زيارة نتنياهو للسّعودية.. الحقيقة من وراء الدراما
لم تغب الدّراما التشويقيّة عن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مدينة الأحلام السّعودية "نيوم" على ساحل البحر الأحمر، ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحضور وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، ولم يقتصر التشويق على الإجراءات المشددة التي قام بها نتنياهو للحفاظ على سرية الزيارة، حتى إنه تخطّى الكثير من البروتوكولات الأمنية والعسكرية المتبعة في "إسرائيل"، بدليل أنه تم إخفاء الزيارة عن رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، الذي لم يعلم عنها إلا من خلال الإعلام، بل إنَّ الإثارة ازدادت أكثر ما بعد الزيارة، فرغم كلّ السرية التي واكبتها، تم تسريبها إلى وسائل الإعلام، الأمر الذي اعتبره وزير الحرب ورئيس الوزراء البديل بيني غانتس "خطوة عديمة المسؤولية"، في تلميح غير مباشر إلى أنَّ نتنياهو يقف وراء التسريب.
تدفعنا الدراما التشويقية التي واكبت زيارة نتنياهو للسعودية إلى البحث عن أهدافه الحقيقية من وراء تلك الدراما.
الزيارة بحد ذاتها ليست مثيرة، لكونها ليست الأولى من نوعها التي يزور نتنياهو خلالها السعودية، ولم يكن اللقاء الأول الذي يجمع نتنياهو بولي العهد السعودي، كما كشف الإعلام الإسرائيلي، ناهيك بأن الحديث عن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية بات صفقة منتهية بعد سنوات طويلة من التنسيق السري بينهما، وما تبقى فقط هو مسألة توقيت إعلان اتفاق التطبيع بين البلدين. ومن الواضح أنَّ عملية الإعلان لم تنضج بعد بشكل كافٍ، بانتظار التوقيت المناسب للإعلان الرسمي.
أما ما تداوله الإعلام الإسرائيلي من أنَّ الزيارة ناقشت تنسيق الجهود الإسرائيلية السعودية للضغط على إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في موضوع عدم العودة إلى الاتفاق النووي الإيرانيّ وأخذ مخاوف حلفاء أميركا في المنطقة بالاعتبار، فهو، في اعتقادنا، جزء من الحقيقة، وليس الحقيقة كاملة، فالتحالف السعودي الإسرائيلي ليس خفياً على الولايات المتحدة الأميركية؛ الدّولة الراعية له.
يعاني نتنياهو أزمة داخلية كبيرة داخل الائتلاف الحكومي مع شريكه بيني غانتس، الذي شكَّل لجنة تحقيق في صفقة شراء الغواصات من شركة ألمانية. وتدلّ الإشارات على إمكانية تورط نتنياهو في قضايا فساد فيها. لذلك، اعتبر هذه الخطوة بمثابة تخطّي الخطوط الحمراء من بيني غانتس، ولذلك أيضاً يحتاج إلى حرف انتباه الرأي العام الإسرائيلي باتجاهات أكثر تشويقاً.
إبعاد الجيش والحكومة عن الزيارة يشير إلى أن هناك خطة مدروسة من قبل نتنياهو تهدف إلى حصر استثمار تلك الزيارة سياسياً في شخص نتنياهو وحده، وإظهاره أنه السياسي الأوحد في "إسرائيل" القادر على الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي في كلّ الظروف، مستغلاً المشروع النووي الإيراني الذي يصنف أنه التهديد الوجودي الوحيد لـ"إسرائيل".
يدرك نتنياهو أنَّ زمن الهدايا الانتخابية ولّى مع خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض. لذلك، يسعى إلى استثمار مخاوف ولي العهد السعودي من مواقف الإدارة الأميركية القادمة منه، في الوقت الذي يسعى إلى وراثة عرش المملكة، فكلّ الإشارات الصادرة عن إدارة بايدن تشير إلى أن عهد العلاقات الحميمية بين محمد بن سلمان وساكن البيت الأبيض ستنتهي في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل، لأن الإدارة الجديدة للبيت الأبيض لديها الكثير من الملاحظات على شخصية ولي العهد السعودي، وخصوصاً في ملف انتهاك حقوق الإنسان أثناء حرب اليمن، إضافة إلى فضيحة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
يسعى نتنياهو إلى عقد صفقة مع ولي العهد السعودي الباحث عن الحماية من قبل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، والساعي إلى تحسين صورته أمام إدارة جو بايدن، مقابل منح ولي العهد السعودي موافقته التامة على وحدة حال مع الموقف الإسرائيلي من الموضوع الإيراني، الأمر الذي يخدم نتنياهو لإعادة تموضعه السياسي أمام إدارة بايدن، ليس كرئيس وزراء "إسرائيل" فقط، بل كقائد لمحور حلفاء أميركا في المنطقة، الأمر الّذي يعزّز مكانته السياسية في الداخل الإسرائيلي، وخصوصاً في حال تبنّي الرئيس المنتخب المطالب الإسرائيلية في حال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وأهمها أن يتضمن الاتفاق وضع حدّ لتعاظم قدرات محور المقاومة في المنطقة، وخصوصاً مشروع الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله، إضافة إلى قضية التمركز الإيراني في سوريا.
بمعنى آخر، يطالب نتنياهو بفرض معادلة أميركيّة على إيران في الاتفاق الجديد، مفادها رفع العقوبات مقابل سلاح محور المقاومة وانكفائه جغرافياً، إضافة إلى إيقاف المشروع النووي الذي ينصّ عليه الاتفاق السابق، الأمر الذي سيشكّل نجاحاً مضموناً لنتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة التي باتت تلوح في الأفق، وهو ما تطلَّب تسريب أخبار الزيارة، ولو كان الثمن إحراج ولي العهد السعودي.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً