فوز نتنياهو في الانتخابات.. أي مستقبل للتطبيع؟!
نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي وصفت في الإعلام الإسرائيلي بالكارثية، نظراً إلى القلق من عودة بنيامين نتنياهو إلى الحياة السياسية من جديد، تلقى ترحيباً من دول التطبيع العربي، وعلى وجه الخصوص دولتا الإمارات والبحرين، بالتأكيد على تعزيز العلاقات مع "إسرائيل" والحفاظ على متانتها بعدما وصلت إلى مرحلة الاندماج اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، في إشارة تلاقت أيضاً مع وعود نتنياهو التي أطلقها خلال حملته الانتخابية بدفع قطار التطبيع قدماً مع الدول الخليجية في المنطقة.
ثمة ترحيب خليجي قائم على مبدأ الفرحة بعودة الأب الروحي للتطبيع، بعدما تعرَّض هذا المسار في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينت إلى حال من التراجع أو التعثّر قليلاً، ولا سيما اضطراب العلاقات بين "إسرائيل" والإمارات والتراجع في العلاقة بين الطرفين الناتج منه، إذ تشكل عودة نتنياهو "الأمل" من جديد بمزيد من "التعاون" الخليجي الإسرائيلي في المجالات كافة.
عودة بنيامين نتنياهو إلى الواجهة السياسية وتعهّده بشكل واضح أنَّ الهدف الدبلوماسي الرئيسي له سيكون تطبيع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع السعودية، يشير إلى أنَّه يسير بخطى سريعة لتحقيق مزيد من أهدافه التي بدأها بتطبيع المزيد من العلاقات الإسرائيلية الخليجية منذ سنوات، وخصوصاً أنَّ سيولة التطبيع العربي التي شهدناها بدأت كلّها في عهده.
المواقف الخليجية المعلنة في هذا السياق تطرح تساؤلين مهمين: هل سنشهد تطبيعاً سعودياً رسمياً في عهد نتنياهو؟ وهل هناك دول أخرى مرشحة للانخراط في اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل" مجدداً؟
الواقع يقول إنَّ هناك تطبيعاً استراتيجياً قائماً بين "إسرائيل" والسعودية. وقد قطعت السعودية شوطاً كبيراً في هذا المسار من خلال اللقاءات السرية والعلنية التي تمت في مدينة نيوم، وفتحها الأجواء السعودية أمام حركة الطيران الإسرائيلي بشكل رسمي.
كما أن التطبيع الحاصل من دون إعلان رسمي ينطلق وفق رؤية سعودية، وعلى قاعدة ما تسميه "التنسيق المشترك" لمواجهة "العدو المشترك"، في الإشارة إلى الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة. في الحقيقة، هي فزاعة تستخدمها دول التطبيع لتبرير خطواتها في التقارب مع المشروع الإسرائيلي الأميركي في المنطقة.
بشكل أعمق في توصيف الحالة السعودية، فإنَّ التطبيع مع "إسرائيل" قائم فعلاً، ويحدث بصورة تدريجية من دون إعلان، بسبب الخشية السعودية من تتويجه بشكل رسمي، وذلك نابع من تأثير التطبيع في شرعية النظام السعودي الداخلية، وحال التخوف الكبيرة من تأكل هذه الشرعية، أو أن يؤدي التتويج الرسمي باتفاقية تطبيع مع "إسرائيل" إلى حدوث هزة سياسية في النظام السعودي الحاكم بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان.
ورغم أن الموقف العربي شعبياً يقر بأن قدوم نتنياهو سيزيد حال التغول على الشعب الفلسطيني، فإن من المتوقع أن تشهد الحالة الخليجية مزيداً من التطبيع من دون إعلان رسمي صريح، وهو ما يعزز الفجوة الكبيرة بين توجهات الشعوب الرافضة للتطبيع ومشاريع الأنظمة التي مارست التطبيع وتلك التي تسير على الطريق ذاتها.
في الوجهة المقابلة، رغم أن هناك العديد من الموقف العربية التي ما زالت ثابتة على مواقفها في رفضها الانخراط في التطبيع وتجريمه وتقف سداً منيعاً في وجهه، فإنَّ تفسير الموقف العربي الرسمي إزاء الرغبة في التطبيع مع "إسرائيل" يتمثل بأنَّ هذه الأنظمة العربية وصلت إلى مرحلة ميؤوس منها، أو بشكل أدق أصبحت ميتة إكلينيكياً، ولم تعد تولي القضية الفلسطينية أي اعتبار.
كما فعلت "إسرائيل" سابقاً ونجحت في التسلّل إلى بعض الساحات العربية وتمرير اتفاقيات التطبيع، ستعيد الكرّة مرة أخرى في عهد نتنياهو، وستعمل على محاولات اختراق بعض ساحات الدول، إذ إن القاعدة التي انطلقت منها هي استغلال وجود أزمات عربية أو إقليمية. وقد شكّلت هذه الأزمات مدخلاً لاختراق العديد من الدول عبر بوابة التطبيع.
ثمة نتيجة واضحة وراسخة نصل إليها بعد هذا المسلسل من التطبيع، مفادها أن الأنظمة التي طبّعت مع "إسرائيل" تدرك أكثر من غيرها أنها وُجدت وانخرطت في مسار التطبيع في محاولةٍ من أجل تصفية القضية الفلسطينية، على اعتبار أن التطبيع جزء أساسي من هذه المحاولة.
وتعتبر أنظمة التطبيع كافة القضية الفلسطينية عبئاً يجب التخلص منه بأي شكل من الأشكال، كما أنها تدرك النتيجة الثانية، وهي أنها، في حال تمكّنت "إسرائيل" من تصفية القضية الفلسطينية، ستكون الهدف التالي لها. ومن أجل ذلك، تحالفت معها واصطفت إلى جانبها، وهي الآن تمارس التضليل أمام شعوبها والمنطقة ليس إلا.
أيّ مستقبل للتطبيع؟ في الحقيقة، إنَّ التطبيع قائم بين أنظمة عربية رسمية و"إسرائيل"، والدول التي فرحت بعودة نتنياهو هي أنظمة هزيلة ضعيفة أمام شعوبها وتطمح إلى توفير مظلة حماية إسرائيلية لها للحفاظ على كراسي الحكم فيها.
هذه الدول تعيش حالاً من السذاجة لا مثيل لها، وهي تغفل عن قراءة الواقع جيداً بأنَّ "إسرائيل" التي تحتمي بها اليوم لا تستطيع حماية نفسها من المقاومتين الإسلاميتين في لبنان وقطاع غزة، وتعيش هاجس الرعب والردع معاً، وليست قادرة على حماية نفسها وأمنها من الكتائب والمجموعات الفلسطينية المسلّحة، مثل "عرين الأسود" و"كتيبة جنين"، التي ظهرت في الآونة الأخيرة في محافظات الضفة الغربية، فكيف ستستطيع أن تحمي هذه الدول عبر بوابة التطبيع؟!
مهما تنامى التطبيع، سيبقى هشاً، ونهايته محتومة ومعلومة أمام الفجوة الكبيرة التي تتسع يوماً بعد يوم بين الشعوب العربية والأنظمة المطبعة مع "إسرائيل"، وهذا ما أفصحت عنه في الآونة الأخيرة استطلاعات الرأي التي أجريت لقياس مدى الرضا العربي الشعبي عن التطبيع مع "إسرائيل"، والتي شكلت نتائجها صدمة لكثير من الأوساط، وكشفت عورة التطبيع ورفض الشعوب لهذا الخيار.
ستبقى الأنظمة العربية المطبعة تعيش شعور انعدام الشرعية إلى أجل مسمى، ولجوؤها إلى اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل" نابع من الخوف والذعر من كبوة الشعوب التي ستستيقظ يوماً، ومعها مواقف كل الدول الرافضة للتطبيع أو التقارب مع "إسرائيل"، والتي ما زالت ثابتة على مواقف راسخة في نصرة القضية الفلسطينية ودعم مقاومتها على طريق تحرير فلسطين وهزيمة المشروع الإسرائيلي في المنطقة.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.