تصنيف أستراليا لحزب الله منظمة "إرهابية".. أيّ دلالات؟
صَنّفت وزارة الداخلية الأسترالية حزب الله اللبناني، بجناحيه السياسي والعسكري، منظمة "إرهابية"، بعد أيام قليلة من تصنيف وزيرة الداخلية البريطانية حركةَ "حماس" منظمة "إرهابية". لقي هذان القراران ترحيباً إسرائيلياً رفيعاً، من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لبيد. ويأتي هذان القراران في خطوة تنسجم مع موقفَي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتلبيةً لمطالب إسرائيلية منهما.
وكما أعلن وزير خارجية الاحتلال يائير لبيد، أنه هو من طلب من وزيرة الداخلية البريطانية تصنيفَ حركة "حماس" منظمة "إرهابية"، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن رئيس وزراء حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت، التقى رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسون على هامش قمة غلاسكو للمناخ في إسكتلندا، في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وطلب منه رسمياً تصنيف حزب الله اللبناني، بشقيه السياسي والعسكري، منظمة "إرهابية".
هذان التصنيفان، البريطاني والأسترالي، لحزب الله و"حماس" منظمتين "إرهابيتين"، في توقيته ودلالاته وانعكاساته، لم يأتِيا عبثاً، وإنما جاءا نتيجة نشاط إسرائيلي تحريضي على كل من إيران وحزب الله وحركة "حماس"، على وجه الخصوص، كجزء أساسي من محور المقاومة. الاعتبارات سياسية، أكثر من أي اعتبارات أخرى، وتأتي في سياق متواصل من محاولات الضغط الغربي على كل حركات المقاومة الإسلامية، سواء في لبنان أو فلسطين. وقراءة الحدث تأتي في سياق الانحياز المطلق إلى الاحتلال، والارتهان والخضوع للإملاءات الإسرائيلية والأميركية.
لقراءة الدلالات والانعكاسات لمثل هذا القرار الذي استهدف حزب الله، من الضروري التذكير بأن المقاومة الإسلامية في لبنان وُجدت لتدافع عن أرضها وعرضها، وأن حزب الله يشكّل قاعدة عريضة داخل المجتمع اللبناني، ويتقلّد مقاعد في البرلمان والحكومة اللبنانيَّين أيضاً. ثمّ علينا أن نعرّف مفهوم الإرهاب، الذي أصبح منهجية متصاعدة لدى بعض الدول الأوروبية، وتستخدمه في نصب حالة العداء الواضح لحركات المقاومة في المنطقة، سواء في لبنان أو حتى في فلسطين.
والإرهاب هو مجموعة من الأعمال تقوم بها منظّمة بقصد الإخلال بأمن دولة ما، من أجل تحقيق أهداف سياسية أو خاصة، أو محاولة قلب أنظمة الحكومة داخل هذه الدولة أو تلك. وبالتالي، فإنّ هذا المفهوم الصحيح للإرهاب يتعارض، جملةً وتفصيلاً، مع السلوك العملي للمقاومة الإسلامية في لبنان، أو حتى في فلسطين، والتي وُجدت من أجل غرض الدفاع عن مصالح شعوبها وممارسة المقاومة في ردع الاحتلال الإسرائيلي. وهذا حقّ كفلته كل القوانين والشرائع الدولية للشعوب في المنطقة.
هذا التصيف الذي استهدف حزب الله لن يتوقّف عند أستراليا، وربما ينسحب على دول أخرى، يمكن أن تُقْدِم على تكرار مثل هذه الخطيئة، وسبق أن فعلتها ألمانيا ودول أخرى، بينها بلدان عربية، من ذي قبل. وإصدار تلك الدول، التي تدور في الرَّكْب الأميركيّ، هذا التنصيفَ لحزب الله في هذا التوقيت، تمكن قراءته في سياق عدة دلالات:
- فقدت الولايات المتحدة بعضاً من أوراقها العسكرية في المنطقة، وعلى مستوى العالم مؤخراً، ولاسيما في أفغانستان. ولجوؤُها إلى دعم هذه القرارات يأتي للتعويض عن أوراق أخرى سياسية ودبلوماسية واقتصادية، من أجل تجميل مكانتها والمحافظة على ما تبقّى من صورتها أمام العالم ودول المنطقة.
- هذا القرار يهدف إلى ضرب البيئة اللبنانية الحاضنة للمقاومة الإسلامية ومحاولة وصمها بالإرهاب. ولسنا بعيدين عن حالة الاستهداف الواضحة والضغط المستمر على حزب الله، داخلياً وخارجياً، طوال الفترة الماضية، والتي تهدف إلى ضرب مقوّمات الصمود داخل لبنان، لتصبح هذه الاستراتيجية واقعاً يحقّق أهداف "إسرائيل" والولايات المتحدة، بصورة أساسية.
- من الواضح أن هناك جهداً أميركياً إسرائيلياً ممنهَجاً يستهدف مشروع المقاومة ككل في المنطقة، ليس على صعيد المقاومة الإسلامية اللبنانية أو في فلسطين فحسب، وإنما أيضاً على صعيد حصار مشروع المقاومة، بشموليته، في الدول العربية، والمعروف أن طهران هي التي تقوده.
- قرار التصنيف يأتي ورقةَ ضغط مقصودة من واشنطن، عبر استخدام دول بعينها أدواتٍ لا تمتلك قرارها المستقل، من أجل تحقيق أهداف أميركية، والعمل على حشر المقاومة الإسلامية اللبنانية في الزاوية، عبر بوابة الورقة الاقتصادية بهدف فرض واقع جديد على في لبنان، في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ فترة، بعد صمود البيئة الداخلية اللبنانية.
- من السيناريوهات، التي يمكن قراءتها، أن هذه القرارات المتصاعدة من المتوقع أن تكون تحضيراً لضربات عسكرية أو أمنية موجَّهة، من أجل إحداث حالة اختلال في مشروع المقاومة في المنطقة ككل. ولسنا بعيدين عن التصريحات الإسرائيلية التي وصلت إلى أعلى مستوى تجاه التحريض الدولي على إيران وحزب الله في كل المحافل، على أن يُستخدم هذا الخيار إذا فشلت المفاوضات الإيرانية في فيينا.
تصنيف حزب الله، بذراعيه السياسية والعسكرية، بـ"الإرهاب"، يُعَدّ سقطة جديدة من سقطات الدول الغربية التي تكيل بمكيالين، ويفضح حالة المزاجية في التصنيف من دون معايير عادلة. وهذه التصنيفات تأتي حمايةً للاحتلال، وتكشف حالة التَّبَعية الغربية وسيطرة اللوبي الصهيوني على قرارات دول كثيرة في المنطقة، تحقيقاً لرغبات إسرائيلية خالصة.
على الرَّغم من اتساع رقعة التصنيف لحزب الله ووصمه بـ"الإرهاب"، فإن الحقيقة الجلية، والتي لا بدّ من ذكرها، هي أن حزب الله يشكّل حركة مقاوِمة إسلامية وُجدت من أجل الدفاع عن تراب لبنان وأرضه، وتمكّنت من دحر الاحتلال عن الجنوب اللبناني. كما أنه يُعَدّ أول حزب سجّل انتصاراً عسكرياً للأمة العربية ضد "إسرائيل". وإنّ أي تصنيف من هذا القبيل لن يغيّر هوية حزب الله وأهدافه، ناهيك بمواقفه الأصيلة والداعمة للقضية الفلسطينية بصورة عامة، وللمقاومة الفلسطينية بصفة خاصة، والتي لطالما عبّر عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وخصوصاً عندما قال "لن نتخلّى عن فلسطين، ولا عن شعب فلسطين، ولا عن مقدَّسات الأمة في فلسطين". وهذه المواقف ربما مفقودة عملياً، إلى حدّ كبير، لدى كثير من الدول والأوساط في المنطقة، نظراً إلى ارتفاع فاتورتها.
أمّا التفسيرات الأخرى، والتي يحاول البعض أن يشيطن بها هوية حزب الله، فهي تأتي في سياق تقديم الهدايا المجانية إلى "إسرائيل" ليس إلاّ. فلمحور المقاومة، ككل، هدفٌ واحدٌ ومشروعٌ واضحٌ هما الدفاع عن قضايا المستضعَفين في المنطقة، وطردُ المشروع الإسرائيلي، ونُصرةُ القضية الفلسطينية وقضية القدس، أمام دول غربية متآمرة منساقة وخاضعة للسياسة الصهيونية، وأنظمة عربية لا يوجد لديها أيّ مشروع سوى المتاجرة بالقضية عبر الشعارات والخطب والبيانات الرنانة. وكل الوقائع تؤكد أن إيران وحزب الله هما أكثر من دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وليس من الإنصاف تصنيف حزب الله و"حماس" بـ"الإرهاب"، فالمقاومة وفصائلها وأحزابها، أيّا تكُن، هي حق مشروع، والإرهاب الحقيقي هو "إسرائيل" ومَن يصطفّ في صفها ومَن يساندها، أيّاً يكُن المساند، من دول غربية وعربية.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.