استراتيجيَّة تصدير الأزمات.. لعبة نتنياهو المفضَّلة
تزايد الحديث في الإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، كالمعتاد، نقلاً عن مصادر إعلامية أجنبية، عن أنَّ جهاز "الموساد" الإسرائيلي يقف وراء سلسلة التفجيرات التي حدثت داخل الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي تستهدف بنية المشروع النووي الإيراني، وخصوصاً آلات الطرد المركزي الحديثة في موقع "نطنز"، بحسب تلك المصادر.
ورغم عدم وجود أيّ تصريح رسمي من الحكومة الإسرائيليَّة، فإنّ تمديد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، في ذلك التوقيت، ليوسي كوهين، رئيس الموساد الإسرائيلي، لمدة 6 أشهر في منصبه، يعتبر إشارة غير مباشرة عن مكافأته لما قام به، وسعي نتنياهو وراء إتمام مهمة كوهين التي بدأها، وخصوصاً أن الأخير يعتبر من الشخصيات التي من المتوقع أن تنخرط في حزب "الليكود"، وذلك بعد خروجه من منصبه الحالي.
لا ينكر أحد في "إسرائيل"، وداخل مراكز أبحاثها الأمنية والعسكرية، أن الخطر الوجودي الأول على الكيان الصهيوني هو المشروع النووي الإيراني، وأن الخطر الاستراتيجي الأول هو محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة، لكن هل يسعى نتنياهو حقاً إلى مواجهة مفتوحة إيران، أو يحاول استخدام الفزاعة الإيرانية ومحور المقاومة لحرف انتباه الجمهور الإسرائيلي عن أزمات حكومته الداخلية المتفاقمة؟
تشكَّلت حكومة الوحدة الصهيونية تحت وطأة جائحة كورونا، وهدفها الأساسي محاربتها، إلى درجة أن الإعلام الإسرائيلي يطلق عليها اسم "حكومة كورونا"، فبعد تشكيلها، بدأت الموجة الأولى من كورونا التي ضربت "إسرائيل" تتراجع، وسرعان ما بدأت الحكومة بإنهاء إجراءاتها المتعلقة بالحجر الصحي على المجتمع.
بالطبع، أدى رأس المال دوراً كبيراً في الضغط على الحكومة، وخصوصاً بعد تسجيل تراجع كبير في الاقتصاد الإسرائيلي، وصل إلى أكثر من 10% من الناتج المحلي، وتم تسجيل ما يقارب مليون عاطل من العمل، وصارت قطاعات اقتصادية كاملة على حافة الانهيار، وخصوصاً قطاع السياحة.
في ظل انحسار الموجة الأولى من كورونا، وما خلَّفته من أزمات اقتصادية واجتماعية داخل المجتمع الإسرائيلي، بدأت تظهر أزمات داخل الائتلاف الحكومي ذاته، على إثر جملة من القضايا، أبرزها مشروع "ضم الأغوار والضفة الغربية".
وقد تمترس بيني غانتس، زعيم حزب "أبيض أزرق"، ورئيس الوزراء البديل في الائتلاف الحكومي، خلف تردّد الموقف الأميركي تجاه قرارات الضم، ما دفع نتنياهو إلى تأجيل الإعلان عن هذه القرارات، ناهيك بمسودة القانون الخاصَّة في لجنة التحقيق للقضاة في المحكمة العليا، والتي فشل في المصادقة عليها بسبب انقسامات داخل الحكومة نفسها.
ولا يمكن تجاهل الخلاف الحاد والمتواصل داخل الائتلاف الحكومي حول إقرار موازنة عامة لمدة عام واحد أو عامين، والحديث المتواتر عن نية نتنياهو الذهاب إلى انتخابات مبكرة وفرط عقد الائتلاف مع بيني غانتس.
ازداد الوضع سوءاً داخل المشهد الإسرائيلي برمّته، بسبب الخطّة الاقتصاديّة التي قدّمتها الحكومة لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي، والتي واجهت رفضاً شعبياً ومهنياً من العديد من القطاعات المجتمعية والاقتصادية المختلفة، والأهم نزول هذه الجماهير للتظاهر ضد نتنياهو وحكومته.
ويعدّ مشهد التظاهرة الحاشدة أمام بيت نتنياهو في شارع "بلفور" في مدينة القدس ضد الفساد الحكومي، والتي أطلق عليها المتظاهرون اسم "يوم بيبي ستيلا"، تيمناً بيوم سقوط سجن "الباستيل"، الذي انطلق من شرارة الثورة الفرنسية، مؤشراً خطيراً تجاه نتنياهو، وخصوصاً أنّ استطلاعات الرأي تظهر تراجعاً في ثقة الجمهور الإسرائيلي به كرئيس للوزراء.
خروج الجماهير الصّهيونيّة، وفي عدة مدن، للتظاهر، في ظل ذروة الموجة الثانية من كورونا التي تضرب "إسرائيل"، دفع نتنياهو إلى الإسراع في تقديم مساعدة مالية لكل مواطن إسرائيلي، بما يقارب 200 دولار أميركي، في محاولة لإخماد حالة الغضب الشعبي ضده.
يدرك نتنياهو أنَّ التناقضات الداخلية الصهيونية ستتصاعد في غياب الخطر الخارجي، وخصوصاً أنَّ الشروخ الاجتماعية داخل المجتمع الصهيوني آخذة في الاتساع، ما يهدّد ما يسمى "الحصانة القومية" الصهيونية، التي تعتبر الشرط الأساسي في منح المستوى السياسي هامش القدرة على اتخاذ القرارات السليمة، وتزيد من صمود الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ما ينعكس إيجاباً على قدرة الجيش على تحقيق الانتصارات أثناء المعارك.
وفي غياب تلك الحصانة المجتمعية القومية، وازدياد حالة عدم الاستقرار المجتمعي، وارتفاع منسوب عدم الثقة بين المستوطن الصهيوني وقيادته، والتراجع الحاد في الاقتصاد، وارتفاع حالات إصابات الموجة الثانية من كورونا، من الممكن تفسير سلوك نتنياهو تجاه إيران ومحور المقاومة، على أنه محاولة منه لتصدير أزماته ومشاكل مجتمعه الداخلية تجاه فزاعة الخطر الخارجي.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً