قبل 2 سنە
وسام اسماعيل
203 قراءة

زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة.. ماذا بعد التباعد والاختلاف مع بايدن؟

لا يمكن اعتبار رؤى زيلينسكي وبايدن تجاه ما يجب أن تؤول إليه الحرب في أوكرانيا متطابقة لناحية الوسائل والأهداف. يفترض التفريق بين الواقعية الأميركية التي تسعى إلى طرح أهداف يمكن تحقيقها من دون أن تشكل أي فرصة لتهديد وجودي يمكن أن يطال أوروبا أو منظومة حلف شمال الأطلسي بحكم التجاور الجغرافي، وبين أحلام زيلينسكي بتحقيق انتصار مدمر على القوات الروسية الموجودة في أوكرانيا مع إمكانية إسقاط الدولة في روسيا إذا ما توفرت الظروف المناسبة. 

بين هاتين الرؤيتين تكمن إشكالية العلاقة بين زيلينسكي والمنظومة الغربية، فالعلاقة الغربية مع روسيا ستبقى محكومة لتوازنات تضبط إيقاع المواجهة ضمن فرضية تسجيل النقاط التي تساعد في تثبيت موازين القوى التي كانت سائدة قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من دون الوقوع في خطر المواجهة الشاملة، في حين أن زيلينسكي لا يتردد في التعبير عن رغبته في تحقيق انتصار صريح وواضح على القوات الروسية من دون الالتفات إلى خطورة النتائج التي قد تترتب على هذا الأمر. 

وإذا تم تحليل الغايات الأميركية المبتغاة من الحرب في أوكرانيا وفق منطق الأقطاب المتناحرة من أجل فرض التوازن الذي يناسب مصالحها الحيوية، فإن الولايات المتحدة الأميركية ستحلل مسارات تدخلها في هذه الحرب وفق مفهوم يضع في سلم أولوياتها إشغال القوات الروسية ومحاولة إفشال مخططها لتنظيم شرق أوروبا وفق معادلة القوة الروسية من دون أن يؤدي الأمر إلى إحراجها عبر إظهارها في موقع الضعيف المنهزم، لتشكّل هذه الفرضية دافعاً لانتقام روسي غير تقليدي.

أما لناحية تحليله وفق منطق يستند إلى رغبات زيلينسكي، فإن الطموح الشخصي للظهور في صورة البطل المخلص للشعب الأوكراني وادعاء الدفاع عن قيم العدالة والحرية الغربية يدفع باتجاه التعبير عن شهية مفرطة لطلب مساعدات عسكرية تتخطى حدود المقبول غربياً، فيهمل أو يتناسى توازنات القوى والخطوط الحمر المكرسة في شرق أوروبا منذ ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي. 

في هذا الإطار، برزت أهمية زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة الأميركية، فظهر التناقض بين مخرجات وسائل الإعلام الأميركية والأوكرانية حولها. فأهداف الرئيس الأوكراني لم تخرج عن إطار الحصول على الدعم العسكري والمادي اللامحدود، إضافة إلى حث الدول الغربية على وقف العبث مع روسيا، على حد تعبيره، وفرض أشد العقوبات عليها حتى ترضخ لمطالبه بالانسحاب من كل الأراضي، إضافة إلى شبه جزيرة القرم.

انطلاقاً من هذه الرؤية، يمكن تسطير الاختلاف مع الغرب، فالدعم العسكري لأوكرانيا لا يستهدف إلا منع روسيا من كسر التوازن القائم في شرق أوروبا ودفعها إلى التسليم بعدم جدوى محاولة تغيير قواعد النظام الدولي الذي تتحكم في مفاصله القوى الغربية عموماً، والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً.

لا يمكن الحديث عن تشابه بين الرئيسين الأميركي والأوكراني لناحية الإطار النظري الحاكم لسلوكهما، فالواقعية التي تحكم سلوك الرئيس الأميركي، إضافة إلى آلية بلورة قراراته من خلال منظومة تفاعلية تستند إلى منطق رياضي يقدر حسابات الربح والخسارة بعيداً عن أي اعتبار شخصي أو عاطفي لا يتوافق مع أحلام الرئيس الأوكراني المقتنع بإمكانية تحييد القوة الروسية عبر دعم تقليدي أوروبي وتضحية أوكرانية يعتبرها كفيلة بتحقيق الانتصار.

إنه يعتمد على حدس بعدم إمكانية تصعيد روسيا لحربها أو استخدامها لأسلحة غير تقليدية. إضافة إلى ذلك، ينظر الرئيس الأوكراني إلى ما يعتبره صموداً شعبياً إرادياً كمدخل لنصر أوكراني حتمي، فتطغى على أفكاره رؤية سوريالية يصنّف من خلالها أطراف النزاع وفق نظرية الخير والشر المطلق، في حين أن الرؤية الغربية لدوافع الحرب ومساراتها ونتائجها لا تخرج عن تقديرات المصلحة والبحث عن أرضية تضمن مصالحها القومية والإستراتيجية الدولية.

يمكن التقدير أن المسعى الأميركي للبحث في خيارات وقف الحرب رافق مسارات الدعم العسكري لأوكرانيا، ولم يكن منفصلاً عن خيارات التصعيد التي تمت ترجمتها عبر دعم عسكري وسياسي لأوكرانيا. وإذا كان الرئيس الأوكراني قد سعى طيلة فترة الحرب لتحقيق قطع شامل للعلاقات بين الدولة الروسية والدول الغربية، فإن هذه الأخيرة بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، لا تستند في علاقاتها مع القوى الكبرى، كالصين وروسيا، إلى فرضية العداء الشامل، نظراً إلى التداخل الاقتصادي والسياسي بينها.

وعليه، لم يكن هدف زيارة الرئيس الأوكراني إلى الكونغرس الأميركي الاحتفاء به كمقاتل من أجل الحرية أو مدافع عن القيم والمثل الغربية في وجه قوة شريرة، إنما يمكن تصنيفها في إطار محاولة الرئيس الأميركي ممارسة ضغوط معنوية على الكونغرس الأميركي من أجل الموافقة على تمويل سبق للرئيس الأميركي أن أقرّه لأوكرانيا.

إضافة إلى ذلك، أرخت طبيعة الموقف الأوروبي بظلالها على هذه الزيارة. فعلى الرغم من التكتل الأوروبي خلف الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي، إضافة إلى سياسات الحظر التي أعلنتها ضد روسيا، يمكن ملاحظة امتعاض شعبي أوروبي من مآلات تلك المواجهة. 

وإذا كان الموقف الرسمي الأوروبي موسوماً بقناعة عدم التمايز عن الموقف الأميركي لضرورات تتعلق بالحفاظ على التماسك الأوروبي، فما زالت دول أوروبا الشرقية المنضوية في الاتحاد الأوروبي متمسكة بالخيار الأميركي وحلف شمال الأطلسي كوسيلة لضمان أمنها ومواجهة ما تعتبره خطراً روسياً، بما يهدد بتحلل الاتحاد الأوروبي إذا اتخذ موقفاً مغايراً للموقف الأميركي.

إن حقيقة الموقف في أوروبا تستدعي قراءةً مختلفة عن رؤية زيلينسكي. فالدعم الأوروبي له والتماهي مع الولايات المتحدة الأميركية قد تحوّل مع إطالة أمد الحرب إلى موقف لا يحظى بشعبية أوروبية، وبدأت تظهر نتائجه المباشرة حراكاً شعبياً على إثر موجات الغلاء والتضخم التي سببتها قرارات الحظر الأوروبي على النفط والغاز الروسي.

تكمن إشكالية زيلينسكي في إيمانه بإمكانية حشد الدعم الأميركي والغربي خلفه مهما طال أمد المعركة، إضافة إلى قناعته بأنه وحده من يمتلك قرار وقفها. فضمن السيناريوهات التي يتم التداول بها كمداخل لوقف الحرب يسقط زيلينسكي أي إمكانية للبحث خارج إطار مبادرته التي لا يمكن تصنيفها إلا خطة طريق تنظم عملية استسلام روسيا.

تبرز في هذا الإطار مفارقة أساسية تتعلق بنظرة الغرب إلى زيلينسكي؛ ففي حين يرى الأخير في شخصه قائداً ومحارباً تتوقف آمال العالم الحر عليه في تحرير أوروبا، لا يتجاوز تقييمه الغربي حدود تصنيفه ضمن أدوات القوة المساعدة في تحقيق أهداف معينة.

وعليه، يمكن القول إنه على الرغم من حفاوة الاستقبال الأميركي لزيلينسكي في البيت الأبيض والكونغرس، كان التباعد واضحاً بين ما أراده وما قدّمه الأميركي. فبعض المساعدات المالية والعسكرية المساعدة على الصمود لا الحسم لن تقدم لزيلينسكي ما يجعل أوكرانيا قادرة على تخطي الانتصار أو على الأقل تخطي مصاعب الشتاء في ظل بنية تحتية ولوجستية مدمرة. فهدف المساعدات الأميركية لزيلينسكي يتعلق فقط بدفع الطرف الأوكراني إلى التفاوض مع الروسي بواقعية تأخذ في الاعتبار موقف روسيا وموازين القوى العسكرية الحقيقية.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP