حظر "الأونروا" والخطة الإسرائيلية لليوم التالي للحرب
قانون حظر التعامل والتواصل من أي جهة إسرائيلية مع "الأونروا"، يشير بشكل مباشر إلى توجهات "إسرائيل" لليوم التالي من الحرب، بل يعدّ حظر "الأونروا" جزءاً من خطة "إسرائيل" لليوم التالي للحرب.
أبلغت "إسرائيل" بشكل رسمي منظمة الأمم المتحدة قطع علاقتها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأراضي المحتلة عام1967 بما فيها القدس الشرقية، ومنع أي جهة إسرائيلية رسمية وغير رسمية التعامل معها. وكانت تأسست العلاقة بين "إسرائيل" و"الأونروا" بناء على اتفاقية تم توقيعها بين الطرفين عام1967، ومثلت القاعدة القانونية للعلاقة بين الطرفين، كل ذلك بعد أن أقرت الكنيست الإسرائيلية بأغلبية 92 صوتاً قانون قطع العلاقة مع "الأونروا"، والحديث عن خطوة قادمة وهي إعلان "الأونروا" منظمة خارجة عن القانون في "إسرائيل".
فيما يطالب بعض من الإسرائيليين سكرتير عام الأمم المتحدة رفع الحصانة القضائية الممنوحة لـ"الأونروا" كإحدى منظمات الأمم المتحدة من أجل رفع قضايا من مستوطنين إسرائيليين ضدها في المحاكم الأميركية، حيث صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، "إسرائيل كاتس" أن: " الأونروا مؤسسة شارك موظفوها في عملية السابع من أكتوبر، وأن كثيرين منهم ناشطون تابعون لحركة حماس، وأن الأونروا جزء من الأزمة في غزة وليس جزءاً من الحل."، متجاهلاً عمداً أن لدى الأونروا 13 ألف موظف في الضفة وغزة، وأنها كمؤسسة دولية تستهدف إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ليس من صلاحياتها ولا حتى بمقدرتها أن تفحص التوجهات السياسية للمستفيدين من خدماتها، بمن فيهم موظفوها.
من الواضح، أن "إسرائيل" تحاول تبرير هجمتها الشرسة ضد "الأونروا" بالأسباب الأمنية، مستفيدة من الظرف الحالي، والدعم الأميركي والبعض الغربي اللامتناهي على إثر عملية السابع من أكتوبر، ولكن الجميع يدرك أن ذلك ما هو إلا ستار من الدعاية الصهيونية لإخفاء الحقيقة الأساسية من وراء استهداف "الأونروا".
المشكلة الأساسية أنه منذ تأسيس هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين للأمم المتحدة (الأونروا) من خلال قرار 302 للجمعية العامة للأمم المتحدة،في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام1949، تحاول "إسرائيل" أن تجعل مهمة "الأونروا" الأساسية تذويب اللاجئين الفلسطينيين داخل دول اللجوء، كمواطنين في تلك الدول، وبالتالي يذوب الشعب الفلسطيني كشعب صاحب قضية وطنية مرتبطة بحقه في تقرير مصيره على أرضه فلسطين، التي هجر منها بالقوة الغاشمة الصهيونية وحقه في العودة إليها حسب قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة 194.
لذلك، رأى كل من "كوبي ميخال" و"حطوالي ردوتشيتسكي" بدراستهما البحثية المعنونة "سبعون عاماً على الأونروا وقت التصحيح الهيكلي والصلاحيات"، والتي نشرها معهد الأمن القومي الإسرائيلي عام 2020، أن الفشل الأساسي للأونروا بعد سبعين عاماً من تأسيسها أن "أعمالها لم تؤد إلى ترميم وضع اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء وضع اللجوء ودمجهم داخل الدول المضيفة والسلطة الفلسطينية كمواطنين متساويي الحقوق في تلك الدول" بمعنى أكثر وضوحاً كان مطلوباً من "الأونروا" إسرائيلياً إلغاء اللجوء الفلسطيني وحق الع، العمود الفقري للقضية الفلسطينية.
الجدير ذكره، أن قانون حظر التعامل والتواصل من أي جهة إسرائيلية مع "الأونروا"، يشير بشكل مباشر إلى توجهات "إسرائيل" لليوم التالي من الحرب، بل يعدّ حظر "الأونروا" جزءاً من خطة "إسرائيل" لليوم التالي للحرب، فـ"إسرائيل" تسعى ألا يكون هناك أي مظهر سياسي موحد للفلسطينيين داخل الضفة وغزة معترف به دولياً، من خلال تدمير أي حكم فلسطيني يشمل تحت سلطاته الضفة وغزة، لذلك لم تكتف "إسرائيل" بمحاولة تدمير حكومة حماس بغزة، ولكنها تمنع عودة السلطة الفلسطينية للحكم في غزة أيضاً، لوأد مجرد الحديث عن إقامة دولة فلسطينية على حدود عام1967، الفكرة التي انطلقت من أجلها عملية التسوية عام 1993، بالإضافة إلى إنهاء عمل "الأونرو"ا كجسم جامع يقدم الخدمات الإغاثية للاجئين الفلسطينيين، وتفكيكه، بل واستبداله بمجموعة من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية، التي تسهل تحويل أزمة اللاجئين الفلسطينيين من أزمة سياسية لشعب تحت الاحتلال ذات تداعيات إغاثية إنسانية، إلى أزمة توفير مقومات الحياة اليومية لأشخاص يعيشون في مناطق تشهد حروباً، من دون أي بعد سياسي جامع.
لذلك، أشار وزير الخارجية الإسرائيلي كاتس إلى ذلك بشكل مباشر أن 13% فقط من المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى المدخلة إلى غزة تمر عبر "الأونروا"، والبقية تدخل عبر منظمات دولية أخرى، أي أن هناك بدائل عن "الأونروا"، وكأن اليوم التالي للحرب بالنسبة إلى "إسرائيل" يسعى ليس لاحتلال قطاع غزة وحسب، بل لشطب قضية اللاجئين، وإزالة العقبات أمام ضم الضفة الغربية، وتهجير سكان غزة، وجعل مؤسسات المجتمع الدولي تدفع فاتورة الاحتلال الإسرائيلي لمن تبقى من فلسطينيين في غزة والضفة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً