شريط إخباري 1949.. ما أشبه اليوم بالبارحة!
من بين المصادر أو المراجع التي أتابعها خلال دراسة حول جماعات الإسلام الأميركي البريطاني، جريدة "النهضة"، ولا سيما أعدادها التي صدرت بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر من العام 1949، وهي جريدة أردنية صدرت في عمّان، بإشراف صاحب الامتياز إسماعيل البلبيسي وتمويله، وتحرير أكرم الخالدي.
وقد وجدتُ من المناسب وضع الأصدقاء والقرّاء في صورة هذه الأعداد وبعض الموضوعات التي تهمهم، لما فيها أيضاً من مفارقات "راهنة"، ومن ذلك:
1- في الشأن المصري، السلطات تلاحق الجماعات الإرهابية الأصولية.
2- في الشأن الليبي، صراع بين الأمير إدريس السنوسي (صار ملكاً) وعبد الرحمن باشا عزام، أول أمين عام لجامعة الدول العربية، على تولي ولاية برقة قبل توحيدها مع ليبيا، ما يشي بأنَّ عزام من أصول ليبية (مصادر أخرى تحيله إلى مدينة الشوبك الأردنية). وفي هذا الشأن، نقرأ أنَّ بريطانيا، ومقابل دعم مصر لعزام، كانت تمتلك حضوراً في طرابلس ومصراتة، التي شهدت، وبرعاية بريطانية، انعقاد مؤتمر عام أعلن توحيد برقة وطرابلس وفزان في دولة واحدة بزعامة السنوسي.
3- في الشأن السوري آنذاك، صراع ثلاثي أميركي - بريطاني - فرنسي أسفر عن انقلابات عسكرية متتالية: حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي. وقد تمحورت عناوين الصراع حول خط أنابيب التابلاين والموقف من الصراع العربي – الصهيوني. في تلك الفترة كان حسني الزعيم مقرباً من الأتراك والفرنسيين والأميركيين، ومن مصر الملك فاروق، مقابل سامي الحناوي الذي أطاح به وقتله بدعم بريطاني، واشترك معه ميشال عفلق والبيطار والحوراني (ما عرف لاحقاً بالجناح العراقي للبعث).
ولعلّ أهمّ المحطات في تاريخ حسني الزعيم، بحسب الجريدة، استدراجه أنطون سعادة، وتسليمه إلى الحكومة اللبنانية التي قامت بمحاكمته وإعدامه خلال 24 ساعة، وكذلك استعداده لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أراضي الجزيرة، واستعداده للانخراط في حلف ضد الاتحاد السوفياتي (أساس حلف بغداد - أنقرة اللاحق)، وموافقته على ألا تستخدم أسلحة هذا الحلف ضد "إسرائيل"، ومبادرته إلى هدم التحصينات الحدودية مع العدو.
4- في الشّأن اللبناني، كان الأبرز خلال هذه الفترة حكومة رياض الصلح في عهد الرئيس بشارة الخوري، كما كان فؤاد شهاب يتولى قيادة الجيش. وإضافة إلى صراع هذه الحكومة مع القوميين السوريين، وملاحقة سعادة وإعدامه، وإعدام العشرات من رفاقه، فقد أبدى رياض الصلح، بحسب الجريدة، مواقف مشابهة لحليفه في دمشق، حسني الزعيم، من الصراع العربي - الصهيوني، ودعا إلى حل قضية اللاجئين بتوزيعهم على البلدان العربية، ونقلهم من جنوب لبنان إلى شماله، كما شهدت بيروت في أيامه انعقاد مؤتمر زراعي دولي بمشاركة إسرائيلية.
وكما قتل الزعيم في سوريا بعد أشهر قليلة من حكمه، فقد قُتل الصلح بعد عامين في العاصمة الأردنية عمّان، على يد أعضاء في الحزب السوري القومي.
أيضاً من الأخبار ذات الصلة بالشأن اللبناني خلال حكومة الصلح، ملاحقة الحزب الشيوعي اللبناني، وازدياد قضايا تهريب السلاح والبضائع مع الحدود السورية، وكذلك تفاؤل رئيس مجلس النواب آنذاك، صبري حمادة، بإلغاء الطائفية في القريب العاجل.
5- في شأن المحافل الإسلامية (البريطانية والأميركية)، نشاطات مكثفة في باكستان، لتشكيل اتحاد إسلامي ضد الاتحاد السوفياتي، وعقد مؤتمر للتعاون الاقتصادي الإسلامي. وبحسب الجريدة، أظهرت الحكومة البريطانية عطفاً آخر، غير العطف في وعد بلفور، على رغبة الجالية الإسلامية في لندن بتشكيل مجلس خاصّ بها لجمع كلمتها ورصّ صفوفها، بدعم الصديقة العظمى بريطانيا.
ويُلاحظ هنا ارتباط كل ما سبق بتشكيل باكستان نفسها كمركز إسلامي في آسيا (ترافق مع تشكيل دولتين على أسس طائفية أيضاً، هما "إسرائيل" اليهودية وجنوب أفريقيا المسيحية). ولم تتوقف دولة الديموقراطية العلمانية (بريطانيا) عند هذا الحد من العطف المذكور، بل أدت مع مخابرات دولة علمانية أخرى هي الولايات المتحدة الأميركية دوراً معروفاً في تصعيد إسلام على مقاس (M.I.6) في تركيا، بزعامة مندريس (سلف إردوغان)، مقدّمة لإعلان حلف بغداد - أنقرة الذي أسقطه الوطنيون العرب لاحقاً. وبوسع المهتمين بتاريخ وتفاصيل العطف والحبّ البريطاني لـ"مسلمي الشرق" العودة إلى كتاب المؤرخ البريطاني كورتيس، وهو علماني أيضاً.
6- في الشأنين الأردني والفلسطيني، يصحّ عليهما القول الدارج: "ما أشبه اليوم بالبارحة!"، مع غياب التفاؤل الذي أظهره فوزي الملقي، وزير الدفاع الأردني آنذاك (صار رئيساً للوزراء لاحقاً، وكذلك ابنه الدكتور هاني الملقي، ثم قريبه الدكتور عمر الرزاز (الملقي)، وذلك على غرار عائلة الرفاعي التي تولى 4 منها رئاسة الحكومة، الحفيد والأب والجد (سمير بن زيد بن سمير، إضافةً إلى العم عبد المنعم). ففي تصريح للملقي آنذاك، وكان أحد المشاركين في مفاوضات لوزان 1949، قال إنّ حلّ قضية فلسطين بات قريباً.
والمهم هنا المشاريع التي أُطلقت تباعاً في تلك الأيام، وكانت تربط بين المشاريع الاقتصادية للمنطقة، وتوطين اللاجئين، وتجنب الحديث عن التسلّح (خطاب يذكّرنا بدعوة الأميركيين إلى نزع سلاح المقاومة مقابل عطف البنك وصندوق النقد الدوليين). ففي مقابل "صفقة القرن" مثلاً، طرحت مشاريع مثل "مارشال" للشرق الأوسط ومشروع "ماجي" الأميركي والتوطين مقابل الاستثمار، كما أعلنت شركة "أرامكو"، بحسب الجريدة، عن استعدادها لتوظيف ألف فلسطيني.
أيضاً، وفي مقابل شمعون بيريز ومشروعه "الشرق الأوسط الجديد"، ظهر المندوب البريطاني الأسبق اليهودي هربرت صموئيل كسلف غير صالح لبيريز، داعياً إلى ضم "الضفة الغربية" إلى الأردن (جرى ضمّها بعد ذلك)، وإلى قيام شرق يهودي - عربي يسوده السلام والوئام (تحت السيطرة الصهيونية طبعاً).
ومن الموضوعات الأخرى ما يذكّرنا بما نسمعه هذه الأيام عن ميناء حيفا، كمركز يربط فلسطين المحتلّة مع الخليج، بحيث يكون بديلاً من الأراضي والموانئ السورية واللبنانية، ومن ذلك ما جاء في مشروع صموئيل، كما في تصريح صدر عن لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي نوري السعيد مع نظيره البريطاني.
ويُشار في الشأن الأردني أخيراً إلى مقال دعا إلى اللامركزية التي أظهرت التجارب الأخيرة أنها تتعدى البعد الإداري إلى ما يتصل بأشكال من الدولة برسم التفكيك في أية لحظة.
7- في الشأن الدولي، هناك العديد من الموضوعات التي تستدعي مقاربات راهنة، ومنها عناوين مثل:
- قمع الزنوج في معقل (الحرية) الأميركي.
- اجتماع في لندن حول العملة وتأثير الدولار (الاجتماع جرى بعد هزيمة المدرسة الإنجليزية الكينزية أمام مدرسة الدولار في بريتون وودز).
- هل يحاكم الرئيس الأميركي على غرار النازيين؟ (المقصود ترومان الذي أخذ قرار قصف المدن اليابانية بالقنابل الذرية).
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً