"حنظلة" يواجه "أم هارون".. منعاً لتزوير التاريخ
يناقش الكثير من الكتّاب والمثقّفين العرب التطبيع السعودي من زاوية مسلسل "أم هارون" على قناة "mbc". المشكلة أن تعاطيهم مع الموضوع يمتاز بالشعور بالصدمة من المستوى الوضيع الذي وصل إليه ذلك التطبيع السعودي، ويتناسون أن العلاقات الصهيونية السعودية كانت وطيدة حتى قبل قيام الكيان الصهيونيّ، وأنها ازدادت قوة في محطات كثيرة، بدءاً من حرب اليمن الأولى ضد مصر، مروراً بمبادرة ولي العهد فهد بن عبدالعزيز في أوائل ثمانينيات القرن الماضي؛ الأساس الذي بنيت عليه المبادرة العربية للسلام في ما بعد، مروراً بالتعاون الأمني والعسكري في حرب اليمن الحالية، ولم تنتهِ مع إعلان ترامب عن "صفقة القرن" من عاصمة بلاد الحرمين.
لكن في حقيقة الأمر، إن مسلسل "أم هارون" ما هو إلا بداية مرحلة جديدة من الانتقال من التطبيع السياسي الرسمي إلى التطبيع الاجتماعي الشعبي، وهذا هو أساس فكرة "صفقة القرن": تصحيح مسار الكيان الصهيوني الثقافي والتاريخي. فالنخب الثقافية الخليجية المستأجرة والأجيرة، وخصوصاً السعودية منها، تدسّ السموم التاريخية والثقافية والسياسية في عقل شعوبها، من خلال القراءات المزورة والمجتزأة لتاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، التي يرفضها حتى بعض المؤرخين الصهاينة أنفسهم، وإعادة تسويق الرواية التاريخية الصهيونية، لكن بأقلام ومسميات خليجية، بهدف تثبيت الرواية الصهيونية التاريخية، وبالتالي فقدان شرعية النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
وعلى العكس، يصبح الفلسطيني الباحث عن حريته معتدياً أثيماً على حقوق اليهود المضطهدين باعتراف العرب أنفسهم، وبالتالي إن اضطهاد العرب لـ"أم هارون" اليهودية أجبرها على أن تقتلع "حنظلة" الفلسطيني من مدينة حيفا، وأجبر عصابات الأرجون والإيتسل والهاغانا الصهيونية على أن تمارس المجازر ضده في ما عرف بخطة "دالت"، وبالتالي تم إيجاد مبرر شرعي لـ"أم هارون" حتى تحتل حيفا والقدس وكل أرض فلسطين، لماذا؟!
لأن الصهاينة كانوا على أقل تعديل مضطرين إلى فعل ذلك، بسبب الاضطهاد العربي لليهود، كما يسوّق التطبيع السعودي، ناهيك بانعكاسات التطبيع السعودي التي تمسّ بالسلب جوهر العصب الرئيسي للقضية الفلسطينية، ألا وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين، التي تحظى بإجماع دولي توضحه قرارات الشرعية الدولية، حيث إن مبدأ خلق قضية لجوء يهودي من الدول العربية مقابل قضية اللجوء الفلسطيني هو الفكرة المخفية الأساسية التي تختبئ وراء مسلسل "أم هارون".
لذا، إن مسألة تعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية، التي تم طرحها في أكثر من مرحلة من مراحل عملية التسوية عند نقاش قضية اللاجئين الفلسطينيين، باتت أكثر جدية وشرعية في المطالبة من قبل المستويات الأهلية والرسمية الصهيونية، والحديث عن حق العودة والتعويض في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يخرج من دائرة الاختصاص للاجئ الفلسطيني فقط، ليشمل ما يقارب نصف مليون يهودي صهيوني من أصول شرقية عربية، اغتصبوا أرض فلسطين بالقوة، وخاضوا حروب "إسرائيل" كلها ضد العرب والفلسطيني، وبات يسري عليهم نص قرار 194 كمتضررين من حرب العام 1948م.
وبالتالي، في نظرة التطبيع السعودي، تشترك "أم هارون" مع حنظلة الفلسطيني في قضية اللجوء، وكما مثّل حنظلة الفلسطيني أيقونة النكبة الفلسطينية وتغريبتها، تصطنع الدراما السعودية التطبيعية من "أم هارون" عنواناً للجوء اليهودي، في أكبر عملية تزوير تاريخي يمارسها التطبيع السعودي على العقل العربي.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً