قبل 2 سنە
وسام اسماعيل
305 قراءة

قرار "أوبك+" الأخير.. ما هو أبعد من المسألة التقنية!

لا يمكن تحليل حيثيات القرار الأخير لأوبك بلاس وفق الإطار التقني الذي تدّعيه أهداف منظمة أوبك، أو مجموعة أوبك بلاس، إذ إن أي قراءة لنتائجه وآثاره، بمعزل عن الأحداث في أوكرانيا، أو التوجه السعودي، ستبدو ناقصة ولا تقارب الواقعية.

فالحديث عن مجموعة تضم عدداً من الدول الأساسية في منظمة أوبك بلاس، بالإضافة إلى روسيا، ضمن مجموعة من الدول الأخرى، سيجعل من تأكيد عادل الجبير أن المملكة العربية السعودية لا تقوم بتسييس النفط، وتأكيد تصنيفه في خانة السلع المهمة للاقتصاد العالمي، أو من كلام وزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان، والذي قال فيه إن اختصار أوبك بلاس في المملكة العربية السعودية وروسيا "يشكّل رؤية مهينة للمنظمة"، محاولةً للتخفيف من آثار رد الفعل الغربي على هذا القرار، انطلاقاً من أن هذا الغرب، وهو المتضرر الأول من النتائج المتوقعة، رأى في خفض الإنتاج اصطفافاً لدول المنظمة خلف روسيا.

بالنظر إلى أهمية مصادر الطاقة العالمية، والسعي الحثيث في الولايات المتحدة الأميركية والغرب لضمان أمن طاقة كل منهما، عبر تأمين مصادر طاقة موثوقة، بكميات وفيرة وأسعار ملائمة، يصبح من غير الممكن تصنيف موضوع الطاقة في إطار تقني. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عملت الولايات المتحدة الأميركية على ربط أمنها الاستراتيجي بأمن الطاقة العالمي. فانطلاقاً من تأثير عدة عوامل جيوبوليتيكية في إمدادات النفط العالمية، بحيث أدت الأزمات المتتالية، التي عصفت بالعالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط، إلى رفع الأسعار العالمية لبرميل النفط، حاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تعالج إشكالية التبعية للنفط المستورد، وفق استراتيجيات متعددة. فالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، على سبيل المثال، ربط أمن الطاقة الأميركي بإمكان الوصول السلس إلى نفط الشرق الأوسط، بحيث أعلن صراحة أن أي محاولة، من أي طرف كان، للسيطرة على نفط الشرق الأوسط، ستُعَدّ محاولة لتهديد المصالح الحيوية الأميركية، وستواجَه من جانب الولايات المتحدة الأميركية بكل الوسائل المتاحة، حتى العسكرية منها.

بالطبع، لم تتباين رؤى الرؤساء اللاحقين لجيمي كارتر فيما يتعلق بأمن الطاقة الأميركي، إذ إن كل الخطط الاستراتيجية، التي تم إعلانها، لم تلحظ إمكان الاستغناء عن استيراد النفط، أو التوجه نحو الطاقة المتجددة بطريقة فعّالة وجدية. وإذا كان من الممكن أن نقيّم قرارات الولايات المتحدة الأميركية في هذا المجال، فإن من المنطقي أن تلجأ إلى ضمان أمنها النفطي بأسعار متدنية، عبر خيار استيراد النفط من الدول الحليفة، كالمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، على حساب تقرير سياسات تفترض خفض استهلاك الفرد الأميركي للطاقة، أو السير في خيار الطاقة المتجددة ذات التكلفة العالية.

وإذا كان هذا المسار تكرّس منذ اتفاق كوينسي، الذي تم التوصل إليه بين الملك السعودي عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، بحيث تكفّلت المملكة ضمان إمدادات الطاقة الضرورية للولايات المتحدة الأميركية، فإن العلاقات المتينة بين الطرفين، وخصوصاً في مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وغزو صدام حسين للكويت، تحوّلت إلى ارتباط عضوي، أمكن من خلاله الحديث عن علاقة تكاملية، يمكن للولايات المتحدة الأميركية من خلالها أن تصنف إمدادات النفط السعودي ضمن إطار أدواتها الضرورية لضمان موقعها المتفوق. فالمملكة العربية السعودية، بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية، عوضّت النقص من النفط الإيراني والنفط العراقي خلال حرب الخليج الأولى، ثم زادت في وتيرة إنتاجها في إبّان اجتياح العراق للكويت، ثم بعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، بهدف تخفيف أثر هذه الأحداث في السوق العالمية.

بصورة عامة، لم تكن منظمة أوبك بعيدة عن هذا التصنيف، بحيث إن أكثرية قراراتها، إن كانت عبر زيادة إنتاج النفط أو خفضه، كانت متوافقة بنسبة كبيرة مع المسعى الأميركي. فالولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها الدول المستوردة للنفط، نجحت في تكريس توازن يحافظ على أسعار مقبولة للنفط، بحيث تنعدم قدرة الدول المصدّرة للنفط على التحكم في أسعاره بطريقة أحادية. وإذا كان من غير المنطقي الحديث عن التزام منظمة أوبك بالتوجه الأميركي في هذا المجال، انطلاقاً من تصنيف عدد مهم من دولها ضمن الدول المناوئة للولايات المتحدة الأميركية، فإن هذه الأخيرة، من خلال إعطاء أولوية لضمان إمدادات الطاقة عبر تحالفات أمنية واستراتيجية مع الدول الفاعلة في تصدير النفط، ضمنت إمكان تأمين مصالحها، من خلال حلفائها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، عند اتخاذ أي قرار داخل منظمة أوبك أو أوبك بلاس.

غير أن هذه الفرضية فقدت كثيراً من صوابيتها، في مرحلة ما بعد دونالد ترامب، بحيث أعلن الرئيس الحالي، جو بايدن، منذ ما قبل انتخابه، أن العلاقة بالمملكة العربية السعودية ستشهد تغييرات جوهرية، لناحية عدد من الملفات الحساسة، كحقوق الإنسان ومقتل جمال الخاشقجي، بالإضافة إلى الحرب السعودية العبثية على اليمن، وكذلك قراره عدم مراعاة الهواجس الأمنية والإقليمية السعودية في المفاوضات الحالية مع الجمهورية الإسلامية، بحيث انعكست رؤيته موقفاً سعودياً سلبياً تجاه الإدارة الأميركية الحالية. وإذا كان من الضروري أن ندلل على صحة هذه الرؤية السلبية، فإن نتائج الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن للمملكة، والتي كانت تهدف إلى أمركة الأولويات السعودية، على نحو يتوافق مع المعطى الدولي بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم تأتِ على مستوى تطلعات الولايات المتحدة الأميركية لناحية الالتزام السعودي التقليدي بشأن توجهات الولايات المتحدة الأميركية، على نحو يدلل على أن القدرات الأميركية الرادعة للحلفاء، ضمن سياق التزام مصالحها الاستراتيجية، بدأت تتحلّل. 

وإذا كانت السعودية حريصة على عدم إثارة الغضب الأميركي، فإن المحاولات السعودية الأخيرة لم تفلح في تقديم قرار خفض الإنتاج في أوبك بلاس ضمن إطار القرار التقني الضروري والمتعلق بسلعة، صنفها وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، بأنها مهمة للاقتصاد العالمي، من دون الإشارة إلى أهميتها السياسية.

فالأهمية الاستراتيجية للنفط، وانطلاق المملكة العربية السعودية في سياساتها الخارجية من أهمية جيوبولتيكية، أساسها قدراتها الإنتاجية واحتياطاتها الضخمة، لن يقدّما إلى الوزير الجبير ما يؤكد كلامه. فالتوجه السعودي الأخير إلى التوافق في أوبك بلاس مع روسيا والدول الأخرى، من دون إيلاء الاهتمام بالموقفين الأميركي والأوروبي تجاه مسألة خفض الإنتاج، بشأن قرار يلاقي المشروع الروسي الساعي لتغيير أسس العلاقات الدولية، ويساعد على تحقيق الرؤية الروسية القائمة على أن من المفترض ألّا تساعد الدول المصدّرة للنفط على انتشال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أزمة نقص الإمدادات والأسعار المرتفعة، التي سببها السلوك الغربي في أوكرانيا، يؤكد، على نحو لا يحتمل التشكيك، أن جرأة دولية بدأت تتبلور ضمن إطار فهم يعبّر عن قناعة بحتمية انهيار الأحادية الأميركية، وفقدانها قدراتها الردعية.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP