قبل 3 سنە
شرحبيل الغريب
377 قراءة

تهديدات "إسرائيل" لإيران.. دور وظيفي لدعم أميركا؟

تزامناً مع جولة المباحثات في فيينا، رفعت "إسرائيل" وتيرة تهديدها ووعيدها باللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران، وقالت إن خيار شنّ هجوم عسكري عليها قد يكون مطروحاً من أجل تعطيل برنامجها النووي. وتواردت معلومات تُفيد بتزوّد "إسرائيل" بأسلحة دقيقة وسرية ومتطورة، ناهيك بإعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي نيتَها إنفاقَ نحو 1.56 مليار دولار من أجل شراء أسلحة لسلاح الطيران الإسرائيلي، وتعزيز قدرات "القبة الحديدية" بصواريخ باتريوت. كما أعلنت، في سياق متصل، تكثيف تحركاتها العسكرية، وتهيئة جبهتها الداخلية تحسباً لأي طارئ.

تصريحات مهمة صدرت، في الإطار ذاته، على لسان وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، قال فيها "قد لا يوجد هناك خيار أمامنا وأمام العالم في مرحلة ما إلاّ الخيار العسكري ضد إيران. لا مفرّ من ضرب إيران".

ثمة أسئلة مهمة تطرح نفسها أمام تطورات المشهد الإسرائيلي الإيراني الأميركي: هل "إسرائيل" جادة فعلاً في تهديداتها العسكرية ضد إيران؟ وإن كانت جادة، فهل هي فعلاً قادرة على مواجهة إيران ومَن معها من حلفاء أقوياء في المنطقة؟ والأهم من ذلك كله: هل ستكون "إسرائيل" قادرة على إيقاف الحرب إذا امتلكت مفاتيح إشعالها؟ أَم أن ما نسمعه هو مجرد فقّاعات في الهواء، هدفها التخريب على مسار المفاوضات النووية؟ أَم أنه لغرض التوظيف من أجل تحقيق مآرب لمصالح دعم الولايات المتحدة في مفاوضات فيينا؟

الخطاب الإسرائيلي مع عدد من الدول ذات العلاقة، والتي تم الحديث معها قبل انطلاق المفاوضات النووية، كان بمثابة رسالة إنذار ووعيد، على نحو صريح، قالت فيها "إسرائيل": "لا يجب أن تتركوا الإيرانيين يصلون إلى وضع دولة عتبة نووية، إنه أمر لا رجعة عنه. لا تُجبرونا على القيام بأفعال خطيرة".

قبل الإجابة عن جملة التساؤلات المهمة، لا بدّ من أن نستحضر شواهد مهمة في هذا السياق، أولها الاتصال الذي أجراه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وبحث فيه في مسألة المفاوضات النووية مع إيران، وطالبه فيه، على نحو واضح، بوقف المفاوضات مع طهران بسبب ما سمّاه "الابتزاز النووي تجاه المنطقة". 

الأمر لم يتوقف عند الإفصاح عن المطالبات الرسمية لواشنطن بوقف المفاوضات مع طهران، فما تأمل فيه "إسرائيل" هو إلغاء فكرة العودة إلى طاولة التفاوض، والتحريض على حرب عالمية عسكرية ضد إيران، إذ كُشف أن مسؤولاً أمنياً إسرائيلياً كبيراً أفصح مؤخّراً، في منتدى مغلَق، عن أن كل الأطراف التي تواصلت معها "إسرائيل" بشأن الملف النووي الإيراني كانت إجاباتها واحدة وتقول الشيء نفسه، لكن بعبارات متعددة. الكل يقول لـ"إسرائيل": "ماذا تريدين منا؟ لقد أقنعتِ ترامب بالانسحاب من الاتفاقية، ولو لم يجرّ نتنياهو ترامب إلى الخروج من الاتفاقية، لكُّنا الآن في وضع أفضل ومغاير تماماً. أنتم (الإسرائيليون) تعلمون مثلنا بالضبط بأن الإيرانيين التزموا الاتفاقية بدقة. وبمجرد خروج الولايات المتحدة منها، رأوا أنفسهم أحراراً في انتهاكها، وبدأوا في التخصيب. كل هذا من عمل أيديكم، وبسببكم، فتذوَّقوا ما طبخته أيديكم".

هناك فارق كبير بين الإمكان والنية. فالإمكان هو قدرة طرف معين على اتخاذ طريقة حلّ معينة تجاه قضية الساعة. أمّا النية فهي العزم والإصرار على تنفيذ هذه الطريقة. وهذا الأمر أصعب كثيراً. ربما يسأل سائل: كيف يكون ذلك أصعب كثيراً؟ ولو سألنا هنا: هل لدى "إسرائيل" القدرة على ضرب المفاعل النووي الإيراني؟ فهذه تسمى "الإمكان"، بما أن "إسرائيل" تمتلك سلاحاً جوياً متطوراً. أمّا بشأن "النية"، فنقول: هل "إسرائيل" ستقوم بضرب المفاعل النووي الإيراني؟ وهنا يتضح الفارق الكبير بين الإمكان والنية. فمعرفة الإمكان أسهل كثيراً من معرفة النية. وبالتالي، نستطيع القول إن إقدام "إسرائيل" على هذا الخيار مكلف، والنية لن تتوقف عند سلوك الإمكان في حد ذاته، إذ تكون لها تداعيات كبيرة وخطيرة، لا ولن تستطيع "إسرائيل" تحمُّل تباعاتها.

علينا أن نتوقف عند التساؤلات المهمة بعد استعراض النشاط الإسرائيلي الرامي إلى إفشال مباحثات فيينا، وضمان تحشيد موقف دولي بشأن اللجوء إلى الخيار العسكري، كخيار أوحد ضد إيران. فالتهديدات الإسرائيلية التي نسمعها تجاه ضرورة استخدام الحل العسكري ضد إيران، ليست بالجديدة، وهي مستمرة منذ عقود طويلة.

التسلُّح الإسرائيلي المتسارع، ولغة التهديد المتصاعدة تجاه إيران في هذا التوقيت، لهما تفسير واحد: إنهما مجرد ضغوط وحرب نفسية كلامية تجاه إيران، الهدف الأساسي من ورائها هو دور وظيفي مساند لموقف الولايات المتحدة في مفاوضاتها في فيينا. معروف أن "إسرائيل"، التي تمتلك سلاحاً نووياً، تعمل وفق منهجية منع أي دولة، عربية كانت أو إسلامية، من حيازة أيّ قوة عسكرية نووية، وأن أيّ عمليات إسرائيلية ضد إيران لن تؤثّر فيها بصورة كبيرة. وشهدنا، في وقت سابق، تنفيذ هجمات سايبر وهجمات جوية على سوريا، في محاولة من "إسرائيل" لتعويق المشروع النووي الإيراني، إلاّ أن تأثير هذه المحاولات كان ضعيفاً جداً.

حتى اللحظة، لم تستطع "إسرائيل" توريط أطراف دولية في خيارات لا ترغب فيها هذه الدول، أو إرغامها عليها. وأدركت "إسرائيل" هذه النتيجة فعلاً. فالهدف الإسرائيلي الكامن وراء رفع وتيرة التهديدات المتصاعدة في هذا التوقيت، تزامناً مع جولة المفاوضات الأولى في فيينا، يأتي بهدف دعم المفاوض الأميركي ومحاولة تحسين شروط الولايات المتحدة، بعد أن أدركت "إسرائيل"، في مستوياتها السياسية والأمنية والعسكرية، أن الخيار العسكري ليس خياراً ستسلكه الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية، في وقت ينطلق المفاوض الإيراني إلى فيينا من منطلق قوة، ويحصد نقاطاً ومكاسبَ ودعماً وتأييداً من بعض الدول الأوروبية المنخرطة في المحادثات النووية، والمعنية بالعودة إلى هذا الاتفاق، والتي أُرغمت على الخروج منه إرغاماً، ولم يكن خياراً لها آنذاك. 

لو توقّفنا قليلاً عند ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قبل أيام، والتي عنونت مقالة لها "ضرب النووي الإيراني مهمة مستحيلة لإسرائيل"، لوجدنا أن الصحيفة تتحدّث عن أن "إسرائيل" تحتاج إلى حشد الشجاعة من أجل هذا الخِيار، وهو أمر مفقود لديها حالياً، ولا تمتلكه لأسباب كثيرة عرضتها الصحيفة. وعليه، أستطيع القول إن مساحة المناورة الإسرائيلية للتحشيد لهذا الخيار تكاد تكون محدودة، وحتى منعدمة، أمام الموقفين الأميركي والأوروبي الداعمين في اتجاه التوصل إلى اتفاق نووي، على الرغم من العقبات التي يدور الحديث بشأنها ومحاولات الربط بين الملفات، والتي كان آخرها تقديم نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأميركيين مشروع قانون إلى الكونغرس الأميركي، يدعو إلى فرض عقوبات على البرنامج الإيراني للطائرات المسيَّرة.

الولايات المتحدة وحدها تتحمّل المسؤولية، في الدرجة الأولى، تجاه الانسحاب من الاتفاق النووي، وهي التي مارست ضغوطاً كبيرة على حلفائها وشركائها الأوروبيين في الاتفاق، وأجبرتهم على خيار الانسحاب. وبالتالي، فإن مفتاح نجاح المباحثات الجارية في فيينا سيكون قائماً على قضية أساسية، عنوانها البرنامج النووي الايراني وتفاصيله وكيفية الخلاص من العقوبات الأميركية التي نتجت من التنصل من الاتفاق في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعدم الربط بين الملفات، إذ إننا لو عدنا إلى الوراء فسنجد أن سياسة الفصل بين الملفات كانت موجودة في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما في الاتفاق النووي السابق، وهذا ما ساعد على إنجازه من دون الرضوخ لسياسة التحريض أو وضع العراقيل.

نستطيع القول إن السياسة الإسرائيلية القائمة على الضغط على الولايات المتحدة بشأن الملف النووي الإيراني باءت بالفشل، إيذاناً ببدء رسمي لجولة المفاوضات بين إيران وأميركا والدول الأوروبية ذات العلاقة. فإيران، الآن، تتعامل كأن الاتفاق النووي الذي تنصَّلت منه إدارة ترامب غير موجود، وذهبت إلى المباحثات وفق منطق جديد، ومتغيرات تحافظ على قوتها كدولة في المنطقة، بعيداً عن سياسة الاشتراطات أو الابتزاز أو الرضوخ.

الخيارات كافةً مفتوحةٌ أمام إحياء الاتفاق النووي، وانتهاء الجولة الأولى من المباحثات لا يعني النجاح أو الفشل، وسط تخوف الأطراف الرئيسة. المسألة ليست بهذه السهولة في ظل وجود أطراف عدة متشابكة، ودخول "إسرائيل" التحريضي والواضح على الخط. وبالتالي، يكمن النجاح في إحياء الاتفاق النووي من جديد، وفق الشروط التي تضمن رفع كل العقوبات عن إيران.

الدرس الذي يجب على "إسرائيل" أن تدركه جيداً هو أنها، في حال أخطأت الحسابات والتقدير، وقررت إشعال حرب عسكرية من أجل ضرب المشروع النووي الإيراني، ستكون فتحت على نفسها نار جهنم، ولن تستطيع إخمادها. فإيران لم تعد دولة ذات جبهة منفردة وحدها، بل معها محور مقاومة ممتدّ في عدة دول، وفي عدة جبهات، ويمتلك دفاعات قادرة على لجم "إسرائيل"، إذ إن سيناريو المواجهة والخيار العسكري أصبح يشكّل، وما زال، مغامرةً غير محسوبة لـ"إسرائيل"، لن تستطيع تحمُّل تبعاتها إذا أقدمت على مثل هذا الخيار، وعملت على خلط الأوراق في المنطقة.

لا تتبنى الاشراق الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP