نحو تضامن دولي من نوع جديد مع فلسطين!
يصادف الــ 29 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني تأكيداً لحقوقه وثوابته، وتأتي الذكرى هذا العام في مرحلة خطرة تمر فيها القضية الفلسطينية، ووسط تحديات كبيرة في ظل استمرار الغطرسة الإسرائيلية المتمثلة في تهويد مدينة القدس وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وابتلاع الأرض بالاستيطان وسياسة العدوان والإجرام التي مست الأرض والإنسان.
تأتي الذكرى هذا العام في ظل حال من الانحياز الأميركي إلى "إسرائيل" من جهة، والتطبيع العربي معها من جهة أخرى.
حالتا الانحياز والتطبيع معاً منحتا غطاءً آمناً للاستمرار في ترسيخ احتلال الأرض والتنكر لكل الحقوق الفلسطينية، إذ منحت الإدارة الأميركية "إسرائيل" على مدار سنوات الصراع دعماً عسكرياً ومالياً وسياسياً ودبلوماسياً تحت شعار من حق "إسرائيل" الدفاع عن نفسها، فيما هيأت اتفاقيات التطبيع الخليجي بيئة خصبة وفتحت شهية "إسرائيل" أكثر للتغول على الشعب الفلسطيني.
التضامن مع فلسطين وشعبها ليس مناسبة سنوية عابرة، ولا يخصّص هذا اليوم لإقامة الفعاليات الثقافية والمهرجانات السياسية والجماهيرية التضامنية، بل هو محطة مهمة تضع العالم أمام مسؤولياته، وتذكّره بأن فلسطين تعاني أطول احتلال عرفته البشرية، وتعاني ظلماً وبطشاً وإرهاباً وحصاراً وقتلاً إسرائيلياً مستمراً، وتآمراً دولياً غير مسبوق على قضيته.
يوم التضامن العالمي مع فلسطين يجعلنا نتوقف أمام تساؤل كبير عن ماهية التضامن الذي يريده الشعب الفلسطيني في يومه العالمي، بعد أن أقرّته الأمم المتحدة قبل 45 عاماً، وما زال الشعب الفلسطيني يعيش ذكرى أليمة ووجعاً نازفاً يدق به ناقوس الظلم والإرهاب الذي حل به وما زال يعيشه.
لعل من أهم الرسائل التي تسجل في يوم التضامن الدولي مع فلسطين أن فلسطين متجذرة في قلوب أبنائها ومحبيها ومناصريها، وأن "إسرائيل" لا مستقبل لها على أرض فلسطين مهما بلغ حجم الإجرام بحق أهلها، ومهما طالت سنين البطش والإرهاب.
يوم التضامن العالمي يشكل فرصة لرفض قرار تقسيم فلسطين الذي يعد انتقاصاً من الحقوق الفلسطينية، والذي جاء ترسيخاً لوعد بلفور المشؤوم الذي منح "إسرائيل" وطناً قومياً لليهود على أرض فلسطين، ويؤكد في الوقت نفسه فشل "إسرائيل" في الرهان على موت الكبار ونسيان الصغار، ويثبت كذلك أن الجيل الفلسطيني الجديد ما زال يدافع عن أرضه بشراسة وأنه أكثر تمسكاً بفلسطين كاملة من دون تنازل عن أي شبر منها.
يوم التضامن العالمي مع فلسطين يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات كبيرة، تتمثّل في أهمية الانحياز إلى الحق الفلسطيني، وترجمة حال التضامن بتصحيح كل القرارات الظالمة التي صدرت ضد الفلسطينيين ودعم حقوقهم في مقاومتهم الاحتلال الإسرائيلي، بدلاً من تصنيف المقاومة بالإرهاب.
يوم التضامن العالمي فرصة لتصويب المفاهيم المغلوط فيها، وتأكيد أن الإرهاب هو "إسرائيل" وما ارتكبته من جرائم منظمة بحق الفلسطينيين، وأن المقاومة الفلسطينية حق مشروع للشعب الفلسطيني كفلته القوانين والشرائع الدولية كافةً حتى استعادة الأرض والحقوق كاملة من دون نقصان.
يوم التضامن العالمي يأتي هذا العام تزامناً وانطلاق مونديال كأس العالم في قطر، كحدث رياضي ذي طابع سياسي، أكدت فيه جماهير الأمتين العربية والإسلامية حضور القضية الفلسطينية على طريقتها الخاصة، وأن كل مساعي تثبيت "إسرائيل" كدولة طبيعية في المنطقة عبر مسلسل التطبيع أخفقت ولم يكتب لها النجاح، وأن اتفاقيات التطبيع التي وقعت ما هي إلا حبر على ورق لا قيمة لها أمام نبض وتوجهات الشعوب، وأن هوة كبيرة تسجّل بين سلوك الأنظمة العربية والخليجية التي طبّعت مع "إسرائيل"، ونبض الشعوب العربية برفضها ونبذها "إسرائيل" علانية.
عربياً وعالمياً، فإن إعادة الاعتبار إلى حركة التضامن الرسمية مع الشعب الفلسطيني أصبحت مسألة غاية في الأهمية، خصوصاً بعد الاستفتاء الكبير الذي شكله مونديال قطر ورفض الشعوب القبول أو التعايش مع "إسرائيل"، وهو ما يشكل دعوة لكل الأحرار في العالم إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه فلسطين أكثر، بدعم شعبها ومقاومته وتعزيز صموده والتصدي لكل عرّابي التطبيع في المنطقة الذين أرادوا لمونديال قطر أن يكون محطة على طريق استكمال مشروع التطبيع، فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وشكلت الجماهير العربية بمواقفها صفعة على وجه "إسرائيل" وفشلاً ذريعاً لدبلوماسيتها.
فلسطينياً، فإن حجم التعاطف والتأييد العالمي الداعم للحقوق الفلسطينية، الرافض لإسرائيل في الوقت نفسه، يشكل فرصة لإعادة النظر وتغيير مسارات سياسية ثبت فشلها أمام تغول إسرائيل على كل ما هو فلسطيني، ويجعل من هذا الواقع مدعاة للعمل على ضرورة تشكيل قيادة مقاومة وطنية فلسطينية موحدة تدير الصراع مع "إسرائيل" بأدوات مختلفة وعلى رأسها المقاومة المسلحة التي فرضت معادلات الردع والرعب معاً، واعتبارها الطريق الوحيد الأقصر إلى اقتلاع "إسرائيل" ومشروعها عن أرض فلسطين.
التضامن المأمول يكمن في حقيقة ثابتة راسخة في العقل الفلسطيني والعربي معاً، وهي أن "إسرائيل"، وعلى الرغم من الغطرسة الإسرائيلية على الفلسطينيين وأمام حال صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني، تبقى كياناً هشاً وأن الهشاشة أصابت مشروعها، وأن حلمها بدأ يتلاشى يوماً بعد آخر أمام معادلات القوة والمقاومة والردع التي فرضتها المقاومة الفلسطينية، باعتبارها الأمل الوحيد الذي يعلّق الفلسطيني آماله عليه بتحرير أرضه.
التضامن مع الشعب الفلسطيني يجب أن يكون تضامناً في سياق حقيقة ثابتة راسخة، مفادها أن الشعوب المظلومة، وإن توالت عليها المؤامرات، لا تقهر ولا تتبدد، وستأتي اللحظة التي تحرر فيها الأرض والمقدسات كما حُرر قطاع غزة بالمقاومة، اللحظة التي ينهي فيها الشعب الفلسطيني الاحتلال ويسترد حقوقه ويقرّر مصيره، ولو رفض العالم أجمع، اللحظة التي يرسم فيها معادلة الحرية والانعتاق والخلاص من الاحتلال، ولو بعد حين.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.