قبل 3 سنە
شرحبيل الغريب
407 قراءة

الجدار الإسرائيلي مع غزة.. تراجع للعقيدة العسكرية.

أعلنت "إسرائيل" انتهاءها من استكمال بناء جدار إسمنتي بطول 65 كيلومتراً على طول الحدود مع قطاع غزة. يتضمن الجدار، وفق تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، 5 عناصر تكمّل بعضها البعض، تبدأ بحاجز تحت الأرض بأجهزة استشعار، وسياج ذكي يزيد ارتفاعه على 6 أمتار، وحاجز بحري يشمل وسائل لكشف التسلّل في البحر، ونظام سلاح يتمّ التحكّم فيه عن بعد، ومجموعة من الرادارات والكاميرات، وغرف القيادة والتحكّم. وقد استغرق بناء هذا الجدار 3 سنوات ونيف. 

ببناء الجدار الخرساني، ومن نظرة إنسانية، تطبّق "إسرائيل" حصارها على أكثر من مليوني فلسطيني في بقعة جغرافية صغيرة تُسمى قطاع غزة، وتتحكّم في كل تفاصيل حياة الفلسطينيين فيها.

ومع إنشاء هذا الجدار، يصبح قطاع غزة أكبر سجن في العالم تحاصره "إسرائيل" من كل الاتجاهات براً وجواً وبحراً، وتجسد فيه أبشع وأقذر واقع أمني جديد مغلّف بغلاف الحصار، ترصد من خلاله عبر الكاميرات والمستشعرات والرادارات حركة الفلسطينيين، بحجة حماية أمنها.

الأهداف الإسرائيلية من بناء الجدار الخرساني مع قطاع غزة بهذه التجهيزات، تكمن في إحكام قبضة الحصار المفروض منذ أكثر من 15 عاماً، بهدف إجبار المقاومة الفلسطينية على نزع السلاح الثقيل، والحد من قدراتها التي أحدثت تغييراً استراتيجياً في موازين القوة خلال معركة "سيف القدس" الأخيرة، بعد أن وصلت صواريخ المقاومة إلى جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأصابت الحياة في كيان الاحتلال الإسرائيلي بشلل تام في كلّ مناحيها، وسجلت المقاومة الفلسطينية انتصاراً لم يكن متوقعاً لدى بعض الأطراف، رغم الفارق الهائل في القدرات العسكرية.

سلاح الأنفاق الذي استخدمته المقاومة الفلسطينية وتفوقت به أيضاً إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في العام 2014 لم يغب عن حسابات المستويات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية خلال تشييد هذا الجدار الخرساني، فقد سجَّلت المقاومة إنجازاً غير مسبوق في استخدام الأنفاق خلال العملية العسكرية البرية التي قامت بها "إسرائيل" خلال 51 يوماً، والتي وجّهت خلالها المقاومة الفلسطينية ضربات أمنية مؤلمة وموجعة لـ"الجيش" الإسرائيلي، عبر تدمير جزء كبير من آلياته العسكرية وتمكّنها من اختطاف جنود إسرائيليين عبر سلاح الأنفاق، ما زالت قضيتهم عالقة حتى اليوم. 

تحاول "إسرائيل"، منذ هزيمتها في معركة "سيف القدس"، ترميم صورتها بأيِّ إنجاز هنا أو هناك، وخصوصاً بعد فشلها الذريع في تحقيق أيٍّ من الأهداف الاستراتيجية التي أعلنتها، كما فشلت في فرض معادلة ردع ثابتة طويلة الأمد تحقق الأمن والأمان للمستوطنين الإسرائيليين. 

التّضخيم الإعلامي الإسرائيلي المقصود وإقامة احتفالية للإعلان عن الانتهاء من إنشاء جدار خرساني على حدود قطاع غزة يهدفان في الأساس إلى بث رسائل الطمأنة الموجّهة إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل عام، ومستوطني ما يسمى غلاف غزة بشكل خاص، أمام تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي بـ"جيشه" وقيادته، ولإدراك المستويات الأمنية الإسرائيلية أن هذه المناطق، في أيّ مواجهة عسكرية قادمة مع قطاع غزة، ستكون محلّ تركيز وبنك أهداف للمقاومة الفلسطينية، إما بالاستهداف وإما بالسيطرة الكاملة على مناطق محتلة، وهو ما تخشاه "إسرائيل" فعلاً. ولا تعدّ المناورات التي أجرتها مؤخراً، والتي تحاكي إخلاء المستوطنات في غلاف غزة بشكل كامل في أيّ مواجهة أو حرب قادمة مع المقاومة الفلسطينية، بعيدة عن ذلك.

إنّ بناء "إسرائيل" الجدار الخرساني والتحصينات العسكرية والتكنولوجية على حدود قطاع غزة يعتبران تراجعاً واضحاً في العقيدة العسكرية والهجومية الاستباقية التي تعتبر أساس العقيدة العسكرية الإسرائيلية والحرص الإسرائيلي على تعزيز الحالة الدفاعية والإحاطة بجدران خرسانية عالية، كما يؤكّد الفشل الإسرائيلي في حسم المواجهة مع المقاومة في العقدين الأخيرين.

الجدار الخرساني لم يلقَ حالة ترحيب كبيرة من أوساط إسرائيلية، نظراً إلى القناعة الراسخة بعدم نجاعته في تحقيق أهدافه وإدراكها بقدرة المقاومة على اختراقه، إضافة إلى الكلفة المالية الباهظة له، والتي بلغت 3.34 مليار شيكل، ناهيك بالخسائر الإسرائيلية الأخيرة خلال معركة "سيف القدس"، والتي بلغت قيمتها جراء استخدام القبة الحديدية أكثر من 250 مليون دولار، والخسائر الاقتصادية التي بلغت قيمتها 7 مليارات شيكل، أي 2.14 مليار دولار، وفقاً لتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية خلال 11 يوماً من المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

حالة الانتقاد الواضحة من مسؤولين إسرائيليين أكّدها العقيد يوسي لنغوسكي الذي شغل حتى العام 2005 منصب مستشار قائد الأركان لشؤون الأنفاق، والذي قلل من تأثير السور الذي تم تشييده حول قطاع غزة ومدى تأثيره في الأنفاق الهجومية القادمة منه، والذي قال بشكل واضح: "سيكون بالإمكان تجاوز هذا العائق. الحواجز الأرضية ليست ناجعة إلا لفترة محدودة". الاعترافات الإسرائيلية لم تتوقف عند تصريحات لنغوسكي، إذ قال وزير الأمن الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، إن هناك أشياء لن يكون ثمة حل للقضاء عليها. 

ممارسة الدعاية والتضخيم تهدف إلى بث روح الإحباط لدى المقاومة بالتردد أو التوقف عن استكمال حفر سلاح الأنفاق أو تطويره، والذي تعتبره سلاحاً استراتيجياً في أي مواجهة عسكرية برية محتملة مع "إسرائيل".

تجاوزت المقاومة الفلسطينية عبر سلاح الأنفاق الكثير من الصعوبات، وأظهرت نجاحها في أنها قادرة على تجاوز العقبات والتكيف مع أي ظروف يفرضها الاحتلال الإسرائيلي في أي مواجهة عسكرية أو ميدانية، ما أوجد حالة قناعة لدى المقاومة بالقدرة على تجاوز الصعاب وإيجاد البدائل التي تستطيع فيها تجاوز أي وقائع أمنية أو ميدانية تفرضها "إسرائيل" على الأرض، ونموذج القبة الحديدة التي تفاخرت به "إسرائيل"، وقالت إنها قادرة على صد أكثر من 90% من صواريخ المقاومة ليس عنا ببعيد، إذ تفاخرت قبل سنوات بتصنيع القبة الحديدية كإحدى أهمّ الصناعات التي ستتغلب على صواريخ المقاومة الفلسطينية، إلا أنّ المواجهات العسكرية التي دارت في السنوات الأخيرة، ولا سيما في معركة "سيف القدس" الأخيرة، أثبتت فشل منظومة القبة الحديدة في التصدي لصواريخ المقاومة التي ضربت "تل أبيت" وضواحي القدس المحتلة وغيرها من المناطق. في المقابل، نجحت المقاومة الفلسطينية في تجاوز القبة الحديدية، واستمرت صواريخها بالتطور، حتى أصبحت تطال وتضرب كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

ما يحدث هو جزء من حرب العقول الدائرة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل". ويدلّ عدم إظهار المقاومة أي نوع من أنواع الخوف والارتباك على أنها ماضية قدماً في تطوير منظومتها العسكرية وتعزيزها، آخذة في الاعتبار كيفية إثبات فشل هذا الجدار، بعيداً عن الاستسلام لسياسة الأمر الواقع التي تفرضها "إسرائيل". 

في تقديري، ما جرى إعلانه إعلامياً من الانتهاء من بناء جدار خرساني ليس إلا مجرد خديعة يسوقها قادة "الجيش" الإسرائيلي لمستوطنيه بعد إخفاقاته الأمنية الكبيرة وتراجع المنظومة والعقيدة الأمنية وضعفها وانتقالها من مربع الهجوم إلى مربع الدفاع، وستثبت الأيام القادمة قدرة المقاومة على اختراق هذا الجدار وتجاوزه.

كما أن المهم أمام هذا المشهد الأمني الجديد، أن المقاومة في تكتيكاتها لن تتوقف عند سلاح الأنفاق وحده، ومثل هذا الجدار لن يثني المقاومة عن مواصلة طريق الإعداد والتطوير، ولن يستطيع وقف إطلاق الصواريخ التي ضربت العمق الإسرائيلي وشلّت أركانه أو الوسائل القتالية الأخرى التي باتت بحوزة المقاومة، والتي زوّدت بها إيران وحزب الله اللبناني المقاومة الفلسطينية مؤخراً، كسلاح "الكورنيت" والمسيّرات المفخّخة التي تعد سلاحاً ناجعاً في تجاوز هذا الجدار وضرب الأهداف الإسرائيلية بكل دقة. 

النّتيجة الحتميّة بعد مشهد تشييد الجدار الخرساني الإسرائيلي مع قطاع غزة أنَّه لن يستطيع توفير الأمن أو الاستقرار للمستوطنين، كما أنَّ كلّ محاولات خنق قطاع غزة وتحويله إلى سجن كبير ستفشل أمام عقول المقاومة وقدراتها، والتي لن يمنعها أحد من الوصول إلى تحقيق أهدافها، وسنسمع يوماً أنَّ المقاومة حوَّلت الجدار الخرساني إلى جدار كرتوني، كما فعلت مع القبة الحديدية، التي أصبحت قبة كرتونية أمام عقول المقاومة وصواريخها التي نجحت في تجاوز رادارات منظومة القبة الحديدة الإسرائيلية.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP