلطة بعد 14 شهراً، ليكون ذلك بداية النهج الجديد لإردوغان. وقد أثبتت السنوات اللاحقة أنه خطّط بذكاء لكلّ ما قام به حتى الآن، فبعد أن اتهم زعيمه أربكان "بالاستبداد، وعدم الالتزام بمبدأ الشورى" داخل الحزب، وعدم الاستماع إلى آراء الآخرين، بات يواجه الآن التهم نفسها من رفاقه السابقين، الذين يقولون عنه "إنه بات أكثر ديكتاتورية من أربكان، بل وحتى أولئك الذين ناضل ضدهم بشعار الديموقراطية والحرية"، فقد تخلص الأخير من جميع معارضيه داخل الحزب، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق عبد اللطيف شنار (2007) وآخرون، إلى أن انتهى به الصراع مع رفاقه السابقين، وفي مقدمتهم الرئيس السابق عبد الله جول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان، وجميع مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهم يشنّون الآن معاً هجوماً عنيفاً ضده، ويتهمونه بالفساد والاستبداد والديكتاتورية، وهو ما كان يشكو منه عندما كان شاباً، ثم رئيساً لبلدية إسطنبول.

ولم يكن جول وباباجان وداود أوغلو وغيرهم من الرفاق وحدهم الذين شنّوا، وما زالوا يشنّون، ومعهم جميع أحزاب وقوى المعارضة السياسية والشعبية، حملاتهم العنيفة ضد إردوغان، فقد انتبه زعيمه السياسيّ والروحيّ، نجم الدين أربكان، مبكراً لسلوكه، وقال عنه وعن حزبه العدالة والتنمية "إنه صنيعة الإمبريالية والصهيونية العالمية، وهدفه تمزيق وحدة الصف الإسلامي، عبر المساهمة في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم الربيع العربي، الذي يهدف إلى تدمير سوريا ودول أخرى خدمةً لإسرائيل، بعد أن أيّد إردوغان الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان ودعمه".

وتذكّر أوساط المعارضة باستمرار بمقولات إردوغان السابقة خلال جلسات خاصَّة ومغلقة، إذ كان يقول لرفاقه إن "الديموقراطية بالنسبة إلينا وسيلة، وليست هدفاً، وسنبقى ملتزمين بها إلى أن نحقّق أهدافنا، وسوف ننزل من قطار الديموقراطية في المحطة التي نحن بصددها".

ولم يعادِ إردوغان العسكر والعلمانيين ومعارضيه من كل الفئات فقط، بل استهدف أيضاً "إخوته في الدين" من أتباع جولان، بعد أن شعر بأنهم سيشكلون خطراً عليه، وهو يسعى إلى إحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية بعد أن بايعه الإسلاميون العرب كزعيم للأمة الإسلامية، ودفعه ذلك، بل شجعه أيضاً، نحو المزيد من التشدد في المعاملة مع معارضيه الذين يعتقد أنهم يعرقلون مساعيه لأسلمة الأمة والدولة، وهو حاكمها المطلق، وفق توصيفات كلّ المعارضة بمختلف اتجاهاتها وميولها، وهي تعاني معاً من "بطش" مؤسَّسات الأمن والقضاء التي لم تعد ترحم أحداً من السياسيين والإعلاميين والأطباء والمحامين والفنانين، والمواطنين البسطاء أيضاً، ما داموا متهمين بالإساءة إلى الرئيس إردوغان.

وتقول المعارضة عنه "إنه لا ولن يسمح بعد الآن لأحد بأن يعكّر صفو مزاجه"، بعد أن سيطر على جميع مؤسسات الدولة الّتي كانت ضده ومرافقها وأجهزتها، وهي الآن تحت إمرته، وأهمها المؤسَّسة العسكرية والمخابرات والأمن والقضاء والمال، وذلك مهمّ جداً في مشاريعه وحساباته الداخلية، والأهم الخارجية، فقد بات واضحاً إنه لن يتراجع عن "نهجه العقائدي" في الخارج، وهو يقول إنه سيدافع عن قضايا كلّ الإسلاميين في العالم، مهما كلّفه ذلك وكلّف تركيا التي جعل منها دولة شرق أوسطية بكل المعايير والمقاييس.

ويعتقد إردوغان أنَّ هذه المعايير والمقاييس، وليست معايير كوبنهاغن الأوروبية، ستساعده على تحقيق كلّ ما تبقى من أهدافه، العلنية منها والسرية، ما يتطلب القضاء على الديموقراطية التي ناضل من أجلها وحقّق ما حقق من أهدافه بفضلها، وهو الآن يقول إنه ليس بحاجة إليها وإلى كل من يطالب بها للتخلّص منه!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP