إسرائيل" والإمارات.. المشهد الأوّل في مسرحيّة "المستخبي بان"
مخرج العمل وصاحب الرؤية الإخراجية للمسرحية من وراء الكواليس، الذي أشرف على ترتيب فصولها وتنسيق مشاهد السيناريو، هو رئيس الموساد يوسي كوهن.
تمّ بدء عرض مسرحية "المستخبي بان" الهزلية على خشبة مسرح اجتماع "كابينت كورونا" الإسرائيلي. المشهد الافتتاحي خروج طارئ لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الجلسة، معلّلاً السبب بقضية قومية، ثم يعود بعدها إلى الاجتماع بعد عشر دقائق، وينظر إلى وزرائه، قائلاً إنّهم سيكتشفون السبب بعد قليل، مستخدماً أسلوب التشويق في أدائه الدرامي، ليثبت للجميع، بما فيه الشارع الإسرائيليّ، الناقم عليه والمتظاهر ضده يومياً بالآلاف بسبب فساده، أنه ما زال السياسي القادر على أداء دور البطولة في المشهد السياسيّ الإسرائيلي، وأنه جدير بثقة الناخبين الإسرائيليين في الانتخابات الرابعة المقبلة التي يتحيّن التوقيت المناسب لها.
من سريالية الحبكة الدرامية في مسرحية "المستخبي بان"، أن الممثلين التزموا بقواعد التباعد الاجتماعي نظراً إلى ظروف كورونا، بعكس مسرحية الإعلان عن "صفقة القرن"، فشريك نتنياهو في البطولة كان متواجداً على الطرف الآخر من الهاتف في البيت الأبيض، حيث الفشل سيّد الموقف: تراجع اقتصادي، وبطالة متزايدة، وأزمة كورونا مستفحلة، وشروخ اجتماعية وصلت إلى حدّ العنف على خلفيات عنصرية بين البيض والسود، في مجتمع مهاجرين شعاره الحرية والمساواة في الفرص للجميع، والأخطر تراجع الهيمنة الأميركية أمام المارد الآسيوي القادم بعظمة قواه الاقتصادية لينافس على المرتبة الأولى على خارطة النظام الدولي الجديد.
ولم يتبقَ في جعبة دونالد ترامب للفت انتباه الناخب الأميركي المصاب بالضجر والباحث عن جو بايدن، حتى ولو على سبيل تغيير ترامب فقط، إلا محاولة بث الروح في "صفقة القرن" التي وأدها الرفض الفلسطيني في مهدها، من خلال الاحتفال بالتطبيع الخليجي الإسرائيلي "المستخبي" منذ عقود، وتسويقه على أنه لحظة تاريخية فارقة من نتاج ذكاء إدارته وحكمتها واجتهادها، وفي مقدمتها صهره جيرارد كوشنير مهندس "صفقة القرن".
مخرج العمل وصاحب الرؤية الإخراجية للمسرحية من وراء الكواليس، الذي أشرف على ترتيب فصولها وتنسيق مشاهد السيناريو، هو رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهن، كاتم أسرار نتنياهو، والمؤتمن على أعماله الخفية، الذي كافأه بتمديد ولاية رئاسته للموساد، حتى يسجل له التاريخ الصهيوني دوره في إبرام "إسرائيل" اتفاق السلام مع دولة الإمارات، مع كل ما يحمل ذلك من نقاط قوة ورصيد سياسي لكوهين، الذي يعتبره البعض في "إسرائيل" خليفة نتنياهو القادم في قيادة الليكود ومعسكر اليمين.
بات من الواضح الآن لماذا اختلف تقييم الموساد عن تقديرات الاستخبارات العسكرية والجيش الإسرائيلي بخصوص إعلان الضم للضفة والأغوار، فصاحب التقييم لم يتوقع أي رد فعل عربي خارج إطار تصريحات الشجب والتنديد الخجولين، ذلك أن زيارات كوهين المتتالية السرية لعدة عواصم عربية أخرجته من دائرة التقدير والتنبؤ إلى مربع المعلومة واليقين بأن العرب المطبعون لن يعارضوا أية مساعٍ لتصفية القضية الفلسطينية، بل هم مستعدون للمساهمة في دفع تكاليف إنتاج المسرحية بالكامل، وعلى حساب جوع شعوبهم العربية وفقرها وضياع مستقبلها.
من الواضح أنَّ هناك ممثلين ثانويين كثراً في هذه المسرحية، قد تكون دولة الإمارات العربية أولهم ظهوراً على خشبة مسرح التطبيع العلني، وقد يحتاج المخرج إلى دول عربية في مشاهد لاحقة لضمان استمرار عرض المسرحية على الأقل حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، لكن في كل الأحوال، لن يتعدى تأثير عربان التطبيع الخليجي دور "الكومبارس" في مسرحيةٍ تقاسم فيها كل من نتنياهو وترامب دور البطولة، مستغلين مزاج جمهورهما اليميني المتطرف المسكون بعقلية تفوق الرجل الأبيض الاستعمارية، المرتكزة على صورة نمطية استشراقية عنصرية للعربي المتاح للاستهلاك العام، الفاقد الإرادة، كمستلب أبدي أمام كل ما هو قادم من المشروع الصهيوأميركي الغربي، الأمر المأمول منه أن يتحول إلى بطاقات انتخابية لصالح كل من نتنياهو وترامب في صناديق الاقتراع، تحسم الانتخابات المقبلة لصالحهما.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً