نتنياهو يحقّق "الريمونتادا".. كيف خدع بني غانتس؟
واجه رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، 3 لوائح اتهام في قضايا فساد، مع تحديد موعد لمحاكمته، واستطاع ائتلاف حزب "أبيض أزرق"، بقيادة ثلة من أهم السياسيين والعسكر ورجال الأمن في "إسرائيل"، طرح نفسه بديلاً منه، كما خاض عمليتين انتخابيتين فشل فيهما في تجنيد 61 عضواً في الكنيست ليشكّل حكومة.
وفي الانتخابات الأخيرة، توحَّدت كل الجبهات السياسية المعادية له، بما فيها "القائمة المشتركة"، ومنحت التفويض لزعيم حزب "أبيض أزرق"، بيني غانتس، لدى رئيس الدولة روفين ريفلين لتشكيل الحكومة.
وفي الوقت الذي اعتقد الجميع أن زمنه انتهى، حقق العودة، ليتسيّد المشهد السياسي الإسرائيلي من جديد، إذ بات يتحكّم بخيوط اللعبة السياسية، بعد أن انتزع من خصمه غانتس تقريباً كل أوراق القوة التي كانت بحوزته.
ويبقى السؤال الأهم: كيف نفَّذ خديعته الكبرى ضد غانتس؟!
استغلَّ نتنياهو تفويض "القائمة المشتركة" لغانتس أمام رئيس الدولة بالتحريض إعلامياً على حزب "أبيض أزرق" وعلى غانتس شخصياً، وخصوصاً التشكيك بصهيونية الحزب، ما حوَّل تهديد الأخير بتشكيل حكومة أقلية، بدعم من "القائمة المشتركة"، إلى فرصة له لصناعة شرخ حقيقي بين جبهة أعدائه، وخصوصاً داخل حزب "أبيض أزرق".
ولم يكتفِ بذلك، بل استخدم كورونا في الضغط على غانتس للذهاب إلى حكومة وحدة صهيونية لمواجهة الوباء، وأشعره بأنه موافق على شروطه كاملة لتشكيل تلك الحكومة، وأن اعتراض كل من يائير لبيد وبوغي يعلون على تلك الحكومة، وهم شركاؤه في الحزب، ينبع من خلافات شخصية مع نتنياهو، وأن الآوان آن لتجند كل القوى في مواجهة وباء الكورونا.
وهنا سقط غانتس في الفخ، إذ وافق على تشكيل حكومة وحدة مع نتنياهو على حساب تفتيت حزب "أبيض أزرق"، وخسارة حلفائه، والأهم فقدان ثقة ناخبيه الذين انتخبوه ليمثل بديلاً من نتنياهو، وليس شريكاً له في الحكومة، لكن جوهر الخديعة أن غانتس خسر كل ذلك مقابل وعود بتشكيل حكومة وحدة سرعان ما تراجع عنها نتنياهو، بعد أن أدرك أنه نجح في تشتيت جبهة أعدائه، وبات من السهل اختراقها، من خلال انتقال بعض أعضائها إلى الجبهة المؤيدة له، كما فعلت أوري ليفي أبو كسيس.
يدرك نتنياهو كسياسي مخضرم أنّ المكاسب السياسية مرتبطة بأوراق القوة التي يمتلكها اللاعبون، فما كان يمكن أن يحصل عليه غانتس سابقاً، لن يمنحه نتنياهو إياه الآن، ففي السابق كان مضطراً إلى الموافقة على شروطه لانعدام الخيارات لديه، لكن بعد الخديعة الكبرى، باتت الخيارات متعددة أمامه:
أولاً، فرْض شروط جديدة على غانتس ما كان سيقبل بها سابقاً لتحسين موقف نتنياهو في حكومة الوحدة، رغم إدراكنا أن لا مصلحة للأخير في أن يتولى غانتس رئاسة الوزراء، ولو ليوم واحد، كي يقتل آخر محاولة لإيجاد بديل منه في المشهد السياسي الصهيوني.
ثانياً، أن يحاول نتنياهو الاستفادة من حالة التشتت داخل جبهة أعدائه، ويقنع البعض بتشكيل حكومة يمينية بقيادته وحده، وهو احتمال أكثر سهولة مما سبق، بعد تفكك كتلة حزب "أبيض أزرق"، وانفراط عقد ائتلاف حزب "العمل - جيشر - ميرتس".
ثالثاً، الذهاب إلى انتخابات رابعة في نهاية العام. وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية نتنياهو تشكيل حكومة يمينية من دون الحاجة إلى أفيغدور ليبرمان؛ العقدة الرئيسية أمام تشكيله حكومة يمينية تامة في الانتخابات الثلاث السابقة.
سلوك نتنياهو داخل المشهد السياسي الإسرائيلي، ومتابعة إدارته لصراعه مع خصومه السياسيين، وآلية تعاطيه مع الأزمات السياسية التي عصفت به، وما تزال، ينطبق عليها مصطلح "الريمونتادا" الذي يستخدمه المعلقون على مباريات كرة القدم، في حال كان الفريق متأخراً بالنتيجة، لكنه يرجع ويتعافى، فيقلب نتيجة الخسارة إلى فوز.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً