إضراب الأسرى الفلسطينيين.. الدوافع والتداعيات.
شرعت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية (الشاباص) في إجراءات عقابيّة ضد الأسرى الفلسطينيين، وخصوصاً أسرى حركة "الجهاد الإسلامي"، منذ عمليّة انتزاع الحرية من سجن "جلبوع" في 6 أيلول/سبتمبر الماضي، والتي نفذها 5 من أسرى حركة "الجهاد" بقيادة الأسير محمود العارضة، إضافةً إلى الأسير زكريا الزبيدي من حركة "فتح"، إذ اتّخذت إدارة السجون الإسرائيلية عدة خطوات تهدف إلى إنهاء تواجد حركة "الجهاد الإسلامي" داخل مكونات الحركة الأسيرة، بمعنى إلغاء كيانيتها التنظيمية والإدارية والتمثيلية داخل قلاع الأسر،
الأمر الذي يعتبر سابقة في تعامل إدارة السجون الإسرائيلية مع الحركة الأسيرة الفلسطينية، التي انتزعت كيانيتها وتمثيلها في قلاع الأسر من خلال مشوار طويل من النضال والتضحيات، ارتقى فيه الكثير من شهداء الحركة الأسيرة وآلاف الأطنان من لحوم الأسرى، أثناء سلسلة طويلة من الإضرابات عن الطعام والخطوات الاحتجاجية المطالبة بحقوق الأسير الفلسطيني في إدارة حياته اليومية والتنظيمية والإدارية داخل قلاع الأسر.
وبالتالي، بات إرث الحركة الأسيرة الفلسطينية التنظيمي والتمثيلي مهدداً بالتلاشي والاندثار، الأمر الذي يحقق للاحتلال الصهيوني هدفه في إفراغ الحركة الأسيرة الفلسطينية من كلّ مضامينها الوطنية والثورية، وتحويل الأسير الفلسطيني إلى مجرد رقم موجود في سجلّ مصلحة السجون الإسرائيلية، لتتحوّل السجون الإسرائيلية إلى مقابر أرقام جماعية للأسرى الفلسطينية الأحياء، بعد أن حوَّلتها نضالات الحركة الأسيرة إلى مدارس وجامعات تعليمية وتربوية وتنظيمية، تزيد من ذخيرة الأسير العلمية والعملية في مواجهته اليومية مع سجانيه. وعلى المدى الاستراتيجي، صقله ليصبح كادراً فاعلاً في الثورة والمقاومة في مرحلة الحرية بعد الأسر.
ليس من الصّعب إدراك الدوافع الرئيسية وراء تلك العقوبات الإسرائيلية ضد أسرى "الجهاد الإسلامي"، فمن الواضح أن مصلحة السجون الإسرائيلية تريد التعمية عن فشل منظومتها الأمنية التي حوّلها الأسرى الستة إلى أضحوكة أمام مرأى العالم كله ومسمعه، وتريد أن تبرهن أنها استخلصت العبر من تلك العملية، وشرعت في إصلاح تلك الأخطاء.
من جهة أخرى، هناك حاجة لدى الحكومة الإسرائيلية إلى إثارة قضية الأسرى الفلسطينيين أمام الجمهور الصهيوني الذي يطرب لأي خطوات تصعيدية تجاه الأسرى الفلسطينيين، وخصوصاً بعد أن أذاقوه مرارة الهزيمة من خلال عملياتهم البطولية التي نفَّذها هؤلاء الأسرى قبل أسرهم.
أضف إلى ذلك أن قضية الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة في غزة، والذين يوقن الجمهور الإسرائيلي أن لا طريق لاستعادتهم إلا من خلال صفقة تبادل يتمّ من خلالها إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، الأمر الَّذي جعل معاقبة الأسرى الفلسطينيين محلَّ تنفيس للعجز الإسرائيلي الحكومي والشعبي تجاه استعادة الجنود من غزة.
تعتبر الحركة الأسيرة الفلسطينية مركّباً أساسياً من الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي يدرك الكل الفلسطيني، وعلى جميع المستويات، أن قضية الأسرى أيقونة للنضال الفلسطيني، وعنواناً للوحدة الفلسطينية على أساس مواجهة الاحتلال الصهيوني.
لذلك، أمام هذا المشهد الملحمي من قبل الأسرى الفلسطينيين، من الطبيعي أن الجميع أدرك، سواء على المستوى الفصائلي أو على المستوى الشعبي، أن الأسرى لن يكونوا وحدهم في مواجهة آلة البطش الصهيونية، كما لم تكن القدس وحدها أمام آلة التهويد والاستيطان الصهيوني؛ فمع إعلان الحركة الأسيرة بقيادة أسرى "الجهاد الإسلامي" الشروع في الإضراب عن الطعام، صرح الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي"، الأستاذ زياد النخالة، أن "حركته ستحمي أسراها البواسل، ولو تم الذهاب إلى الحرب"، وتوالت بعد ذلك تصريحات الفصائل الفلسطينية المؤكدة على حماية الأسرى الفلسطينيين بكل ثمن.
إن الموقف الفلسطيني، وخصوصاً موقف حركة "الجهاد الإسلامي"، من إضراب الأسرى، يحمل في طياته تداعيات مهمّة على حالة الصراع بين المقاومة والاحتلال، إذ يحمل 3 رسائل مركزية:
الأولى، رسالة تعزيز للروح المعنوية للأسرى الفلسطينيين وهم يخوضون إضرابهم، بأن شعبهم، وفي مقدمته المقاومة، معهم، ولن يتركهم وحدهم. هذا الأمر له تأثير إيجابي في تقوية إرادة الحركة الأسيرة في الاستمرار بنضالها من أجل استعادة حقوقها من مصلحة إدارة السجون الإسرائيلية، الأمر الذي يصلّب موقفها التفاوضي مع تلك الإدارة، ويعزّز أوراق قوتها الضاغطة عليها.
الثانية، رسالة إلى المستوطنين الصّهاينة بأن ثمن مساس الحكومة الإسرائيلية بالأسرى الفلسطينيين سيدفعه المستوطن الصهيوني من أمنه واقتصاده، وبالتالي مصلحته تتطلّب الضغط على حكومته للموافقة على مطالب الأسرى، لأنه يدرك أنّ عدم الموافقة سيؤثر سلباً في حياته اليومية.
الثالثة، رسالة موجّهة إلى الوسطاء الذين سعوا ويسعون إلى تثبيت حالة الهدوء بين المقاومة و"دولة" الاحتلال بعد معركة "سيف القدس"، إذ باتت الأجواء مهيأة للتصعيد بعد العدوان الإسرائيلي على الأسرى الفلسطينيين، وخصوصاً أسرى حركة "الجهاد الإسلامي"، التي أعلن جناحها العسكري "سرايا القدس" النفير العام والجهوزية العسكرية التامة لخوض معركة الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، وبالتالي كل من له مصلحة باستمرار الهدوء في المنطقة عليه أن يضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف عدوانها على الأسرى الفلسطينيين.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.