نهرو في ذكرى دولة سايكس- بيكو
قبل 65 عاماً، ألقى جواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند آنذاك، كلمة طويلة أمام مؤتمر باندونغ 1955، نعيد نشر هذه الفقرات منها، كما لو أنه يتحدث هذه الأيام:
تشغلون أنفسكم باللحظة التي مضت، وليس باللحظة القادمة. تطلبون الاستقلال. حسناً، تطلبون الحرية! حسناً أيضاً، سوف يعطونكم ما تطلبون، وسوف يوقّعون معكم على قصاصات ورق. لم يعد في ذلك شكّ لأسباب كثيرة، أولها أنه لم يعد بمقدورهم أن يسيطروا عليكم بقوة السلاح، ولسبب ثانٍ، هو أنهم لم يعودوا راغبين في السيطرة عليكم بقوة السلاح.
سوف تتولون المسؤولية، وسوف تجدون أنفسكم رؤساء لشعوبكم. لديكم قصور رئاسية، ولديكم حرس وناس، ولديكم سيارات رئاسة، وربما طائرات. ليس هذا هو المهم، هل تجدون لديكم سلطة؟ لست متأكداً من ذلك.
رعاياكم سوف يطلبون منكم "جوائز" الاستقلال، ومن حقهم أن يتوقعوا تحسين أحوالهم بعد الاستقلال... فهل لديكم ما تعطونه لهم؟ أشكّ كثيراً في ذلك.
لماذا؟ لأنكم جميعاً منهوبون. مواردكم نهبت فعلاً أو هي مرتبطة بنظم دولية تواصل عملية نهبها. وإذا لم تكن لديكم سلطة غير سلطتكم على رعاياكم، وإذا كان هؤلاء الرعايا سوف يطالبونكم بما سوف تكتشفون أنه غير موجود، فماذا سوف تفعلون؟ تغيّرون اتجاه سلاحكم من أعدائكم القدامى إلى أعداء جدد سوف ترونهم داخل بلادكم؟
ماذا ستفعلون؟ سوف تجدون في بلادكم طبقات أكثر قوة من جماهير شعوبكم، لأنهم تعلموا كيف يتعاملون مع النظام القديم، وفي ظله وحماه، كوّنوا ثروات ورتبوا مصالح، فإلى من سوف تنحازون؟ إلى القلة القوية أم إلى الأغلبية المقهورة؟
إن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم مسبقاً، وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي قروضاً، فهل سألتم أنفسكم من هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي؟ إنهم جلادوكم السابقون أنفسهم.
أخشى أن أقول لكم إنكم تذهبون إلى الأسياد القدامى، طالبين منهم أن يساعدوكم على مسؤولية الاستقلال، فأي وضع هذا الذي تستنجد فيه الضحية بالجاني، حتى تساعده على تلافي آثار جريمته. جريمة الاستعمار لن تصحّحها قروضه، إنما سوف تزيدها سوءاً.
جماعات كثيرة داخل أوطانكم سوف تطالب بحقوق في الداخل سكتت عليها لأنها اختارت ألا تكسر الوحدة الوطنية في ظروف المطالبة بالاستقلال، لكنها بعد توقيع قصاصة الورق، سوف تجد أن الفرصة ملائمة لتطالب بها أقليات عرقية وعنصرية ودينية. سوف تطالب بترتيبات خاصة، نوع من الحكم الذاتي، نوع من تحقيق الهوية الذاتية. وربما يكون هناك تشجيع من قوى السيطرة القديمة، فقد تعلّمت بتجربتها أن تتعامل مع الأقليات من كل نوع.
سمعت بعضكم يتحدّث عن عضوية الأمم المتحدة وكأنها ملكوت الله. تطلبون فتجابون، هل هذا صحيح؟ الأمم المتحدة بلا فاعلية. ربما يقول لي بعضكم إن دخول عدد كبير من الدول الحديثة الاستقلال إليها، سوف يحقنها بالفاعلية. أخشى أن العكس سيحدث. وبصراحة شديدة، القوة الحقيقية في العالم لا يمكن أن تتحقق بعملية حساب تجمع أو تطرح فيها الأصوات.
إذاً، سوف يتركون لكم الأمم المتحدة، تتكلّمون فيها على هواكم، ثم تكتشفون أنها أصبحت مجرد نادٍ أو مقهى يذهب إليه المندوبون ليشربوا الشاي ويلعبوا. وبدلاً من أن يلعبوا بالورق، سوف يلعبون بالكلام.
إنّ السيطرة الجديدة لن تكون بالجيوش، ولكن بالتقدم. التقدم هو وسيلة السيطرة الجيدة. أنتم متقدمون، إذاً أنتم سادة. أنتم متخلّفون، إذاً أنتم مقهورون، مهما وقّعتم من قصاصات ورق، ومهما رفعتم من قصاصات قماش سمّيتموها أعلاماً.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً