قبل 3 سنە
حسني محلي
372 قراءة

تركيا وقطر.. معاً في السرّاء والضرّاء و "النُّصرة"!

تحدثت صحيفة "التايمز" اللندنية عن اتِّهامات وجَّهتها المحكمة العليا إلى قطر، تتعلَّق بإرسال مئات الملايين من الدولارات إلى الجهاديِّين في سوريا، وحمَّلت مكتبًا خاصًّا يتبع أميرَ قطر، وبنكين قطريَّين، هما بنك قطر الوطني (QNB) وبنك الدوحة، وجمعيات خيرية، ورجال أعمال أثرياء، وسياسيين بارزين، مسؤوليةَ نقل هذه الأموال إلى المجموعات المسلَّحة، ومنها "جبهة النُّصرة"، إمّا بإرسال الأموال مباشَرة إلى سوريا، وإمّا إلى البنوك في تركيا، بحيث يتمّ سحبها ونقلها عبر الحدود إلى المجموعة المذكورة.

ولم يتأخر الردّ القطري على ادّعاءات "التايمز" اللندنية، بحيث أصدر مكتب الاتصال الحكومي بياناً رسمياً قال فيه "إن هذه الادِّعاءات مبنيةٌ على مزاعم مضلِّلة، وتشويه للحقائق، وتتَّسِم بالتحيُّز".

ومن دون أن يتذكَّر المكتب المذكور أن رئيس الوزراء الأسبق، حمد بن جاسم، أدلى في حديثه إلى "تلفزيون قطر" في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2017، بتفاصيل أدقّ عن الدور القطري في سوريا، جنباً إلى جنب مع تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، بحيث قال "إن الدوحة أمسكت بملف الأزمة السورية منذ بدايتها، وبتفويض رسميّ ومكتوب من السعودية، وذلك بعد لقائي الملك عبد الله، وكان الدعم العسكري الذي قدَّمته قطر إلى الجماعات المسلَّحة في سوريا، يذهب إلى تركيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وكل شيء يُرسَل يتمّ توزيعه عن طريق القوات الأميركية والأتراك والسعوديين المقيمين بتركيا. وقد تكون المساعدات ذهبت إلى جبهة "النُّصرة"، لكن عندما قيل إن "النُّصرة" غير مقبولة توقَّف هذا الدعم".

تجاهل المكتب أيضاً كلَّ ما قامت به قطر بالتنسيق دائماً مع أنقرة ضد سوريا، منذ بدايات الأزمة، بما في ذلك تعليقُ عضوية سوريا في الجامعة العربية، وتخصيصُ مئات الملايين من الدولارات للمجموعات المسلَّحة بقرار ممّا يُسمّى مجموعةَ أصدقاء سوريا. يُضاف إلى ذلك مساعي الأمير حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه حمد بن جاسم لمنح مقعد الرئيس بشار الأسد لزعيم المعارضة أحمد معاذ الخطيب في القِمّة العربية في الدوحة في 26 آذار/مارس 2013، والتي قرَّرت تقديم كلّ أنواع الدعم العسكري إلى جميع تنظيمات المعارضة السورية. وكانت آنذاك "النُّصرة" و"داعش" في مقدمتها. وأدَّت قطر وتركيا معاً دوراً أساسياً في تشكيل ما يُسَمّى "الائتلافَ الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، والذي أُعلن عنه في الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. كما نجح هذا الثنائي، المدعوم أميركياً، في إقناع حركة "حماس" بإغلاق مكاتبها ومخيماتها في سوريا، والانتقال إلى قطر وتركيا، اللتين كانتا، منذ استلام حزب "العدالة والتنمية" للسلطة نهاية عام 2002، في خندق واحد حتى عندما كانت القيادتان التركية والقطرية على علاقات ودية حميمة بالرئيس الأسد. 

وسعت الدوحة وأنقرة، في قمة دمشق في أيلول/سبتمبر 2008، والتي حضرها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للاستفادة من هذ الودّ، وإقناع الرئيس الأسد بمد أنابيب الغاز القطري، ولاحقاً الخليجي، عبر الأراضي السورية، إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا. وهو ما فشلت فيه عندما رفض الأسد التخلِّيَ عن حلفائه الإيرانيين والروس، وتحول هؤلاء إلى ألدّ أعداء قطر وتركيا منذ اليوم الأول للأزمة السورية، التي جعلت الثنائي، تركيا وقطر، "صديقتَي العمر في السرّاء والضرّاء". 

كانت سوريا الساحة الأولى التي تحرَّكت من خلالها الحليفتان المذكورتان، بحيث أرسل الرئيس إردوغان جيشه لحماية الأمير تميم بعد أزمته مع السعودية والإمارات ومصر والبحرين، في حزيران/يونيو 2017. وفي المقابل، موَّلت الدوحة، بدورها، كلَّ المشاريع التركية في كل مكان حظي باهتمام إردوغان، وريث الإمبراطورية العثمانية، وفي مقدمة ذلك ليبيا والصومال. وكان هذا التقارب القطري - التركي مادة دسمة لتعليقات الإعلام التركي، الذي تحدّث، ويتحدّث باستمرار، عن خفايا العلاقة بين الرئيس إردوغان ورفيق دربه الأمير تميم، الذي تتحدّث المعلومات عن علاقاته المالية الشخصية السرية بإردوغان، بحيث أهداه طائرته الخاصة، وهي بقيمة 450 مليون دولار. 

اتَّهمت أحزاب المعارضة التركية الرئيس إردوغان ببيع عدد من مؤسسات القطاع العام، بما في ذلك مصنع الدبابات والمدرَّعات، سراً لقطر. يُضاف إلى ذلك الأَحراجُ والغابات والموانئ والأراضي، التي قيل إن الشيخة موزة، والدة الأمير تميم، وشقيقتها، اشترتا مساحات واسعة منها، تطلّ على قناة إسطنبول، التي ستربط البحر الأسود ببحر مرمرة.

حديث صحيفة "التايمز" اللندنية اكتسب أهمية إضافية بسبب توقيته الزمني، الذي جاء بعد شهر واحد من اعتقال وزير المالية القطري علي شريف العمادي جرّاء تهم فساد. وكان العمادي بمثابة الساعد الأيمن للأمير تميم "وصندوقه الأسود" منذ استلامه السلطة في حزيران/يونيو 2013، إذ كان رئيساً لمجلس إدارة بنك قطر الوطني (QNB)، الذي تحدّثت عنه "التايمز". كما كان عضواً في مجلس إدارة جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق سيادي يزيد رأسماله على 300 مليار دولار، وله استثمارات واسعة في تركيا، التي كان العمادي يرافق الأمير تميم في جميع زياراته لها. وتحدَّثت المعلومات آنذاك عن علاقة العمادي بجميع الشركات والمجموعات الاقتصادية والمالية، وبالتالي السياسية، وذات الطابع "الإخواني"، بحيث قال قبل اعتقاله إنه "قام بكل ما قام به بتعليمات من الأمير" تميم.

واكتسب خبر "التايمز" اللندنية أهمية إضافية أخرى لأنه تزامن مع اعترافات سادات باكار، رئيس إحدى عصابات المافيا التركية، وهو يتحدث عن دور المخابرات التركية وأجهزة وشخصيات مقرَّبة من إردوغان، في نقل الأسلحة والمعدات الحربية إلى "جبهة النُّصرة" في سوريا، وسط توقُّع بأن يدلي باكار بمزيد من هذه المعلومات في أحاديثه المصوَّرة في حسابه على يوتيوب، التي تحقِّق أرقام مُشاهدة قياسية تزيد على 20 مليون مشاهد لكل فيديو. وكان من المقرَّر لباكار أن يخصّص حديث الأحد (6 حزيران/يونيو) لأسرار الرئيس إردوغان، إلاّ أنه قال "إنه أجًل ذلك إلى ما بعد لقاء إردوغان الرئيسَ بايدن في 14 الشهر الجاري".

وهو ما يعكس بوضوح جدية (وربما خطورة) ما قاله وما سيقوله باكار عن دور تركيا في سوريا، وربما لاحقاً عن علاقة قطر المباشِرة وغير المباشِرة بهذا الدور، الذي يبدو واضحاً أن أبو ظبي تسعى لفضحه من خلال باكار الموجود على أراضيها.

فالجميع يعرف حجم المنافسة بين آل ثاني وآل نهيان، بعد تراجع دور آل سعود، ولو مرحلياً، بحيث تصرف كل من الإمارات وقطر المليارات من الدولارات من أجل كسب أوروبا وأميركا إلى جانب كل منهما، وضد الطرف الآخر، الذي يريد، بعقلية عشائرية، أن يُثبت أنه الأهم والأقوى. وهو الكلام الذي كان منذ عام 1945، حتى "الربيع العربي"، حكراً على آل سعود الذين تبنّوا كل حركات "الإسلام السياسي"، في أجنحته السياسية والمسلَّحة، كـ"القاعدة" و"طالبان" ومثيلاتِهما في العالم أجمع، بدعم من الإمارات وباكستان، وطبعاً من المخابرات الأميركية. 

وجاء "الربيع العربي" فرصة لكل الأطراف من أجل إثبات وجودها في خدمة الولايات المتحدة الأميركية (وعلى نحو غير مباشِر إسرائيل)، التي يبدو أنها كلَّفت تركيا، في ظل حكم "العدالة والتنمية" الإسلامي العثماني، وبتمويل قطري، دوراً جديداً في المنطقة، لا فارقَ بينه وبين دور باكستان في الأزمة الأفغانية. ودخلت قطر على خط هذه الأزمة، من خلال مصالحة واشنطن مع صنيعتها "طالبان"، لتقول لأصدقائها إنها الأهم والأقوى معنوياً، وإن لم يكن حجمها بحجم السعودية، وخصوصاً بعد أن فشلت الرياض في مساعيها لمنع الدوحة من استضافة بطولة كأس العالم 2022، وتريد قطر من خلال ذلك أن تقول لحلفائها التقليديين إنها على قَدْر جميع المهمات والمسؤوليات، جنباً إلى جنب مع تركيا، التي اتفقت معها على عقد زواج شرعي لا فِراقَ فيه أبداً.

مع التذكير باتِّهامات بايدن، عندما كان نائباً للرئيس في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2014، لكل من "تركيا والإمارات والسعودية ودول أخرى في المنطقة بتقديم مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة لكل من "القاعدة" و"النُّصرة" و"داعش"، وكل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد". فالحديث عن دعم تركي وقطري، معاً أو على انفراد، لـ"النُّصرة" وأمثالها، ليس إلاّ جُزءاً بسيطاً جداً من دور هذا الثنائي. وعَقد قرانهما فيه كثير من المقدَّم والمؤخَّر! 

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP