قبل سنە
موفق محادين
214 قراءة

الخلفيّة الإقليمية للتصعيد الصهيوني

الاشراق | متابعة.

التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي يتجاوز كلّ حدود الإجرام والانحطاط، يؤكد أن البذرة التي تشكّل منها هذا الكيان وشبّ عليها وطبعت تركيبته الاجتماعية وسلوكه، لا تعيش إلا على ضفاف المياه الآسنة لحاضنته الإمبريالية.

قبل أن نتناول ما وراء التصعيد الصهيوني الهمجي ضد الشعب العربي الفلسطيني، أرضه ومخيماته ومدنه وقراه، والتداعيات السياسية لذلك وردود الفعل المخزية عربياً ودولياً، لا بد من تأكيد أن هذا التصعيد الذي يتجاوز كل حدود الإجرام والانحطاط، يؤكد أن البذرة التي تشكّل منها هذا الكيان وشبّ عليها، وطبعت تركيبته الاجتماعية وسلوكه السياسي والعسكري والأيديولوجي، لا تعيش إلا على ضفاف المياه الآسنة لحاضنته الإمبريالية، من بريطانيا ومصالحها على طريق الهند الشرقية، إلى واشنطن على طريق النفط ومواجهة قوى وحركات التحرر العربية والعالمية خلال الحرب الباردة. 

ما وراء التصعيد الصهيوني... من فلسطين إلى محور المقاومة
صحيح أن حكومة نتنياهو مثل الحكومات الفاشية تحاول الهرب من أزماتها المستعصية وقضايا الفساد التي تلاحقها، إلا أن هذه الإحالة الشائعة في الإعلام الصهيوني والعربي والدولي، ليست هي المحدّد الأساسي في العدوان الإجرامي الصهيوني المتصاعد، بل إن الأزمات الداخلية للكيان لم تشكّل يوماً عاملاً حاسماً في أي لحظة من لحظات اعتداءاته وتوسّعه الخارجي، بما في ذلك عدوان حزيران 1976 الذي سوّغته قراءات يسارية كهروب من أزمة داخلية.

فالاعتداءات الصهيونية المتواصلة على الفلسطينيين والجنوب اللبناني والمحيط العربي، شديدة الصلة، أوّلاً بالجوهر العدواني التوسّعي للكيان نفسه ولا تحتاج إلى أي ذرائع ومسوّغات، وشديدة الصلة ثانياً ببرنامج أميركي للتصعيد ضد عموم قوى وأطراف محور المقاومة بما في ذلك سوريا وإيران. 

إن ما وراء العدوان الأخير تحديداً، أوسع من ذلك ويتعلق بأهداف صهيونية وإقليمية ودولية، طارئة واستراتيجية، تمتد من فلسطين إلى سوريا وإيران: 

1-فلسطينياً، إن تركيز العدو على أهداف بعينها في مخيم جنين وغزة ومناطق في نابلس ليس بعيداً عن المناخ العام الذي يميّز هذه المناطق كمدخل كفاحي من أجل الالتحام مع محور المقاومة، واستكمال حلقاته في النقطة الأكثر حساسية للتحالف الآخر، الإمبريالي – الصهيوني والنفط السياسي. 

فالجهاد الإسلامي التي نجحت في توسيع حضور شعبي مقاوم في المناطق المذكورة، ومثلها العديد من الأجنحة في كتائب الأقصى والجبهة الشعبية، ينظر إليها من قبل العدو الصهيوني وتحالفاته كخطر داهم يهدّد كل ما راكمه الاحتلال على طريق الإخضاع والتطبيع، ولا سيما أن القوى الفلسطينية المذكورة لم تتورّط لا في لعبة السلطة والصراع عليها، ولا في أوهام التسوية ومشاريعها.

ويعرف المتابعون والباحثون كيف أن تقرير هرتزيليا الصهيوني السنوي منذ تأسيسه عام 2000، اتخذ من محور المقاومة بما في ذلك إيران هدفاً دائماً له، وكيف نجح العدو الصهيوني وفريقه العربي والدولي في اختراق قانون التناقضات والأولويات، عبر تنحية سياسية لساحة هذا التناقض من الساحة الفلسطينية، والصدام مع العدو الصهيوني إلى جبهة أخرى مفتعلة، هي إيران، وهو ما يعني أن تصاعد دور الفصائل المذكورة يعني وقفاً لهذا الاختراق وتصحيحاً للبوصلة عند أوساط واسعة فلسطينياً وعربياً.

وبقدر ما كان ذلك هاماً وضرورياً على الصعيد الفلسطيني، فقد أربك قطاعاً واسعاً من النظام الرسمي العربي ومنابره بعد سنوات من الاستثمار في الكراهية الطائفية، قبل أن تدفعه المماطلات الأميركية وعدم الثقة بقدرتها على حمايته إلى فتح قنوات سرية ثم علنية مع إيران. 

وبقدر ما كان استهداف القوى الفلسطينية الملتحمة مع محور المقاومة، هدفاً صهيونياً مباشراً، ثمة أطراف عربية ودولية لها مصلحة في هذا الاستهداف وعينها على محور المقاومة وتحالفاته. 

2-بالتوازي مع الحملة الصهيونية الإجرامية على قوى فلسطينية معينة، ثمة تسخين بالنار ضد إيران وسوريا، الأولى عبر تحريك الجماعات المأجورة على حدودها شرقاً وغرباً، شرقاً الجماعات التكفيرية وحركة العدل، وغرباً الأذرع العسكرية الكردية المرتبطة بالأطلسي، كما يشار كذلك إلى النشاط التجسّسي الأميركي – البريطاني – الصهيوني ضد إيران الذي ينطلق من أذربيجان وأربيل. 

أما على الجبهة السورية، فهناك التسخين في الأجواء بين الطائرات الأميركية والطائرات الروسية والسورية، إضافة إلى القصف الإجرامي الذي تقوم به طائرات العدو الصهيوني والجماعات التكفيرية على أهداف مدنية وعسكرية في سوريا. 

3-محاولات العدو تجديد مكانته الإقليمية المتأكّلة، سواء بإظهار نفسه قادراً على خدمة المنظومة الإمبريالية، أو بخلق مناخات خطرة لموجات جديدة من "الترانسفير"، ومما يغذي هذه الاستراتيجية العدوانية التوسعية، أن الفضاء الاجتماعي داخل الكيان بات فضاءً للأفكار التوراتية التي تنهل من أكذوبة أرض الميعاد. 

وليس بلا معنى تزامن التصعيد الصهيوني مع محاولات عربية ودولية لإحياء مشاريع قديمة جديدة، تستجيب للتكتيك الصهيوني بذريعة الحد من تطرّفه، ومن ذلك مشاريع الكونفدرالية والبينيلوكس الثلاثي (مركز إسرائيلي ومحيط أردني فلسطيني تابع) وما يعرف بالمبادرة العربية، ناهيك بالطبعة المعروفة من الإبراهيمية السياسية المحمولة بإزاحة تاريخية مزوّرة للصراع برمّته، وتحويله إلى صراع ديني بين أبناء إبراهيم آن له أن يتوقّف.

يشار كذلك إلى أن المحاولات المذكورة باتت مرعوبة من استطلاعات الرأي العام الفلسطيني الأخيرة، التي أظهرت أن 70% من الفلسطينيين يدعون للعودة إلى الينابيع الأولى للقتال والمقاومة، بدلاً من تغذية الأوهام حول حلول هنا وهناك، ومنها وهْمُ الدولة الفلسطينية (استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، جريدة الغد الأردنية، 6 تموز 2023)، وهو ما يعني أن هذه النسبة هي استفتاء على خط القتال كما تمثّله القوى الملتحمة اليوم مع محور المقاومة.

تداعيات في كل الاتجاهات
1-بعكس ما يبدو تبريداً للأجواء السياسية في المنطقة، فإن المؤشرات المذكورة تسمح لنا باستنتاج العكس تماماً، وانتظار أشهر ساخنة على أكثر من جبهة.

صحيح أن الحوار السعودي – الإيراني قطع أشواطاً ملموسة، وثمة تحريك أيضاً للمفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي، إضافة إلى استعادة سوريا لمقعدها الطبيعي في الجامعة العربية، إلا أن ذلك على أهميته لا يقود تلقائياً إلى استنتاجات هادئة، وربما فإن التصعيد أكثر هو الذي قد يقود إلى هذا الهدوء.

في هذا السياق أيضاً، ثمة مؤشرات على استدارة تركية جزئية نحو الأطلسي من جديد مع محاولة الحفاظ على علاقاتها المعروفة مع روسيا وإيران، ومما يعزّز هذا الاستنتاج نهاية مئوية اتفاقية لوزان بالتزامن مع الوعود التي قطعها إردوغان لحلفائه القوميين والعنصريين بشأن الموصل وحلب. 

إلى ذلك، وفي كل الأحوال فإن ما سبق يتطلّب ما هو أكثر من اليقظة، إلى الاستعداد لكل الاحتمالات، وفي مقدّمة ذلك تعميق جبهة المقاومة وتعزيز وحدتها.

2-برهنت معركة مخيم جنين أن المسيرة الطويلة للصراع مع العدو، كان يمكن أن تكون أقصر من ذلك لو غابت أوهام التسوية، ولو كانت إرادة القتال والمقاومة حاضرة على هذا النحو من جولات الشرف والبطولة في مخيم جنين، كما جنوب لبنان منذ ظهور حزب الله وصعوده. 

فإذا كان بمقدور مخيم صغير أن يظهر كل هذه القوة والصلابة والعزيمة لمجرد أن أبطاله امتلكوا إرادة القتال والإيمان بقضيتهم وبانتصارهم، فكيف لو كانت هذه الإرادة هي السائدة على الصعيدين الفلسطيني والعربي. 

كما برهنت معركة جنين والنمط المقاوم المتصاعد الأخير أهمية وحدة المقاومة على مستوى الإقليم، وانعكاس ذلك في التطور الملحوظ لأشكال الاشتباك مع العدو، فهذه الوحدة إضافة إلى طابعها الموضوعي الناجم عن وحدة أطراف المعسكر الآخر أيضاً، تستجيب للمؤشرات والمعطيات الجديدة الناجمة عن أزمة الكيانات وآفاقها المسدودة، في عالم متغيّر ينعكس على شكل الشرق الأوسط الجديد برمته، وهي الاستجابة التي تستدعي في هذه الحالة وبسببها أشكالاً متنوعة من العمل السياسي، على رأسها خطاب وثقافة المقاومة على مستوى الإقليم.  

3-من زاوية أخرى وفيما يتعلق بالعدو الصهيوني وتركيبته الاجتماعية والسيكولوجية ووظيفته الإقليمية، فقد أظهرت جرائمه المتواصلة أن كل حديث عن التعايش معه هو محض أوهام ومضيعة للوقت، وأن الطابع التناحري معه يتكرّس يوماً بعد يوم، ولا سبيل لحسمه بالركون إلى أوهام حل الدولة أو الدولتين أو العصيان المدني، بل عبر القتال والتعبئة الميدانية والسياسية والإعلامية والثقافية. 

يضاف إلى ذلك أن الفشل الصهيوني المتلاحق في أي جولة من جولاته العدوانية، سواء بعد اعتداءاته على لبنان وخاصة عام 2006 وفشله أمام حزب الله، أو بعد اعتداءاته على غزة ومخيم جنين ومناطق نشاط المقاومة الأخرى، يعزز أكثر فأكثر خط المقاومة والاشتباك وجدواه، وينقل هذا الكيان يوماً بعد يوم من قوة متغطرسة إلى قوة برسم الأفول، كيان مؤقت وفق توصيف الأمين العام لحزب الله.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP