"إسرائيل" لن تكتفي بالمياه.. ماذا عن الغاز والبترول؟
بعد أن حقَّقت تل أبيب تقدماً سياسياً واستخباراتياً ونفسياً، ولاحقاً عسكرياً، عبر تحالفاتها الخطيرة والجديدة مع الإمارات والبحرين، وقريباً مع عمان والسعودية وقطر والسودان، ومن قبلها الأردن ومصر، حيث تسعى للسيطرة على المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات ودجلة، ومن الأحمر إلى الأبيض، وضعت الصهيونية العالمية لنفسها هدفاً جديداً مدعوماً إمبريالياً، وهو التحكّم بثروات العرب من النفط والغاز والذهب وغيره.
وتتحدث المعلومات عن مشروع كبير لمد أنابيب للغاز والبترول من دول الخليج، مروراً بالأردن، إلى ميناء حيفا، لينافس ميناء "جيهان" التركي. كما بدأ الحديث عن مشروع آخر لمدّ سكك حديدية من الدول المذكورة، لنقل البضائع الأوروبية والإسرائيلية إليها، وهي ذات استهلاك عالٍ، مع الحديث عن مشاريع أخرى على المدى المتوسط والبعيد، لفتح المجال أمام الشركات الأميركية والإسرائيلية للاستثمار في كل القطاعات في دول الخليج، وخصوصاً السّعودية، التي تطمع "إسرائيل" بمناجمها من الذهب، من دون أن تهمل احتمالات البحث عن اليورانيوم، الذي يقال إنه موجود بكميات كبيرة في صحراء الربع الخالي، وهو ما سيجعل "إسرائيل" دولة نووية كبيرة.
ولم تهمل أيضاً الجانب العقائدي، أي الديني، لحسابات اليهود، والمقصود أطماعهم في المدينة المنورة، بل اليمن أيضاً، الذي توليه الصهيونية العالمية أهمية خاصّة، نظراً إلى علاقته باليهود الأوائل بعد هجرة موسى من مصر عبر البحر الأحمر، من دون تحديد مكان العبور!
وإلى جانب هذه الحسابات الدينية والتاريخية، تهدف "إسرائيل"، ومن خلفها أميركا وحليفاتها في الغرب، من خلال هذا المشروع، إلى ما يلي:
1- التخلّص من وطأة التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، وهو ما سيساعد تل أبيب على التمادي في عدوانها على إيران.
2- التقليل من أهمية قناة السويس كورقة ضغط على مصر، وإجبارها على الاستسلام للكيان الصهيوني!
3- التحكّم بأسعار الغاز والبترول بعد التخلّص من مصاريف النقل من الخليج إلى البحر الأحمر، ومنه إلى الأبيض، ثم أوروبا، أو من رأس الرجاء الصالح.
4- منافسة الغاز والبترول الروسي في أوروبا التي تغطي حوالى 40% من استهلاكها من الغاز الروسي، وهو عصب الاقتصاد الروسي. ومن دون تصديره، ستجد موسكو نفسها في وضع صعب مع استمرار المضايقات الأميركية والأوروبية لها، لأسباب عديدة، ومنها قضيّة أوكرانيا والدعم الروسي لسوريا.
5- ولم تهمل تل أبيب حساباتها الخفية والعلنية مع روسيا، التي ما زال فيها حوالى 400 ألف يهودي، وبعضهم يسيطر على قطاعات اقتصادية مهمة، كما هو الحال في سيطرة اليهود المهاجرين من روسيا، وعددهم حوالى مليون، على مواقع حسّاسة في الداخل الإسرائيلي.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء، حاولت أميركا والدّول الغربية في تشرين الأول/أكتوبر 2002 التخلّص من الاحتكار الروسي للغاز في أوروبا، عبر تأسيس شركة "نابوكو"، بمشاركة تركيا وبلغاريا وهنغاريا ورومانيا والنمسا وفرنسا. وسميت الشركة بهذا الاسم للتذكير بمأساة اليهود على يد الملك الكلداني نبوخذ نصر، الذي دمّر القدس مرتين (586 و597 قبل الميلاد)، وسبى اليهود إلى بابل، إلى أن جاء الإمبراطور الفارسي كورش، فأعادهم إلى فلسطين، وهو ما ورد في العديد من فصول التوراة والأساطير اليهودية التي تذكّر بفضل كورش عليهم، وهو ما استفادوا منه في تطوير علاقاتهم مع شاه إيران، إلى أن جاءت الثورة الإسلامية، فدمّرت أحلامهم في المنطقة.
وكان هدف هذه الشركة مد أنابيب لنقل الغاز من تركمانستان وكازاخستان وأذربيجان (بدلاً من روسيا)، عبر أنابيب تمرّ من إيران وتركيا إلى أوروبا. وبعد أن فشل المشروع لأسباب عديدة، أهمها اعتراض واشنطن على مرور الأنابيب من إيران، ذهب ساركوزي وإردوغان وأمير قطر حمد آل ثاني إلى دمشق في 4 أيلول/سبتمبر 2008، لإقناع الرئيس الأسد بمد أنابيب للغاز من قطر، مروراً بالسعودية والأردن إلى سوريا، ومنها إلى تركيا فأوروبا. وقد رفضت دمشق هذا الاقتراح بمغرياته المتعدّدة، لأنها تعرف أن المشروع كان يستهدف إيران وروسيا؛ حليفة سوريا.
ولم يمنع ذلك تركيا من الاستمرار في مشاريعها الغازية مع موسكو، إذ تصلها 3 أنابيب، وهي تغطي 55% من استهلاكها من الغاز من روسيا، و12% من الأنبوب الإيراني، كما يصل ميناء "جيهان" على الأبيض المتوسط أنبوب بترول من كركوك، وآخر من باكو، مع استمرار التخطيط لمد أنبوب من كردستان العراق، فيما فشلت أنقرة في جميع مساعيها لإقناع "إسرائيل" والقبارصة اليونانيين بنقل غاز شرق الأبيض المتوسط إلى ميناء "جيهان"، ومنه إلى أوروبا، والهدف هنا أيضاً هو روسيا، التي أصبحت عنصراً أساسياً في معادلات شرق الأبيض المتوسط، عبر تواجدها العسكري والسياسي في سوريا، والتي تسعى للمزيد من ذلك عبر ليبيا الغنية بالغاز والبترول، وهو ما تسعى إليه أنقرة أيضاً عبر سوريا وليبيا، وهما الدولتان اللتان ستقرران بمصيرهما مصير ومستقبل معظم المعادلات والحسابات الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف المنطقة العربية ومحيطها، لما لذلك من علاقة بالدين والتاريخ والأساطير.
ورغم أنّ البترول والغاز لم يكونا موجودين مع ظهور الأديان، فإن الصهيونية العالمية بعقيدتها الدينية التي كانت، وما زالت، كافية لإقناع يهود العالم بالمجيء إلى "أرض الميعاد" من بين النهرين والبحرين، أثبتت أنها تخطط للألفية الثالثة التي تعني استعباد اليهود لغير اليهود في المنطقة، وبالتالي العالم أجمع، وفق نظرية المحافظين الجدد، ومنهم الرئيس ترامب، الذي يعتقد أن الله تعالى أرسله لخدمتهم وتحقيق أهدافهم بواسطة صهره اليهودي جاريد كوشنير!
ويفسر ذلك ما قام وما سيقوم به، ومن قبله الرؤساء الآخرون، الذين كانوا دائماً في خدمة "إسرائيل"، وآخر مثال على ذلك ما يسمى بـ"الربيع العربي"، فقد كانت جميع دول المنطقة، وفي مقدمتها الخليجية، في خدمة هذا المشروع، حيث استنفرت جميعها، ومعها تركيا، كل إمكانياتها للإطاحة بالأنظمة العربية (تدميرها) في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، ومن قبلها العراق، ولكن من دون المساس بنظام البحرين.
ولم تكتفِ الإمارات والسعودية والبحرين بهذا التآمر، فعادت وأيّدت فوراً انقلاب السيسي ضد مرسي، وهي التي جاءت به. كما استعجلت تأييد الانقلاب العسكري في السودان ضد عمر البشير، وهي التي دعمته لثلاثين عاماً بعد أن شنت عدوانها المعروف ضد اليمن (آذار/مارس 2015). وقد كان هذا البلد الاستراتيجي دائماً، وبشكل خاصّ اعتباراً من الستينيات، الهدف الأهم في المشروع التآمري لحماية المصالح الصهيونية في البحر الأحمر، مع سيطرة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير والإمارات على جزيرة سقطرى.
وتثبت كلّ هذه المعطيات مدى أهميّة التخطيط الاستراتيجيّ للدّول والقوى الإمبرياليّة والصهيونيّة (بغياب الموقف العربي الموحّد الّذي يحتاج إلى رؤية واضحة وصحيحة واستراتيجيّة) التي نجحت في استخدام أدواتها المحلية في المنطقة، من السلاطين والملوك والأمراء والمشايخ والرؤساء ورؤساء الوزراء ورجل الأعمال والصحافيين والأكاديميين، الذين كان الكثيرون منهم، وما يزالون، في خدمة أسيادهم، وذلك فقط للبقاء في السلطة والجلوس على الكراسي أطول فترة ممكنة، من دون أن يكون مهماً من وأين وكيف ستُنفّذ التعليمات التي أدى فيها العملاء، وما زالوا، الدور الرئيسي في مجمل الأحداث التي عاشتها الجغرافيا العربية ومحيطها، وبشكل خاص إيران وتركيا.
لقد أثبتت التطورات الأخيرة أن أنقرة وطهران كانتا، وما زالتا، هدفاً للعديد من المؤامرات الأخيرة، وأهمها إغلاق ملف القضية الفلسطينية التي تتمسّك بها الدولتان، وبأشكال مختلفة، فيما لن تنسى "إسرائيل" مجمل حساباتها مع الدولة العثمانية، ويريد أمراء الخليج وملوكه، وخصوصاً آل سعود، لليهود أن ينتقموا منها بعد أن حكمتهم مئات السنين، وذلك بعد أن قضى حاكم مصر محمد علي باشا وأولاده على تمردهم في العام 1818، وهي الذكريات التي يبدو أن اليهود أيضاً يعيشونها بعد خروج موسى من مصر، التي دخلها السلطان سليم في كانون الثاني/يناير 1517، مروراً بسوريا وفلسطين، ليعود منها خليفة على المسلمين، وكأن التاريخ يكرر نفسه بشكل أو بآخر، ما دام العرب لم يستخلصوا الدروس منه، حتى وإن كانت دائماً على حسابهم، وكاد التاريخ أن ينتهي لولا صمود الشرفاء منهم، ولسبب واحد، وهو أن فلسطين ليست قضية أرض وتاريخ وجغرافيا فحسب، بل هي في وجدان وضمير كل من يقول إنه إنسان!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً