في انتظار مكالمة بايدن.. كيف يستعدّ إردوغان؟
بعد أن فشلت جميع مساعي رجب طيّب إردوغان السرية والعلنية لكسب ودّ الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يعرف الجميع مشاعره السّلبية حياله، يسعى الرئيس التركي للحفاظ على مكاسبه الحالية، ليستفيد منها في مساوماته المستقبلية مع واشنطن. ويبدو واضحاً أنّ الأخيرة لن تستعجل الحوار مع أنقرة قبل حسم العلاقة مع طهران، فقد بات واضحاً أن الرئيس بايدن، وبعد العودة إلى الاتفاق النووي، سيرجّح إيران على تركيا في مجمل حساباته المستقبلية الخاصّة بالمنطقة الممتدة من أفغانستان، مروراً بأذربيجان والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى الشمال الأفريقي عموماً، وليبيا خصوصاً.
وتتحدَّث المعلومات عن دور أميركي مباشر في معالجة الأزمة الليبية ودعم الحكومة الانتقالية، وهو ما يفسر اختيار رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة مصر لتكون أول دولة يزورها ويلتقي رئيسها عبدالفتاح السيسي؛ عدو إردوغان الأول. ويعرف الجميع أيضاً أنَّ ليبيا، باحتمالاتها المستقبلية، هي الساحة الأولى التي قد يواجه فيها إردوغان الإدارة الأميركية الجديدة، وخصوصاً إذا طلبت السلطات الليبية الجديدة منه سحب القوات التركية والمرتزقة السوريين الموجودين فيها، وذلك بناء على تعهّدات هذه السّلطات في مؤتمرات المصالحة بإشراف أميركيّ وأمميّ.
ويفسّر كلّ ذلك تجاهل إردوغان وإعلامه للتطورات الليبية خلال الأيام الماضية، مع هجوم عنيف من المعارضة التي تحمّله مسؤولية فشل السياسات التركية في ليبيا، وانعكاساته على سياسات أنقرة شرق الأبيض المتوسط، بعد أن تراجعت عن إرسال سفنها للبحث والتنقيب عن الغاز إلى جوار قبرص.
واعتبر البعض ذلك الأمر مسعى من إردوغان لكسب ود الرئيس بايدن، المعروف بتعاطفه مع القبارصة اليونانيين واليونان، وهو ما قاله وزير الخارجية الأميركي بلينكن لنظيره التركي جاويش أوغلو في اتصاله الهاتفي الإثنين الماضي. وقد قيل إنّهما بحثا كل المواضيع التي ستكون على طاولة الرئيس بايدن لدى اتصاله الهاتفي بإردوغان. وقد أراد بدوره أن يستبق ذلك باتصال هاتفي بالرئيس بوتين بعد الاجتماع الخامس عشر لمنصّة أستانا في سوتشي، من دون أن تهمل أنقرة توجيه رسائل ودية إلى واشنطن، وذلك عبر البيان الَّذي أصدرته الخارجية التركية بعد الاتصال الهاتفي بين إردوغان وبوتين فوراً، وجاء فيه "أنَّ تركيا لن تعترف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا"، فيما تحدّث الإعلام الموالي لإردوغان عن اتفاق وقَّعته أنقرة مع إحدى شركات الترويج بقيمة 750 ألف دولار، لإقناع الإدارة الأميركي بضرورة رفع الحظر المفروض على بيع طائرات "أف - 35" الأميركية لتركيا، وهو الحظر الذي فرضه الكونغرس الأميركي في إطار مجموعة من العقوبات على أنقرة التي اشترت صواريخ "أس-400" الروسية.
يأتي كلّ ذلك مع المعلومات التي تتوقّع لإردوغان أن يؤجّل نصب وتشغيل الصواريخ المذكورة، في محاولةٍ منه لإقناع الرئيس بايدن بنيّته الصادقة للحوار والتعاون الإيجابي الفعّال والمثمر معه في ما يتعلّق بمجمل القضايا التي تهمّ البلدين الشّريكين في الحلف الأطلسي، الذي يوليه بايدن أهميّة خاصّة.
ويريد الرئيس إردوغان من خلال هذه المواقف، وتلك المحتملة خلال الأيام القليلة القادمة، أن يقول لواشنطن إنَّ تركيا كانت وستبقى بلداً مهماً بالنسبة إلى الحليف الاستراتيجي أميركا، التي ما زالت ترى في روسيا "عدواً تقليدياً" ستستمرّ في منافسته ومواجهته بأساليب جديدة، في الوقت الذي يعتبر الكثيرون أن سوريا التحدي الأكبر بالنسبة إلى الرئيس إردوغان في علاقاته المحتملة بالرئيس بايدن، وذلك لثلاث أسباب رئيسية:
1- استمرار الدعم الأميركي لـ"قسد" وجناحها الكردي بالذات، وهو ما قد يشكل خطراً على تركيا، باعتبار أن وحدات حماية الشعب الكردية هي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي.
2- السعي لحلّ الأزمة السورية عبر إيران، ما سيعني خروج القوات التركية من سوريا والضّغط على الفصائل الموالية لها للاتفاق مع دمشق على صيغة مقبولة من الحلّ السياسي.
3- بقاء عدوّه اللدود الرئيس بشار الأسد في السلطة، وهو ما سيرى فيه الجميع هزيمة كبرى له ولمشاريعه في سوريا.
وقد يحاول الرئيس إردوغان الالتفاف على هذه الاحتمالات من خلال العودة إلى علاقاته الطبيعية مع تل أبيب بعد الانتخابات الإسرائيلية، ما دام الرئيس بايدن لا يرتاح لرئيس الوزراء نتنياهو، كما لا يرتاح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وكان الرئيس التركي قد سلّم رئيسة المخابرات الأميركية جينا هاسبل التي جاءت إلى أنقرة فجأة في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2018 كلّ الأسرار الخاصّة بمقتل الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول، والَّتي سيعلن عنها بايدن قريباً.
وكانت العملية الفاشلة لتحرير الرهائن الأتراك شمال العراق ضمن تكتيكات الرئيس إردوغان لكسب المزيد من الأوراق في مساوماته المستقبلية مع الرئيس بايدن. وكان إردوغان يخطّط لانتصار سياسيّ من خلال العملية المذكورة التي يقول البعض إنَّ الهدف منها هو إلقاء القبض على قيادات حزب العمال الكردستاني. ويبدو أنه تم تسريب مثل هذه المعلومة لتوريط إردوغان، وهو ما حصل فعلاً، فقد تعرّض الأخير بعد هذه العملية لهجوم عنيف جداً من أحزاب وقوى المعارضة التي حمّلته مسؤولية هذه العملية الفاشلة التي أودت بحياة الرهائن، وعددهم 13 شخصاً، يضاف إليهم 3 ضباط قتلوا خلال العملية.
وفي جميع الحالات، ومع أحاديث البعض عن توتر محتمل بين واشنطن وأنقرة، في حال إصرار الرئيس التركي على مواقفه الحالية التي قد تدفع الرئيس بايدن إلى اتخاذ مواقف عملية ضده وضد تركيا، فقد بات واضحاً أن الأيام القليلة القادمة ستحمل معها الكثير من المفاجآت لإردوغان وأجنداته التي يسعى لتنفيذها منذ ما يسمى بـ"الربيع العربي". ويبقى السؤال: هل سيتعامل الرئيس بايدن مع هذه الأجندات التي شجَّعه عليها الرئيس أوباما عندما اختار تركيا كأول بلد إسلامي وزارها في 6 نيسان/أبريل 2009، أي قبل عامين تقريباً مما يسمى بـ"الربيع العربي"؟ وكيف؟
واليوم، إذا كان إردوغان يتواجد في "كلّ الأماكن التي وطئتها أقدام العثمانيين"، والقول له، فالفضل في ذلك للثنائي أوباما - بايدن، وإن ندما على ذلك في ما بعد. وفي هذه الحالة، ما على الأخير إلا أن يثبت مصداقيّته إذا كان نادماً على ذلك، وهو الذي وصف إردوغان نهاية العام 2019 بأنه "استبدادي"، وقال "إنَّ الأوان آن للتخلص منه ديمقراطياً، أي بدعم المعارضة".
والسؤال المطروح: هل سينجح بايدن في إخراج إردوغان من كلّ المواقع التي يتواجد فيها الآن، ليس عسكرياً وسياسياً فقط، بل عقائدياً أيضاً، كما هو الحال في سوريا وليبيا والصومال وأذربيجان والعراق وقطر وأماكن أخرى كثيرة في المنطقة والعالم؟ وكيف؟
النجاح الأميركي هذا أو فشله هو الَّذي سيقرر مصير الرئيس إردوغان الذي يرى نفسه زعيماً لكل المسلمين والإسلاميين في العالم. ولهذا، يسعى إلى أسلمة الأمة والدولة التركية، ويبدو واضحاً أنه مستعدّ للقيام بكل ما هو مطلوب منه لتحقيق أهدافه وضمان بقائه في السلطة، وهو ما لن يتحقق إلا بالاتفاق مع الرئيس بايدن الذي يملك بدوره الكثير من الأوراق ضده شخصياً وضد تركيا، التي لا يمكنها أن تخرج من الحلبة الأميركية التي لن يفكّر إردوغان في الخروج منها أبداً.
ويبقى السؤال الأهم والأخير: كم تنازلاً سيقدّم إردوغان للرئيس بايدن حتى يضمن دعمه الشخصي له، إذا فشل في إقناعه بأنَّ أميركا لا تستطيع أن تتحدى أعداءها من دون تركيا، أي من دونه شخصياً، كما كانت تفعل ذلك في سنوات الحرب الباردة، إذ كانت خندق الدفاع الأول للدفاع عن الغرب عبر عشرات القواعد الأميركية والأطلسية، وما زالت 14 قاعدة منها في أراضيها، ضدّ روسيا وإيران وجميع دول المنطقة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً