قبل 3 سنە
وسام اسماعيل
362 قراءة

الباليستي الإيراني.. إشكاليّة الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا!

تنطلق الجولة الثامنة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني مستندةً إلى قناعة مشتركة بأنَّ التفاوض هو الخيار العملي الوحيد لحلِّ إشكاليات العلاقة بين الجمهورية الإسلامية والقوى الغربية، غير أن التعارض في المعادلات التي يحاول الطرفان إرساءها، كأساس لاتفاق يعيد الطرفين الإيراني والأميركي شكلياً إلى اتفاق 2015 المكرّس بالقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، يجعل من الضّروري البحث في ما قد يشكّل تفصيلاً ربما يجعل العودة إلى الاتفاق أمراً بعيد المنال.

وإذا كان الجانب الإيراني كرَّس لدى الأطراف المفاوضة الأخرى قناعة بعدم جدوى التفاوض خارج إطار معادلة رفع الحظر الشامل مقابل العودة إلى التزامات خطة العمل المشتركة، فإنَّ الجانب الأميركي، وبالتوازي مع القوى الأوروبية الموقعة على الاتفاق، يحاول الخروج على إطار اتفاق 2015 وتعديله، بغية تضمينه بنوداً تتعلَّق بمسارات تؤثر في البناء الاستراتيجي للمشروعين الأيديولوجي والدفاعي للجمهورية الإسلامية.

إنَّ علاقات الجمهورية الإسلامية الإقليمية وبرنامجها الصاروخي الباليستي لم يغيبا عن طاولة المفاوضات منذ العام 2013. وإذا كانت الجمهورية الإسلامية قد نجحت في العام 2015 في انتزاع اتفاق يتضمَّن آلية تضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع الحظر الأميركي المستمر منذ العام 1979، فإن الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية استطاعت أن تزرع في بنود الاتفاق ما قد يساعد في مرحلة لاحقة على الضغط على الجمهورية الإسلامية وإعادتها إلى طاولة التفاوض تحت عناوين ومسميات أخرى. 

إنّ القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن نصَّ على دعوة إيران إلى عدم الانخراط في أنشطة الصواريخ الباليستية، بما يؤكّد أنَّ الغاية الغربية من التفاوض لا تقتصر على أمور نووية تقنية ترتبط بالسلم والأمن الدوليين، إنما تتخطاها لغايات تتعلق بتوازنات القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، وفق حتمية تفكير تستند إلى فكرة التفوق الإسرائيلي، كأساس لتحقيق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية الغربية القديمة المتجددة.

أما التركيز الحالي على البرنامج الإيراني البالستي، وغضّ الطرف عن علاقات الجمهورية الإسلامية الإقليمية، فأساسه يستند إلى فكرة مفادها أنَّ قوة الجمهورية الإسلامية الردعية ترتكز على استراتيجية دفاعية عنوانها الصواريخ البعيدة المدى.

ومن دون تلك الترسانة الباليستية، قد تفقد الجمهورية الإسلامية الحافز والدافع لدعم الحلفاء، إذ إنَّ انكشاف الإقليم الإيراني سيؤدي إلى بث شعور بالخوف والحذر لدى الساسة الإيرانيين، بما قد يدفعهم إلى التخلي عن الحلفاء مقابل الحفاظ على سلامة الإقليم وضمان استمرار نظام الجمهورية. 

ولذلك، اجتهدت الأطراف الغربية في ابتداع الحجج، واختلقت الذرائع، وسوَّقت لضرورة تحجيم البرنامج الباليستي الإيراني تحت عناوين الأمن الإقليمي وطمأنة دول الجوار.

وبالعودة إلى مسار المفاوضات في فيينا، إنَّ القبول الإيراني بفكرة الرجوع إلى الاتفاق النووي يؤكّد أن الغاية الإيرانية محددة ببرنامج نووي سلمي من دون أي طموحات عسكرية. ووفق خطّة العمل المشتركة للعام 2015، التزم الجانب الإيراني بنسبة تخصيب لا تتعدى 3،67%، ووافق على إغلاق منشآت كانت تشكّل هاجساً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

أما بدء الجمهورية الإسلامية بخفض التزاماتها النووية بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق العام 2018، فقد جاء بمفعول متأخر عن القرار الأميركي بمدة عام؛ فحكومة الرئيس حسن روحاني وضعت برنامجاً متسلسلاً للتحرّر من الالتزامات، بما قد يسمح بالعودة السريعة إليها في حال تغير المزاج الأميركي أو ضمان الالتزام الأوروبي الفعلي ببنود الاتفاق. وبذلك، تكون قد أعطت الأطراف الأوروبية فرصة لإقناع الجانب الأميركي بالعودة إلى الاتفاق أو إعطاء الجمهورية الإسلامية المزايا التي قد تجعل الحظر الأميركي محدود التأثير.

وإذا عدنا إلى خطاب ترامب الذي أعلن خلاله انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فإنه أُلحق بتصريح لمستشاره للأمن القومي، جون بولتن، يؤكّد فيه دعوة الجمهورية الإسلامية إلى مفاوضات موسعة حول اتفاق جديد معها. 

وفي حين كانت الوكالة الدولية في تلك الفترة تنفي أي كلام عن عدم تعاون الجمهورية الإسلامية في مجال مراقبة منشآتها، وتؤكد التزام إيران بالاتفاق، بما يؤكد الالتزام بسلمية برنامجها، فإن تكرار التنديد بعلاقات الجمهورية الإسلامية الإقليمية وقدراتها الصاروخية الباليستية يؤكد الرؤية الأميركية لمسار التفاوض المستهدف وعناوينه. 

وللدلالة على ذلك، إنَّ التغيير الذي طال شخص الرئيس الأميركي بعد انتخابات العام 2020 لم ينعكس تحوّلاً على مستوى الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. 

وبعد خطاب انتخابيّ ارتكز على مشروع يعكس تحولاً جذرياً في السياسات الخارجية، التزم الرئيس الأميركي الحالي جون بايدن بالخطوط العريضة للدولة العميقة تجاه الجمهورية الإسلامية؛ فخيار العودة إلى التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني لم يستند إلى رؤية خطة العمل المشتركة للعام 2015، لناحية الالتزام الإيراني ببنوده وضمان سلميّته مقابل رفع العقوبات. 

المفاوضات التي دخلت جولتها الثامنة لم تنعكس لدى الجانب الغربي التزاماً بأطر الاتفاق النووي للعام 2015، الذي يُفترض تصنيفه في مصلحة الجمهورية الإسلامية، الملتزمة بقرار سيادي بعدم امتلاك سلاح نووي، والباحثة عن مخرج يحررها من آلاف العقوبات المرهقة لبنيتها الاقتصادية والإنتاجية والمجتمعية، إنما تخطَّت حدود البحث في تقنية العودة إلى الاتفاق لتطال جانباً سيادياً ترفض الجمهورية الإسلامية الخوض فيه.

ولذلك، حين نجحت الجمهورية الإسلامية بتثبيت رؤيتها إلى مسار التفاوض، وكرّست لدى الأطراف المفاوضة قناعة بعدم جدوى البحث خارج الإطار المحدد في العام 2015، بدأت القوى الغربية، إضافة إلى الكيان الإسرائيلي، بتنفيذ مخطّط يستهدف أسس التفاوض الدبلوماسي، عبر التهديد بشن ضربات عسكرية على مواقع نووية، ويحاول تكريس معادلة جديدة تستهدف برنامج الجمهورية الإسلامية الباليستي. 

وبناء عليه، لم تكن المناورات الأخيرة التي أجرتها الجمهورية الإسلامية تحت مسمى "مناورات الرسول الأعظم 17" خارج سياق تواتر الأحداث الأخيرة، إذ يمكن تصنيفها ضمن إطار قدرة الجمهورية الإسلامية على القراءة بين سطور التصعيد الكلامي للقوى الغربية والكيان الإسرائيلي، فمقابلة التشكيك الأوروبي في نتائج المفاوضات بمناورات شهدت إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية الدقيقة ساهمت في كيّ وعي الأطراف الغربية والكيان الصهيوني، عبر التأكيد على إبقاء البرنامج الصاروخي خارج نطاق التفاوض، وإصرارها على المعادلة التقنية للتفاوض.

من ناحية ثانية، تعكس طبيعة المناورات الدفاعية وتأكيد القادة الإيرانيين أنّها موجّهة ضد الكيان الإسرائيلي وتهديداته طابعها كحق سيادي في إطار الردع الدفاعي المستند إلى تصريحات القادة الإسرائيليين المتكررة حول نيتهم ضرب المنشآت النووية الإيرانية، في حال عدم خضوع الجمهورية الإسلامية للضغوطات الغربية. 

ولذلك، لم يكن تصريح الجنرال ماكنزي الأخير عرضياً أو عفوياً، فاعتباره أن البرنامج الصاروخي الإيراني بات يشكل تهديداً مباشراً أكثر من البرنامج النووي تقاطع مع التنديد البريطاني بالمناورات، واعتبارها خرقاً للقرار 2231، وتهديدها للسلم الإقليمي والأمن الجماعي، ما يندرج في سياق التجاذبات التي تسبق الجولة الثامنة.

انطلاقاً مما سبق، يمكن الاستنتاج أنَّ إطالة أمد التفاوض عبر تعدّد جولاته تعكس انقساماً حول الرؤى التي يفترض أن ترسم إطار الحل النهائي. ولذلك، عكست المناورات الأخيرة، إضافة إلى التصريحات الإيرانية المنددة بالدور السلبي للقوى الأوروبية، إشكالية ستفرض نفسها ضيفاً ثقيلاً على طاولة الجولة الثامنة في فيينا، فالبرنامج الصاروخي الباليستي قد يؤدي دور الشيطان الكامن في تفاصيل المفاوضات المنعقدة في فيينا.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP