اختراق المجتمع الإسرائيليّ من خلال المقاومة.
عقدت قيادة السلطة الفلسطينية في الآونة الأخيرة عدداً من اللقاءات مع وفود إسرائيلية، كان أكثرها رسميةً اللقاء الذي جمع وزير الحرب بيني غانتس ورئيس السلطة محمود عباس- أبو مازن.
ويبدو أنَّ السلطة تهدف من خلال هذه اللقاءات إلى دفع الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا" الاستيطاني الديني، نحو العودة إلى مسار التفاوض من جديد، من خلال تشكيل رأي عام إسرائيلي ضاغط تجاه "حل الدولتين"، وتجنيد المجتمع الدولي، وخصوصاً الأميركي، في سبيل إجبار الحكومة الإسرائيلية على العودة إلى مسار التسوية.
وفي السياق ذاته، شكَّلت منظمة التحرير الفلسطينية لجنة التواصل مع "المجتمع" الإسرائيلي الناشئة منذ عام 2012، من أجل تجييش رأي عام شعبي إسرائيلي داعم لـ"حلِّ الدولتين".
ورغم عشرات اللقاءات التي أجرتها تلك اللجنة مع شخصيات ونشطاء إسرائيليين ووزراء سابقين، فإنَّ الخارطة السياسية الإسرائيلية مستمرة في الانزياح تجاه اليمين الإسرائيلي المتطرف بشكل غير مسبوق، وتشكّل شبه إجماع بين الأطياف السياسية الصهيونية على رفض حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر، الأمر الذي أوجد حاضنة شعبية إسرائيلية لرفض نفتالي بينيت مجرد فكرة لقاء الرئيس أبو مازن أو التحدث معه.
أيضاً، من بقي يرفع شعار "حلّ الدولتين" من المؤثرين في السياسة الإسرائيلية، بات يعلن صراحة أن الظروف غير مهيأة لتحقيق هذا الحل، وأنه يجب البحث عن حلول أخرى بعيداً عنه، مثل "الأمن مقابل السلام"، كما تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، الأمر الذي يطرح تساؤلات كبيرة حول جدوى لقاءات السلطة مع الإسرائيليين، وهل حقاً يمكنها إحداث حالة اختراق في الموقف الإسرائيلي تجاه "حل الدولتين" وإقامة الدولة الفلسطينية، ولو على حدود العام 1967!؟
يعتبر استنهاض الحالة الفلسطينية، وفي مقدمتها الاتفاق على استراتيجية تفعيل العمل المقاوم المؤثر في الحياة اليومية للمستوطن الإسرائيلي، أولى الخطوات تجاه التأثير في المجتمع الإسرائيلي. وهنا، المطلوب تجنيد كلّ أدوات القوة الفلسطينية ضمن تلك الاستراتيجية.
ترتكز استراتيجيَّة التأثير من خلال المقاومة على أنَّ العقل الإسرائيلي عقل تجاري بامتياز، تقوده معادلة الربح والخسارة. لذلك، من دون أن يشعر الإسرائيلي بأنَّه يدفع ثمناً باهظاً جراء بقاء الاحتلال يفوق المردود العائد عليه منه، فإن المجتمع الإسرائيلي لن يضغط على صنّاع القرار في كيانه من أجل إزالة هذا الاحتلال.
يعتبر الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 من أهم الأمثلة على قدرة الفعل المقاوم على التأثير في "المجتمع" الإسرائيلي تجاه الضغط على حكومته لاتخاذ قرار إنهاء احتلال أرض عربية محتلّة، إذ أحدثت عمليات المقاومة اللبنانية التي تسبّبت بقتل عدد كبير من جنود "الجيش" الإسرائيلي صدمة لدى أمهات هؤلاء الجنود، واللاتي بدأن يطرحن سؤالاً مركزياً: هل بقاء "الجيش" الإسرائيلي في جنوب لبنان يستحقّ دفع هذا الثمن من أرواح أبنائهنّ؟ وما جدوى احتلال "الجيش" الإسرائيلي جنوب لبنان مقابل تلك الخسائر الكبيرة في أرواح جنوده؟
تجلّى تأثير المقاومة اللبنانيّة في المجتمع الإسرائيلي في تأسيس حركة "الأمهات الأربع" في "إسرائيل" بعد سقوط الطائرتين المروحيتين الإسرائيليتين في العام 1997، واللتين تسبّبتا بمقتل 74 جندياً من "جيش" الاحتلال.
هذه الحركة التي شكّلت حالة شعبية ضاغطة، استطاعت وضع قضية الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في أولى سلّم أجندات الشارع الإسرائيلي، الأمر الذي صنع ضغطاً كبيراً ومستمراً على متخذي القرار في "إسرائيل" من أجل انسحابها الأحادي الجانب من جنوب لبنان، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 425، الداعي إلى الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية.
في ظلِّ هذه الحالة الشعبية الإسرائيلية الداعمة للانسحاب من لبنان، كان من السَّهل على إيهود باراك، المرشح لانتخابات رئاسة الحكومة في العام 1999، أن يتبنى ذلك، ويتعهّد بتنفيذ الانسحاب خلال العام الأول من فترة ولايته، الأمر الذي اعتبره المراقبون السبب الرئيس بفوزه في تلك الانتخابات.
في المحصّلة، إنَّ التواصل مع "المجتمع" الإسرائيلي هو استراتيجيَّة غير مجدية. على العكس من ذلك، إنَّ حالة استجداء السّلطة الفلسطينية التواصلَ مع المجتمع الإسرائيلي تساهم في تكريس حالة الغطرسة اليمينية الإسرائيلية تجاه حقوق الشعب الفلسطيني.
لذلك، ليس مطلوباً من السلطة الفلسطينية ومنظَّمة التحرير الفلسطينية التواصل مع "المجتمع" الإسرائيلي، بل السعي للتأثير فيه، من خلال استراتيجية فلسطينية مقاومة تجعل كلفة استمرار بقاء الاحتلال على المجتمع الإسرائيلي أكبر بكثير من إنهائه.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.