مؤامرات تتكرَّر والهدف واحد.. لبّ الموضوع في كل ما يحدث
بعد الزيارة التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس المحتلّة في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977، دعا العقيد القذافي زعماء الدول العربية التي أعلنت رفضها مبادرة السادات، واعتبرتها مؤامرة خطيرة تستهدف فلسطين والقضايا القومية العربية برمتها، إلى قمة عاجلة في العاصمة طرابلس، حضرها رؤساء الجزائر وسوريا وليبيا واليمن الجنوبي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وممثل شخصي عن الرئيس العراقي أحمد حسن البكر.
وقد تبعت هذه القمة 3 قمم أخرى في الجزائر (2 شباط/فبراير 1978)، ودمشق (20 أيلول/سبتمبر 1978) وطرابلس (15 نيسان/أبريل 1978)، لينتهي هذا المسار بالقمة العربية في بغداد في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1978، والتي تقرّر فيها تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس.
ولم يمنع كلّ ذلك السادات ومن معه من الاستمرار في التآمر، بعد أن طرد كلّ الخبراء السوفيات، إذ تعرّضت سوريا لإرهاب الإخوان المسلمين، واجتاحت "إسرائيل" جنوب لبنان (1978)، الذي كان يعيش حرباً أهلية خطيرة، إضافة إلى تطورات أخرى عانت منها دول جبهة الصمود والتصدي.
وإذا تجاهلنا المؤامرات التي عاشتها المنطقة مع "سايكس بيكو" و"وعد بلفور" وبعدهما، فإنَّ السنوات اللاحقة أثبتت أن خيانة "كامب ديفيد" كانت "أم المؤامرات" التي تعرضت لها دول الممانعة والمقاومة التي رفضت الاستسلام، ولم يبقَ منها سوى سوريا، التي عانت، وما تزال، الويلات، بسبب مواقفها المعروفة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد والآن.
ومن دون الدّخول في التفاصيل والعودة إلى حكايات التآمر خلال السَّنوات الماضية، يعرف الجميع أنَّ الثورة الإسلامية في إيران "غير العربية" غيّرت موازين القوى الإقليمية لصالح دول الصمود والتصدي التي تعرَّضت للعديد من الانتكاسات، إلا أنها أثمرت بميلاد المقاومة الإسلامية، أي حزب الله، في لبنان، والتي استنفرت كل إمكانياتها لدعم المقاومة الفلسطينية الوطنية والحقيقية، وتحولت إلى مصدر حقيقي، وربما وحيد، للرعب الذي يعيشه الكيان الصهيوني عسكرياً ونفسياً.
ولهذا السّبب، سعت قوى الخيانة والتآمر إلى سدّ الطريق أمام الثورة الإسلامية والقضاء عليها منذ أيامها الأولى، وذلك بتحريض صدام حسين المدعوم خليجياً لشنّ حربه المعروفة على إيران، بعد إيصاله إلى السلطة في تموز/يوليو 1979، وكان انقلاب "الديكتاتوري الإسلامي" ضياء الحق، وإعدامه رئيس الوزراء السابق "الشيعي اليساري" ذو الفقار علي بوتو في 4 نيسان/أبريل 1979 في باكستان، ومن بعده انقلاب الجنرالات الأتراك المدعومين من واشنطن (أيلول/سبتمبر 1980)، ودعم المجاهدين الأفغان بالمال والسلاح الوهابي والإماراتي، كان كل ذلك ضمن حلقات التآمر ضد الثورة الإسلامية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، ورفعت العلم الفلسطيني في طهران فوراً، وهو ما كان كافياً بالنسبة إلى "إسرائيل"، ومن معها في الغرب والمنطقة عموماً، للعمل معاً بهدف التخلّص من هذه الثورة، وهم جميعاً ما زالوا يسيرون على هذا الطريق.
إنَّ كل ما تشهده المنطقة الآن، اعتباراً من قمة مشروع الشرق الأوسط الكبير (2004)، ومن بعده ما يسمى بـ"الربيع العربي"، ليس إلا انتقاماً من إيران، التي لم تتراجع عن نهجها، وما زالت تمضي عليه، رغم كلّ ما تعرَّضت طيلة 41 عاماً من عمرها، كما أنه انتقام من دول الصمود والتصدي، وفي مقدمتها سوريا، التي وقفت إلى جانب إيران ضد العدوان الصدامي، فرد الإيرانيون الجميل لها، بدعمهم الشعب السوري في تصديه البطولي للحرب الإمبريالية والصهيونية والرجعية الإرهابية.
وبعد أن فشلت "إسرائيل" ومن معها في إجهاض الثورة الإسلامية، استنفرت كل إمكانياتها لمحاصرتها في الخارج، وبشكل خاص في لبنان وسوريا، المجاورتين للكيان الصهيوني، وهو ما فشلت فيه، رغم حجم التآمر على سوريا والعراق ولبنان بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي"، فقد استغلّت القوى المذكورة الواقع العربي الحالي، فسعت من خلال ما يسمى "صفقة القرن" إلى محاصرة إيران، وهذه المرة عبر دول الجوار الخليجي، وهي الإمارات والبحرين وعمان، ولاحقاً السعودية، التي ستتحول معاً إلى قواعد استخباراتية وعسكرية للكيان الصهيوني.
وستستفيد الدولة العبرية من هذا التواجد والقواعد الأميركية الموجودة أساساً في دول المنطقة التي تجاور إيران، وهي باكستان وتركيا والعراق وشرق الفرات والهند وأفغانستان والأردن والسعودية والكويت وقطر، حليف تركيا الوحيد في المنطقة، وفيها مقر قيادة القوات الأميركية الشرق أوسطية.
ويبدو أنّ كلّ هذه القواعد والإمكانيات لم تكن كافية لتحقيق الهدف الإمبريالي والصهيوني في التخلّص من الثورة الإسلامية "الشيعية الفارسية"، التي استنفرت كل إمكانياتها لدعم سوريا ولبنان واليمن، وهو ما أزعج وأحرج كل الأنظمة "السنية"، العربية منها وغير العربية، والتي ساومت، وما زالت، على القضية الفلسطينية، ووفق مزاجها، أي مزاج أسيادها في واشنطن ولندن وباريس، أي تل أبيب!
وقد تآمر الجميع على المقاومة بعد أن فشلوا في التأثير في موقف دمشق الصامد خلال السنوات الأربعين الماضية، فاغتالوا رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، وشنّوا حرب تموز، وأرادوا أن يحتلّوا اليمن، كما قسموا السودان، ودمّروا ليبيا والعراق وسوريا والصومال، ونهبوا ثروات شعوب الخليج المغلوبة على أمرها.
ولم يكتفوا بكل ذلك، فقد أرادوا اختراق الشارع العربيّ إعلامياً وثقافياً ونفسياً، لوضعه تحت الهيمنة والعبودية الفكرية التي ستسلب منه إيمانه وضميره وشعوره القومي والديني الحقيقي، الذي يرفض أي كيان استعماري إمبريالي صهيوني، لا في فلسطين فقط، بل في أي مكان من هذه الجغرافيا، فقد تعرضت شعوب المنطقة طيلة السنوات الأربعين الماضية بعد "كامب ديفيد" لأبشع أنواع التآمر السياسي والعسكري والفكري والثقافي والأخلاقي، الذي يهدف إلى إقناع المواطن العربي بأن عليه أن ينسى فلسطين، بل والديموقراطية والحرية والعيش الكريم، ويكتفي بما سيقدمه الزعماء له يوماً بيوم، ليتحول إلى إنسان آلي، من دون أي عواطف ومشاعر وقيم إنسانية، وهو ما سيساعد "إسرائيل" لتحويلهم جميعاً إلى عبيد يخدمون المشروع الصهيوني في إقامة الدولة العبرية من النيل، حيث التآمر الإثيوبي ضد مصر، إلى الفرات، حيث التدخل التركي في المنطقة، وهذا ما يفسر ما تتعرض له الآن كل من سوريا ومصر والعراق ولبنان، باعتبار أنها ضمن هذه الخارطة التي وضعت من أجلها القوى الصهيونية العالمية وملوك الخليج وأمراؤه العديد من الخطط والمشاريع الدموية.
وربما لهذا السبب سوّق الجميع منذ البداية لفكرة "تصدير الثورة الخمينية الشيعية" أو "خطر القنبلة النووية الشيعية"، لأنهم يعرفون أن مقولة "التصدير" تحمل في طياتها خدمة المشروع الصهيوني، ومساعدة "إسرائيل" على تنفيذ أجندتها في المنطقة، التي تعرَّضت، وما زالت، لأكثر من مؤامرة، لأن هذه الثورة عرقلت كلّ المشاريع والمخطَّطات.
ولم يتذكَّر أحد أنَّ باكستان الإسلامية "السنية" أيضاً تملك سلاحاً نووياً، كما أن الشاه الذي وقف إلى جانب آل سعود في حرب اليمن للفترة 1963-1968، كان شيعياً، ولكنه كان حليفاً لـ"إسرائيل" وأميركا، حاله حال إثيوبيا وتركيا للفترة 1950-1960.
إذاً، القضية ليست قضية شيعة – وسنة بقدر ما هي قضية الدفاع عن الحق والمبادئ والقيم والأخلاق التي تضع النقاط على الحروف في كلّ ما عاشته وتعيشه المنطقة من مؤامرات وخيانات بأحجامها وأشكالها المختلفة، والتي تعتمد دائماً على الأكاذيب بمختلف أشكالها، شرط أن تكون دائماً ملفَّقة وكبيرة جداً، وهو ما أوصى به داهية البروباغاندا النازية غوبلز، حين قال: "كلَّما كبرت الكذبة كان تصديقها أسهل"، ولم يهمل دور الإعلام الموالي، فقال: "أعطني إعلاماً بلا ضمير، أُعطك شعباً بلا وعي"، لأنه يعرف أنَّ الذي يبيع ضميره سوف يتخلّى بكلّ سهولة عن وطنه وشعبه، بل ودينه أيضاً، إن كان له دين، لينتهي المطاف بقوله: "إذا نزعت من الشعب تاريخه، فسوف يتحوّل بعد جيل إلى جمهور من الدهماء، وبعد جيل آخر سوف تستطيع أن تحكمه وكأنَّه قطيع".
هذا هو لبّ الموضوع بكلّ تفاصيله الدّقيقة التي لا تحتاج إلى مزيد من التعب والتّحليل، بل تتطلَّب موقفاً واضحاً وموحداً وواعياً وعملياً وجدياً ومحترفاً، يساعد مثقّفي المنطقة، ومن خلاهم شعوبها، للتصدي لكلّ المخاطر التي تستهدفهم، وهي على وشك أن تقضي عليهم جميعاً، لولا ما تبقى من جبهة الصمود والتصدي، واسمها الآن قوى الممانعة والمقاومة، التي ما زال الجميع يخافون منها، لأنها الحق بحد ذاته!
والسّؤال بسيط جداً، وهو إما أن نكون مع الحقّ وإما ضده، والحقّ هو الوطن، ومن دونه لن يكون للحديث أي معنى، لأنّ حبّ الوطن من الإيمان، والإيمان يفرض علينا أن نكون دائماً وأبداً، وحتى يوم القيامة، ضدّ "إسرائيل" ومن معها قولاً وقالباً!
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً