فلسفة الضم الصهيونية وسبل المواجهة الفلسطينية
الخلاف الحقيقي القائم بين أركان الائتلاف الحكومي في "إسرائيل" على عملية الضم، يتركز في الطريقة والآليات، والجداول الزمنية لتنفيذ عملية الضم لا في جوهر فكرة الضم.
تسارُع قضية سرقة الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والأغوار بما يسمى "مخطط الضم"، يتطلب من الجميع التفكير في سبل المواجهة أكثر مما يدفعنا إلى ملاحقة وتتبع الأخبار الصادرة عن الحكومة الصهيونية وداعمتها الكبرى الولايات المتحدة، لكي ندخل كفلسطينيين وأمة عربية وإسلامية إلى دائرة الفعل وتسلّم زمام المبادرة وعدم الاكتفاء بمشهد المتفرج، أو على الأقل كي لا نتحول إلى ردّ فعل يحدد حجمه واتجاهه الفعل الصهيوأميركي.
الوصول إلى أفضل سبل المواجهة لمشروع الضم الصهيوني، يتطلب منا إدراك طبيعة الصراع، والفلسفة التي تنطلق منها الحركة الصهيونية في عملية توسعها على حساب الأرض الفلسطينية والعربية.
تأسست الحركة الصهيونية على مرتكز رئيسي مركزي، يعتبر بوصلة السلوك السياسي الصهيوني على مدار تاريخ الحركة الصهيونية منذ البدايات حتى وقتنا الحالي.
تنطلق الحركة الصهيونية من مبدأ "سموّ" اليهود على بقية الجنس البشري (شعب الله المختار)، الأمر الذي جعل المؤسسين للفكر الصهيوني يختطفون الأفكار القومية التي ظهرت في أوروبا في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وإسقاطها عنوةً على أوضاع اليهود، ساعين إلى تحويلهم من أتباع دين من شعوب مختلفة ومن جغرافيات متباعدة ومن أجناس مختلفة وخلفيات تاريخية متعددة، إلى شعب من عرق واحد ذي قومية واحدة وتاريخ موحد.
وعندما بحثوا عن الرابط لم يجدوا أي رابط حقيقي بين هذه الجماعات المختلفة والمشتتة إلا إن يستخدموا عنصر الدين اليهودي، ليحوّلوا اليهودية من عنصر لاهوتي إلى رابط قومي عرقي، رغم أن الغالبية العظمى من مؤسّسي الحركة الصهيونية كانوا علمانيين، فبات اليهود في كل الجغرافيات ومن كل الأجناس شعباً واحداً بالمفهوم القومي على غرار النازية والفاشية وغيرهما من الحركات القومية المتطرفة، بل أكثر من ذلك، شعباً مختاراً بقرار إلهي.
الأخطر في الموضوع أنه عندما خرجت الفكرة الصهيونية من الإطار النظري إلى الإطار العملي التنفيذي، من خلال ثيودور هرتزل، مؤسّس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب "دولة اليهود"، بات البحث عن دولة قومية لليهود، يمارس فيها هذا الشعب المزوّر حقه في تقرير مصيره، هدفاً استراتيجياً للحركة الصهيونية، دولة يتجمع كل اليهود فيها، وحق المواطنة في تلك الدولة مرتبط بشكل جذري بالقومية اليهودية التي تزعم أن كل اليهود في العالم يربطهم رباط الدم (نقاوة العرق)، رافضين بالمطلق مفهوم المواطنة المبني على الارتباط بالأرض (السكان الأصليين)، لأنه بذلك تصبح "إسرائيل" دولة الفلسطيني كما هي دولة اليهودي، وهذا يتنافى مع الهدف الأساسي من وراء إنشاء الدولة في الفكر الصهيوني. لذا الحديث عن أي شكل من أشكال الدولة لا يحافظ على يهودية الدولة على غرار دولة ثنائية القومية، تعتبره الحركة الصهيونية قاطبة تهديداً وجودياً للفكرة الصهيونية، وهنا مكمن الخوف الصهيوني ممّا يسمى القنبلة الديموغرافية الفلسطينية.
ممّا سبق، ندرك أن طبيعة الخلاف الحقيقي القائم بين أركان الائتلاف الحكومي في "إسرائيل" على عملية الضم، تتركز في الطريقة والآليات، والجداول الزمنية لتنفيذ عملية الضم لا في جوهر فكرة الضم.
بني غانتس شريك نتنياهو في الائتلاف ووزير الحرب، عندما يضع شرطاً أنه سيوافق على عملية الضم إذا ضمنت العملية ضم الأرض من دون سكانها الفلسطينيين، يدرك خطر تنامي القنبلة الديموغرافية الفلسطينية داخل دولة الاحتلال، وتأثيرات ذلك المستقبلية على صبغة الدولة وطبيعتها، وأكبر مؤشر على هذا تنامي قوة "القائمة المشتركة" في انتخابات الكنيست الاخيرة، إلى درجة أنها كادت هي من يحدد رئيس الحكومة وشكل الائتلاف الحاكم في "إسرائيل"، الأمر الذي اعتبرته مراكز البحث والتفكير تهديداً مباشراً ليهودية الدولة، جوهر الفكر الصهيوني.
على المقلب الآخر من الخارطة السياسية الإسرائيلية، اليمين الاستيطاني الديني المولع بالشعارات التوراتية وأساطير التلمود، والباحث عن عودة ما يسمى "يهودا والسامرة"، منتهزاً فرصة وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، مدرك لمخاطر ضم ما يراوح بين خمسين ألفاً ومئة ألف فلسطيني جديد في "إسرائيل"، لكنه تحت وطأة الشعارات الدينية الاستيطانية مستعد لتحمل المخاطرة، لكنه يعتقد أن المخاطرة مؤقتة، إذ منذ عام ٢٠١٧م قدم بتسلئيل سيموترتش أهم قادة الاستيطان الديني خطة أطلق عليها اسم الترانسفير الطوعي للفلسطينيين من الضفة ومن داخل أراضي فلسطين التاريخية. بمعنى آخر، إن فكرة ترحيل الفلسطيني ونزعه من أرضه ما زالت قائمة في العقل الصهيوني حتى ولو بعد ٧٢ عاماً من النكبة الفلسطينية.
من هنا ندرك أن تعزيز الوجود الفلسطيني على أرضه، ومساعدته في التشبث بأراضي الأغوار والضفة الغربية، والعمل على زيادة تعداده السكاني في تلك المناطق التي تنوي "إسرائيل" سرقتها، والعمل على ربط الفلسطيني بأرضه، من أهم الخيارات ذات الجدوى في مواجهة مخطط الضم الصهيو أميركي تجاه الأرض الفلسطينية في الأغوار والضفة الغربية، وفي الوقت ذاته ينسجم مع الكفاح الفلسطيني الشامل في معركته لتحرير كامل التراب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً