قبل 1 یوم
شرحبيل الغريب
12 قراءة

التمرد الداخلي ضد نتنياهو.. قراءة الظاهرة وتداعياتها تجاه الحرب على غزة؟

مساحة التمرّد المتصاعدة في "إسرائيل" في ظلّ استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ظاهرة من الضروري التوقّف عندها، فهي حدث ليس عابراً ولها أبعاد سياسية وأمنية على المشهد في "إسرائيل".

تزايد مساحة التمرّد داخل "إسرائيل" على نتنياهو أصبحت واضحة وبشكل لافت، بل وتتصاعد يوماً تلو الآخر بعد الرسالة التي وجّهها مسؤولو الموساد السابقون والتي تطالب بوقف الحرب على غزة وعقد صفقة تبادل، وتأتي هذه الرسالة لتضاف إلى عدد كبير من المطالبات السابقة والعرائض التي وقّعت والتي جاءت في السياق ذاته من جموع وشرائح مختلفة داخل "إسرائيل" مثل شريحة الأطباء، وسلاح الجو ووحدة 8200 وسلاح البحر والمدفعية وجنود الاحتياط وشعبة الاستخبارات، الذين وقّعوا رسالة واضحة بضرورة وقف الحرب واتهام نتنياهو  باستمرارها تحقيقاً لأهداف سياسية شخصية. 

الاتهامات التي وجّهت لنتنياهو لم تقتصر على نخب سياسية أو حزبية بل شملت شريحة واسعة من مكوّنات المجتمع في "إسرائيل"، ويشير أحدث استطلاعات للرأي في "إسرائيل" والذي نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أنّ 60% من الإسرائيليين يرون أنّ الحرب الأهلية سيناريو يقترب بسبب سياسة نتنياهو القائمة على استمرار الحرب خدمة لأهداف شخصية، ناهيك عن حال الإقصاء الذي يمارسه للسيطرة على أركان الدولة.  

مساحة التمرّد المتصاعدة في "إسرائيل" في ظلّ استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ظاهرة من الضروري التوقّف عندها، فهي حدث ليس عابراً ولها أبعاد سياسية وأمنية على المشهد في "إسرائيل"، فحملة التمرّد هذه تكشف تصدّعاً واضحاً في التركيبة البنيوية الاستراتيجية في "إسرائيل" سواء على صعيد تصدّع النخبة الأمنية والعسكرية متمثّلة بجهاز الموساد و"الجيش" والاستخبارات، وهذا يعدّ مؤشّراً بالغ الأهمية في المعادلة بل يعكس شرخاً وتصدّعاً في عمق المؤسسة الأمنية التي تعدّ الأكثر سرية وتأثيراً في "إسرائيل" من جهة، ويعكس خلافاً عميقاً مع المستوى السياسي الذي يمثّله نتنياهو، وهي تصدّعات تكشف اختلافات جوهرية استراتيجية لا سطحية.

العرائض التي وقّعت كافة، اتهمت نتنياهو باستخدام الحرب على غزة لأغراض شخصية على رأسها البقاء في السلطة والتهرّب من المحاكمة على قضايا الفساد، وصولاً إلى الهدف الأسمى وهو تأجيل الانتخابات، وهذا يدلّل على أنّ الأزمة استراتيجية بالفعل داخل "إسرائيل" خاصة بعدما تكشّف لأوساط إسرائيلية كثيرة أنّ الحروب سابقاً كانت تشنّ تحت ذريعة الأمن القومي الإسرائيلي أما الآن فباتت تخاض على وقع انقسامات إسرائيلية داخلية حادّة.

حال التمرّد المتصاعد في وجه نتنياهو له تداعيات سلبية سياسياً وأمنياً وحتى اجتماعياً، يشير إلى تحوّلات سياسية مقبلة لا محالة على المشهد في "إسرائيل" قد يصل إلى حدوث سيناريوهين لا ثالث لهما، حيث إنّ هذه التحوّلات تضع "إسرائيل" أمام منعطف سياسي كبير تتداخل فيه عدة أبعاد، ستؤدّي في نهاية المطاف إلى نهاية مرحلة قائمة وولادة مرحلة جديدة.

السيناريو الأول/ أن يؤدّي حال التمرّد إلى تحوّلات عميقة في ظلّ تزايد تلك الظاهرة بما يؤدّي لحال من الصدام الداخلي المباشر إذ إنّ استمرار الانقسامات الداخلية من شأنه تأجيج حركة التظاهرات بين حركة التمرّد المتصاعدة في أوساط المعارضة التي ترى أن الحرب على غزة ما هي إلا حرب استنزاف خاسرة طويلة الأمد باتت عبثية لم تحقّق أهدافها من جهة، وبين أطراف الحكومة التي تصرّ على استمرار الحرب خدمة لأهدافها الشخصية لضمان بقاء مستقبلها السياسي.

السيناريو الثاني/ تصاعد حال التمرّد والضغط الداخلي في وجه نتنياهو يؤدّي إلى تقويض شرعية الحكومة وحدوث مزيد من الانقسامات والانشقاقات الداخلية أو اللجوء إلى خيار الانتخابات المبكرة وتشكيل حكومة بديلة. 

المشهد الإسرائيلي في ظلّ توسّع دائرة التمرّد على نتنياهو والتي شملت شخصيات ذات مكانة وثقل أمني واستراتيجية يشير إلى أنّ نتنياهو بات يواجه فعلياً حال تأكّل حقيقي في المنظومة السياسية والأمنية، فما يحدث في "إسرائيل" الآن لم يعد خلافاً سياسياً، بل أزمة عميقة في شرعية الحرب وقيادتها واستمرارها، وهو ما يعكس تخبّطاً وإرباكاً واضحاً في المشهد، وهذا ما يزيد من احتمالات التغيير المرتقب والمقبل في "إسرائيل"، إذ إنّ المرحلة المقبلة لن تكون سهلة كما يتصوّر البعض فهي مقبلة على مفاجآت لم تكن في حسابات كثيرين. 

المشهد في "إسرائيل" وما يشهده من انقسامات وتصدعات وتزايد التمرّد ليس ببعيد عن مسار الحرب في قطاع غزة، إذ إنّ تأثيراته متشابكة على عدة مستويات وانعكاساته أكبر وتتجاوز صورة التصدّع الداخلي أو التأكّل في الشرعية والذي لم يعد يخفى على أحد، لكنه يمسّ بشكل مباشر التماسك الأمني والعسكري وسبل اتخاذ القرار وتأثيراته على الأداء والكفاءة، ويشكّل تراجعاً كبيراً في الروح القتالية بعد حال النقص الذي أثّر بشكل سلبي نتيجة حال التمرّد وقرارات رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد بفصل عدد كبير من قوات سلاح الجو والبحرية، والذي أثّر بشكل سلبي وجلب نتائج عكسية، والأهم من ذلك التأثير في اتخاذ القرارات الاستراتيجية. 

ثمّة سؤال يطرح نفسه في هذا السياق، ما تأثيرات هذا المشهد  المتشابك المتصدّع والذي يزداد وكيف سيكون المشهد المقبل؟ وفي هذا عدة مسارات.

المسار الأول: أن يجبر نتنياهو أمام هذا الواقع المتصاعد ضده وتحديداً من "الجيش" والموساد واستجابة لضغوط داخلية من قطاعات أخرى على تنفيس الحالة الداخلية والذهاب لصفقة قريبة شاملة مع حماس يتم خلالها تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، لكن مثل هذا السيناريو ستكون له ارتدادات داخلية على وضع وصورة نتنياهو أمام اليمين الإسرائيلي المتطرف لكن يخدمه في شراء الوقت سياسياً.

المسار الثاني: استمرار وتصاعد حجم وصورة التمرّد بما يزيد حال الانشقاقات الداخلية ويسقط الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو ويجعل مسار الانتخابات في الكنيست أمراً حتمياً قريباً مستعجلاً، وحال اللجوء إلى هذا المسار لن يحصل نتنياهو على أغلبية وسيطرة نظراً إلى تصدّع صورته وموقعه السياسي بسبب الحرب وفشله في حسمها لصالح "إسرائيل" حتى الآن.

المسار الثالث: اتساع دائرة التمرّد والمعارضة الشعبية لتطال شرائح أكبر في ظلّ تعثّر الحرب في غزة من دون تحقيق أهدافها، الأمر الذي قد يتطوّر إلى حال عصيان مدني واضطرابات في الهستدروت (النقابات المهنية) من شأنها أن تشلّ أركان "إسرائيل" اجتماعياً واقتصادياً. 

المسار الرابع: حاجة الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة ترامب إلى تبريد الحرب على غزة، هذه المرحلة بسبب زيارته المرتقبة للمنطقة العربية إلى السعودية والإمارات وقطر، قد تدفع نتنياهو وتجبره سلوك المسار الأول والذهاب نحو ضرب عصفورين بحجر واحد، صفقة وتطبيع العلاقات مع السعودية كثمن وإنجاز سياسي يتوافق مع أحد أهدافه التي يكرّرها بين الحين والآخر والمتمثّل في فرض شرق أوسط جديد يرمّم فيه اتفاقيات التطبيع القديمة ويطبّع مع دول جديدة أخرى بعينها بما يضمن قبول "إسرائيل" ككيان في المنطقة العربية. 

"إسرائيل" تخوض اليوم حرباً عبثية متعثّرة في المنظور الأمني الإسرائيلي غير قادرة على حسمها رغم الترسانة العسكرية التي تمتلكها، مسيطر عليها من تيارات يمينية تجمعها مصالح سياسية، لكن مثل هذه الحالة تعكس بالفعل أزمة عميقة جذرية في البنية الداخلية ستؤثّر على النظام السياسي في "إسرائيل"، بمعنى أدقّ، المشهد سيكون أمام متغيّرات وتوازنات جديدة ستشكّل مشهداً سيكون له أحد الأوجه؛ إما حكومة مستقرة، وإما مزيد من الصراعات والتصدّعات وصولاً إلى سيناريو الحرب الأهلية الذي يحذّر منه كثيرون. 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP