أيّ معادلة تريد "إسرائيل" فرضها لبناء شرق أوسط جديد؟
تقوم المعادلات الإسرائيلية هذه المرة على مرتكزات مكشوفة لتحقيق حلم نتنياهو تزامناً مع وصول الرئيس الأميركي الجديد ترامب إلى سدّة الحكم مرة أخرى، أملاً في تحقيق أكبر قدر من أحلام نتنياهو.
تصاعدُ وتيرة التغوّل الإسرائيلي في دول المنطقة سواء في غزة أو لبنان وصولاً إلى سوريا مؤخّراً، وتركيز القصف الإسرائيلي لكلّ مقدّرات سوريا العسكرية، ومن غير المستبعد أن ينتقل هذا التغوّل أكثر بالتدريج لاستباحة دول أخرى، لم يكن كلّ ذلك عبثاً بل تطبيقاً لخطة إسرائيلية مدعومة توراتياً بغطاء يميني متطرّف كرّرها نتنياهو مراراً وتكراراً في خطاباته الأخيرة، مستغلّاً ظروف المنطقة بشكل عام ومجريات الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.
تقوم المعادلات الإسرائيلية هذه المرة على مرتكزات مكشوفة لتحقيق حلم نتنياهو تزامناً مع وصول الرئيس الأميركي الجديد ترامب إلى سدّة الحكم مرة أخرى، أملاً في تحقيق أكبر قدر من أحلام نتنياهو من ولاية ترامب المقبلة.
المخطط الذي تعمل "إسرائيل" عليه في المنطقة حالياً يرتكز إلى هدف أساسي هو إنهاء المشروع الإيراني فكرة ومقاومة، والذي أصبح يتعارض مع أهداف وأحلام المشروع الصهيوني بالدرجة الأولى، وتوظيف ذلك في تطبيق رغبة إسرائيلية في التوسّع في دول المنطقة لتفتيتها وتهجير سكانها بما يضمن لها السيطرة الكاملة عليها بسهولة، وهذه السيطرة بالدرجة الأولى ستكون وجهتها منطقة ودول بلاد الشام تحديداً كما نرى على مدار عام وأكثر في استهداف لبنان وسوريا وفلسطين وربما مستقبلاً وقريباً الأردن.
تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في هذا السياق على مرتكزين أساسيين وعليها تعمل بهدف فرض معادلات جديدة ضمن مفهوم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشّرت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايز قبل سنوات وتعثّر مراراً، لتعود حالياً وتسعى لفرضه في المنطقة من جديد، وقد صرّح بذلك نتنياهو مؤخّراً في اتصاله الأخير مع الرئيس ترامب وفي حواره مع إيلون ماسك، والذي أشار فيه إلى أنّ نّما تقوم به "إسرائيل" في المنطقة يهدف إلى تغيير وجه الشرق الأوسط الجديد كي يتناسب مع حلم "إسرائيل الكبرى".
المعادلة الأولى/الاستباحة والتدمير: وهي معادلة قائمة على الضرب والاستهداف في كلّ مكان ومن دون توقّف سواء في غزة أو لبنان وسوريا، وشهدنا مدى التغوّل العسكري الإسرائيلي في الأراضي السورية وقبلها في الأراضي اللبنانية، إذ إن هذا التغوّل في أراضٍ عربية سيمكّنها من عزل الدول العربية عن بعضها مما يسهّل تحقيق هدف "إسرائيل" الكبرى وفرض حدود جديدة لها، وهو ما ينسجم مع تصريحات ترامب التي قال فيها بوضوح إنه سيعمل على توسيع خريطة "إسرائيل" مستقبلاً.
المعادلة الثانية/التفوّق: وتهدف لفرض واقع جديد في دول المنطقة بما يعزّز استمرار تفوّق "إسرائيل" عسكرياً وبما يضمن تحجيم قدرات الدول المحيطة وحركات المقاومة ومنع التفوّق العسكري الذي يؤثّر في موازين القوى في أيّ مواجهة، كما شهدنا التفوّق العسكري لحزب الله أثناء معركة أولي البأس مؤخّراً.
ترنو "إسرائيل" مستغلّة قدوم إدارة ترامب الجديدة إلى تشكيل شرق أوسط جديد وتعلن ذلك بصراحة وقد بدأت خطوات عملية في هذا الاتجاه، شرق أوسط يتشكّل أولاً من سيطرة على جغرافيا جديدة وتشكيل تحالفات جيوش من دول المنطقة التي طبّعت معها بقيادة أميركا بما يضمن ويحقّق لها ثلاثة أهداف، على رأسها حماية الأنظمة العربية الحاكمة المطبّعة بالدرجة الأولى، وحماية المصالح الأميركية في المنطقة تحديداً، وصولاً إلى تشكيل جبهة كبيرة موحّدة تكون مهمتها الأساسية مواجهة التمدّد الصيني في المنطقة والذي يعدّ المنافس الأكبر للمشروع الأميركي.
ثمّة تساؤلات مهمة تطرح نفسها أمام انكشاف المخطّط الذي تعمل "إسرائيل" على فرضه في المنطقة، متى ستلتفت الدول العربية لما يحاك ويخطّط له للتخلّص من الاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف يمكن أن تنهض سوريا بجيش ومقدّرات كما كانت وتكون قادرة على ردّ العدوان الإسرائيلي والتصدّي وإفشال مخطّطات "إسرائيل الكبرى"؟
تدلّل كلّ المؤشرات إلى نوايا إسرائيلية على استباحة وقضم واحتلال أجزاء كبيرة من سوريا، بمعنى أدقّ "إسرائيل" باتت تستبيح سوريا براً وجواً وبحراً وتعمّدت تدمير كل أسلحتها التي تشكّل ذخراً استراتيجياً لها، فبعد التغوّل بدأت بتصفية واغتيال العلماء والنخب السورية، ثم دمّرت البنية العلمية في سوريا وهو نموذج مكرّر لما جرى في العراق، وهذا مؤشّر على أن سيناريو احتلال سوريا مقبل لا محالة، وأنها لن تعود كما كانت تشكّل محور ارتكاز وخطّ إمدار لدول محور المقاومة في المستقبل القريب.
التغوّل الإسرائيلي في سوريا له ما بعده وتنظر "إسرائيل" إليه على أنه فرصة لا تعوّض لتحقيق إنجازات استراتيجية وتحقيق النبؤات الموجودة في الأسفار اليهودية التي ذكرها نتنياهو في خطاباته أكثر من مرة.
على الزاوية الأخرى من الصورة ، بات واضحاً أن ترامب له أجندته المختلفة عن نتنياهو ويريد وقف الحرب في غزة كي يدخل البيت الأبيض في أجواء غير ساخنة أو متوترة عن تلك التي كانت في عهد بايدن، أما نتنياهو فيريد الاستمرار في مغامراته لإرهاب المنطقة ويريد صفقة محدودة مع حماس لا إنهاء الحرب ويعمل علناً لشرق أوسط جديد، كلّ ذلك حفاظاً على مستقبله السياسي أولاً ثم تجنّباً لسقوط ائتلافه مع سيموتريتش وبن غفير، وهذا ما يطرح تساؤلات، من يسحب الآخر إلى مربّعه؟
الواقع يقول، إن الرئيس ترامب يريد إنهاء حرب غزة وأزمة الأسرى لدى حماس وعبّر عن ذلك بوضوح، ويريد فرض اتفاقيات تطبيع مع السعودية ودول أخرى، وربما يشمل ذلك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي إذا استطاع ترامب الضغط على "إسرائيل" ستتراجع أحلام نتنياهو، واذا استجاب ترامب للمسار الذي يسلكه نتنياهو ويعمل على تصاعده، فهذا يعني أنه سيتورّط في مستنقع المنطقة مرة أخرى كما فعل بايدن لكن بشكل مختلف إلى حد ما.
المؤكد هنا أنّ أحلام نتنياهو ستتبدّد كما انتهت أحلامه من قبل مع الفلسطينيين وفي لبنان، والأحلام الأولى التي رسمها نتنياهو لنفسه هي أحلام الهيمنة السياسية، لكنه الآن وبعد حال التغوّل على دول بعينها في المنطقة يريد توسّعاً جغرافياً بنكهة توراتية متطرّفة.
سؤال مهم يطرح نفسه هنا، هل يمكن الجزم أنّ أحلام نتنياهو ستتحقّق في ولاية ترامب؟ لن يتحقّق منها الكثير في جوهر الصراع في ظلّ وجود المقاومات الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية، وربما تظهر للمشهد مقاومات أخرى، فكلّ أحلام نتنياهو هي أحلام يرافقها الغرور والغطرسة، فيما يوجد شعب لديه من الصمود الأسطوري والإرادة والتحدّي ما سيحطّم أحلام نتنياهو.
وعوداً على ذي بدء، تقع على إيران مسؤولية كبيرة وبالغة الأهمية تجاه ما يحاك ويخطط للمنطقة، وفي ظل استهدافها العمل على إنقاذ فكرة المقاومة كوسيلة ومشروع في ظل دعوات بعض الأطراف السياسية للتعايش والتطبيع مع "إسرائيل"، إذ إنّ ما تقوم به "إسرائيل" في غزة ولبنان وسوريا يستهدف بشكل واضح تهديد فكرة المقاومة وكي الوعي وتدفيع جمهور وشعوب هذه الدول ثمناً باهظاً إزاء التمسّك بالمقاومة فكراً وعملاً والتفافاً، إذ تبيّن بالفعل أنّ كل ما جرى هو عبارة عن مقدّمات وأنّ المشروع الاستراتيجي لـ "إسرائيل" هو قتل روح المقاومة فكراً وعملاً في دول تتبنّى المقاومة نهجاً وترفض التطبيع سلوكاً وصولاً إلى القضاء التامّ عليها، والعين على إيران.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً