وفد "حماس" في القاهرة.. فرص وعراقيل!
جولةٌ جديدة من الحوارات في القاهرة هي الأولى من نوعها بعد انتصار المقاومة الفلسطينية في معركة "سيف القدس"، وزخم كبير يلفّ تشكيلة وفد قيادي رفيع المستوى من حركة "حماس" وصل إلى القاهرة لأوّل مرة منذ فترة، يضمّ رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية ورؤساء الأقاليم الثلاثة صالح العاروري ويحيى السنوار وخالد مشعل، وهو ما يعكس أهمية هذه الزيارة وجدواها من حيث الهدف والتوقيت والملفات التي سيناقشها الوفد في القاهرة مع جهاز المخابرات المصرية العامة.
تدلّ تشكيلة الوفد على أنَّ من وصل إلى القاهرة هو اللجنة التنفيذية داخل حركة "حماس"، وهي الهيئة العليا المقررة في القضايا الاستراتيجية والمصيرية داخل الحركة في كلِّ القضايا المهمّة، ما يعني أنَّ القاهرة تريد طرح ملفات جوهرية مع وفد قيادة حركة "حماس"، وتريد ضمان التشاور واتخاذ قرارات مهمة وجريئة تجاه ملفات تنوي القاهرة العمل عليها مع أطراف عدة خلال هذه المرحلة، ومنها حركة "حماس"، باعتبارها تمثل ثقلاً سياسياً وعسكرياً كبيراً في المعادلة الفلسطينية.
دعوة القاهرة لحركة "حماس" جاءت نتيجة توجّهات وتحركات أردنية مصريّة سياسيّة قامت بها القاهرة وعمان منذ فترة وجيزة، بناءً على رغبة أميركية وإدراك بأهمية تثبيت التهدئة وفرض حالة الاستقرار في قطاع غزة والمنطقة بعد المفاجآت التي شهدتها المواجهة العسكرية المسلحة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" منتصف أيار/مايو الماضي. هذه الرغبة نابعة من توجّه أميركي إلى التفرغ لملفات أكثر أهمية، كالملف النووي الإيراني والتحدي القائم مع الصين وملفات أخرى ذات أهمية أكبر لدى إدارة بايدن.
بين قمة شرم الشيخ الثلاثية التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وما تبعها من لقاء الرئيس السيسي مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأميركي للقاهرة قبل أيام، ثمة مؤشر على أنَّ أطرافاً دولية ترغب في ترتيبات جديدة في المنطقة، وتريد التوصل إلى اتفاق مع المقاومة الفلسطينية التي قلبت الموازين وفرضت المعادلات خلال معركة "سيف القدس" الأخيرة، ما يؤكد أنَّ المقاومة اليوم أصبحت لاعباً أساسياً مهماً في المنطقة يصعب تجاوزه، وباتت تجبر أطرافاً على التحدّث معها بعد أن كان يتمنّى القضاء عليها.
ثمة ملفّات مهمّة حاضرة بقوّة في الحوارات الجارية في القاهرة. ووفق ما علمته من مصادر خاصّة، ترغب القاهرة في طرح هدنة طويلة الأمد، تبدأ من 3 إلى 5 سنوات، وتضمن تثبيت الهدوء والاستقرار مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة ومعالجة ملفّ صفقة تبادل الأسرى، إضافةً إلى ملفي الإعمار والمصالحة الفلسطينية، من خلال إحداث مقاربات جوهرية تشكّل مرتكزاً أساسياً ومفتاحاً لكلِّ الملفات بشكل متسلسل.
تشوب هذه الجولة عوامل نجاح وتحديات أخرى ليست سهلة أمام هذا التعقيدات في الملفات المطروحة وارتهانها ما بين توجهات ورغبة أميركية ودولية وإدراك بأهمية التوصل إلى مقاربات بين الأطراف والموقف الإسرائيلي الَّذي تخضع كلّ قرارات حكومته لحسابات الائتلاف الإسرائيلي المتشدّد، الذي يرفض الحديث عن دولة فلسطينية أو دفع ثمن إبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة "حماس" أو أي اتفاقيات من شأنها أن تعطي المقاومة الفلسطينية حلولاً جذرية تجاه ملفي الحصار والإعمار أو حتى الواقع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، جراء استمرار الحصار الإسرائيلي لأكثر من 16 عاماً.
انطلاقاً من الواقع الإنساني الصّعب وانتشار الفقر وارتفاع نسبة البطالة، كأحد أهم العوامل التي تشجّع على تغيير الواقع الصعب في قطاع غزة، مروراً بالرغبة المصرية الكبيرة في تصدّر ملف الإعمار في غزة وأهمية البدء بشكل عملي بهذا الملفّ، وصولاً إلى رغبة حركة "حماس" بإنجاز صفقة تبادل مشرفة مع "إسرائيل" تضمن تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، وتعتبره إنجازاً كبيراً يُسجّل لها بعد الانتصار الكبير في معركة "سيف القدس" والوعود التي أطلقها قائد حركة "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار بإحداث تغيير حقيقيّ في حياة الناس إبان انتهاء معركة "سيف القدس".
تبقى كل السيناريوهات مفتوحة أمام التحديات والحسابات التي ربما تصطدم لحظة الدخول في التفاصيل بين الأطراف.
التحديات كثيرة. وكما تبدو عوامل النجاح قائمةً بنسبة ما، فإنّ عوامل الفشل واردة أيضاً. ولعلَّ أبرز هذه العوامل هو تشكيلة الحكومة الإسرائيلية وحالة التباين الكبيرة الموجودة داخلها، والتي تمنعها من اتخاذ قرارات مصيريّة تجاه ملفات معقّدة، كملفّ التهدئة الطويلة الأمد ودفع استحقاقه، وملف صفقة تبادل الأسرى الَّذي تطالب به "حماس" وتريد الإفراج عن قيادات فلسطينية بارزة من أصحاب الأحكام العالية، كالقائد مروان البرغوثي وأحمد سعدات وحسن سلامة وأسرى سجن جلبوع الستة، والقائمة تطول.
وفق معلومات خاصّة، فإنَّ صفقة تبادل الأسرى بين "حماس" و"إسرائيل" تراوح مكانها، وما زالت الأخيرة متشددة وترفض دفع استحقاق هذه الصفقة بالشّكل الذي تريده الحركة حتى اللحظة، وسط معارضة أطراف كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية لحلّ هذا الملف والمراهنة على خيارات أخرى غير مسار الصفقة.
يمكن أن يتغيّر الموقف الإسرائيليّ أو يتبدّل في أي لحظة، منعاً لاضطراب العلاقات الإسرائيلية والأميركية، وانسجاماً ورضوخاً للموقف الأميركي الذي يرغب في فرض تسويات جديدة في المنطقة تضمن حالة الهدوء والاستقرار كمدخل لفرض ما يسمى بـ"السلام الاقتصادي"، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مؤخراً، أو كما يعرف بــ "الأمن مقابل الاقتصاد"، لكن يبقى هذا الخيار غير مضمون البتة، وسط حالة التباينات والتجاذبات داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ثمة تحدٍ خطير يمكن أن يفجّر المفاوضات المرتقبة في القاهرة في أيّ لحظة، وهو يتعلّق باشتراط "إسرائيل" كثمن للتهدئة الطويلة الأمد عدم قيام حركة "حماس" بتطوير قدراتها العسكرية وتعزيزها خلال فترة التهدئة، وهو ما رفضته سابقاً وسترفضه الآن، وفق مصادر قيادية مطلعة، باعتبارها إملاءات إسرائيلية مرفوضة لن تقبل بها المقاومة بأيِّ حال من الأحوال.
الاشتراطات الدولية بوجود السلطة الفلسطينية في قطاع غزة كشرط لبدء ضخّ المساعدات وبدء الإعمار الفعلي تعدّ من أهم التحديات التي تواجه جولة المفاوضات الحالية، في ظل تعثر جهود المصالحة الفلسطينية وإصرار حركة "حماس على أن تكون المصالحة قائمة على مبدأ الشراكة وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني وإجراء انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية وإجراء انتخابات المجلس الوطني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما رفضته حركة "فتح" على مدار سنوات، إذ إنها تمانع بشكل قاطع دخول حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما يعد عائقاً رئيسياً أمام ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإتمام المصالحة الفلسطينية.
ثمة تفاصيل كثيرة تكمن في الملفات المطروحة في القاهرة، ومتغيّرات أخرى قد تحدث بين حين وآخر، وثمة رهان ليس كبيراً على أن تُحدث هذه الجولة اختراقاً جوهرياً في أحد الملفات المطروحة على طاولة الحوار، وهو ما يجعل فرص النجاح قائمة، لكن بنسبة محدودة، وحسابات الفشل حاضرة أمام مصالح أطراف وحسابات أطراف أخرى.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.