قبل 11 شهور
موفق محادين
146 قراءة

عن سوريا وقمة جدة

الاشراق | متابعة.

من المستهجن حقاً ما يصدر من تصريحات، على لسان هذا المسؤول السياسي والإعلامي العربي أو ذاك، بشأن عودة سوريا، وربط هؤلاء لهذه العودة بإجراء إصلاحات سياسية، مع ما يسمونه المعارضة، ومراجعة علاقاتها المتينة بإيران.

ما بين دمشق وجدة، ثلاثة عناوين كانت محور الاهتمامات السياسية والإعلامية: خطاب الأسد، ربط البعض بين استعادة سوريا مقعدها في الجامعة وبين دعوتها إلى الإصلاح السياسي، وخفايا النظام الرسمي العربي وخلفيات العودة إلى دمشق. 

الأسد، خطاب القول الفصل

 بقدر ما أكد الرئيس السوري، د. بشار الأسد، حرص سوريا على عمل عربي مشترك انطلاقاً من مصالح الأمة وقضيتها المركزية، فلسطين، بقدر ما أكد مواقف سوريا الثابتة وعدم المساومة على عودة مستحقة إلى الجامعة ضمن إطار الحد الأدنى من التضامن العربي. 

لقد أكد الخطاب، بلا مواربة: 

-         لا أحد يزايد على عروبة سوريا، فهي قلب العروبة، وفي ذلك رد واضح ولا لبس فيه على المشككين من جهة، وعلى جهات حاولت جر سوريا إلى الانقطاع عن أمتها، باسم دارج عرفته بلدان وهيئات أخرى: "يا وحدنا". 

-         إن الترحيب باستعادة سوريا مقعدها في الجامعة، هو بمثابة تصحيح لمواقف الجامعة خلال العشرية السوداء، التي عمقت النزاعات والتناحرات بدلاً من تعزيز التضامن، وغطت الإرهاب الدموي بدلاً من إدانته ومقاومته. 

-         الربط الوطني الجدلي بين الصهيونية، والاستراتيجية العدوانية للغرب، وبين الليبرالية المتوحشة، والعثمانية الجديدة، في نكهتها الإرهابية التوسعية والإخوانية. 

-         تأكيد أهمية الفرصة الجديدة للعرب، لكن ليس بأي ثمن، مؤكداً المقاربة السورية للفرص من موقع وطني. 

-         صحة المقاربة السورية التاريخية لبداية العد العكسي لنهاية القطبية الأميركية وبزوغ عالم متعدد الأقطاب. 

-         والأهم الأهم، تأكيد الأسد أن سوريا ستظل الوحيدة المعنية بقضاياها الداخلية، على الرغم مما عاشته تحت العدوان ومما تعيشه من حصار، ولا مكان لأيّ تدخلات فيها مهما كانت، ومن أي مصادر جاءت. 

عندما يتحدث النظام العربي عن الإصلاح

 من المستهجن حقاً ما يصدر من تصريحات، على لسان هذا المسؤول السياسي والإعلامي العربي أو ذاك، بشأن عودة سوريا، وربط هؤلاء لهذه العودة بإجراء إصلاحات سياسية، مع ما يسمونه المعارضة، ومراجعة علاقاتها المتينة بإيران، ومثلهم ما أطلقته عواصم أطلسية، أوروبية وأميركية، من تصريحات تحمّل سوريا مسؤولية الجماعات الإرهابية فيها. 

للتعقيب على ذلك:

-         ما النظام العربي الذي أجرى مصالحة مع شعبه ولم يزوّر هذه الإرادة عبر الانتخابات وترويض المعارضة والنقابات؟ 

-         ما النظام الذي أجرى إصلاحات حقيقية وكرّس الشفافية في إدارة الدولة وأموالها، وسمح بالحد الأدنى من تداول السلطة؟ 

-         مع تأكيد المشروعية والأهمية والضرورة للمعارضة الوطنية، وحقها في تداول السلطة، هل تعبّر الأطياف العامة للمعارضة السورية "المعتدلة"، ناهيك بالتكفيرية، عن شيء من ذلك، أم أنها متورطة، من رأسها حتى أخمص قدميها، في علاقات واستحقاقات مشبوهة مع السفارات الأطلسية الأميركية والأوروبية، وأكثر من محمية من محميات النفط والغاز المسال، ومن منها لا يدعو إلى إعادة هيكلة الدولة برمتها، والاقتصاد والجيش وفق الشروط والإملاءات للبنك الدولي، وكذلك العدو الصهيوني، فيما يخص الجيش السوري.

-         فيما يتعلق بالتحالف الوثيق بين سوريا وإيران، ماذا عن تورط أغلبية البلدان العربية في علاقات وثيقة بـ"تل أبيب" العدوة، والتناقض التناحري لكل الأمة، ناهيك بهواتف منتصف الليل من السفارات الأميركية التي تدق في معظم البلدان العربية.

-         فيما يتعلق بالجماعات الإرهابية، من الذي أغرق سوريا فيها واختلقها وموّلها ودرّبها ودفعها إلى التخريب فيها. 

-         أمّا بشأن المخدرات، فمن الذي أغرق آلاف الشبان العرب فيها، ودفعهم، في حالات هستيرية، نحو معسكرات الجيش السوري في درعا والقابون، ونحو معسكرات الجيش المصري في العريش وسيناء. 

ما وراء دعوتهم سوريا

 على مدار العقود السابقة، ظلت سوريا هدفاً دائماً لمحور الشر الدولي – الإقليمي المعروف، ممثَّلاً بالإمبريالية الأميركية والأوروبية والكيان الصهيوني والنفط السياسي، ومعها أوساط إخوانية وليبرالية. 

وفي إثر كل فشل لهذا المحور في سوريا، من حلف بغداد والتدخل التركي وشق وحدة الجيش السوري باسم "الجيش الحر" ضد حكم القوتلي في الخمسينيات، إلى إغراق سوريا بالدم بعد رفضها "كامب ديفيد"، وتأمين غطاء عربي للمتكالبين الخائفين والراغبين في الالتحاق بـ"كامب ديفيد" في الثمانينيات، كانوا يعودون إلى دمشق وما تمثله على الصعيدين العربي والدولي.

في العقد الأخير، في العشرية السوداء، والذي بلغ فيه تدخلهم في سوريا مستوىً إجرامياً لا مثيل له (نصف مليون مسلح من التكفيريين والمرتزقة والعملاء ومئات المليارات من الدولارات)، أخذ هذا التدخل، ولا يزال، شكلين: الإنهاك العسكري للدولة والجيش السوريَّين، ثم الإنهاك الاقتصادي عبر الحصار والتجويع والعتمة واستنزاف الاحتياطي الاقتصادي السوري، بما في ذلك الاقتصاد المنزلي، بالإضافة إلى تغذية تجار الحروب وسفالاتهم من أجل دفع السوريين إلى "الكفر" بأمتهم وهويتهم وتاريخهم الوطني. 

بالتزامن مع هذه المناخات، دخل الشرق الأوسط خضة متغيرات دولية وإقليمية على إيقاع تحولات كبرى، أطلقت العد العكسي فعلاً لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب، من مظاهره الصراع على مفاتيح الجغرافيا السياسية الإقليمية والدولية وحرب الموانئ، ومن ذلك أيضاً "أوراسيا" و"الحزام" و"طريق الحرير الجديد". 

وكان من التداعيات البارزة لذلك، على مستوى الإقليم، التفاهم السعودي الإيراني، وتبلور استراتيجيات ناعمة تتخذ الاقتصاد هذه المرة مادة للضغط والصراع معاً. 

ولربما كانت العشرية السوداء وإنهاك دولة مثل سوريا، وقبلها تحطيم العراق، واستنزاف إيران، جزءاً من مقدمات مبرمجة وصولاً إلى هذه اللحظة. ومن ذلك ما يمكن وصفه بسياسة الاحتواء المزدوج مع سوريا، بعد أن أيقن الحلف الآخر أن نزع سوريا من تفاهماتها التاريخية مع إيران وروسيا، ضرب من المستحيل، في الوقت نفسه الذي تتطلب سياسة الاحتواء المزدوج بناء بيئة لتجفيف الماء عن طاحونة الحلقات المزعجة والمقاومة، وبحيث يجري هذا التجفيف بأقل الخسائر السياسية الممكنة. 

من المؤسف أن ما تعرضت له سوريا، خلال العشرية السوداء، لم يكن بسيطاً على رغم سقوط المشروع الأميركي – الصهيوني – الإخواني – العثماني، والخسائر الهائلة في صفوف المرتزقة والتكفيريين ومموليهم (في التقديرات الأميركية أن نحو ربع مليون من هؤلاء قُتلوا أو أُصيبوا بعاهات دائمة). 

ومن المؤكد أن سوريا، في كل الظروف، كرست تقاليد راسخة فيما يخص هويتها العربية الوطنية وتحالفاتها السياسية، لكن التبعات الاقتصادية والاجتماعية لصمودها الأسطوري لم تمنع التشققات السياسية في جدارها الداخلي، الذي تميز أيضاً بتحالفات موضوعية طبقية داخلية ناجمة عن طبيعة المجتمع الاقتصادي السوري وتكوينه، ودور غرف التجارة والصناعة البرجوازية في كل ذلك، ونزعاتها التاريخية الخليجية مع السعودية، وهي النزعات التي ترافقت مع تغذية تيارات ليبرالية، تتقدم وتتراجع وفق ميزان القوى، داخلياً وخارجياً، في كل مرة. 

إذاً، ثمة تحولات في ساحة الصراع تقتضي من الأطلسي إعادة انتشاره في الشرق الأوسط في مقابل التركيز على محوري "أوراسيا" و"طريق الحرير"، وثمة مناخات إقليمية ودولية متسارعة تخدم حضوراً ملموساً لعدد من قوى النفط السياسي المعروفة، الأمر الذي يقتضي بالنسبة إليها تبريد البؤر الساخنة أو تطويقها. 

ولو أخذنا ملفات حساسة في الساحتين الفلسطينية واللبنانية لوجدنا أن السياسة المذكورة تقتضي في المحور الآخر أكثر من شكل لإدارة هذه الملفات، ففي مقابل القوى المروضة المعروفة ومواصلة ترويض أخرى ثمة أوهام عند محور الإمبرياليين والصهاينة وجماعات النفط السياسي إزاء القوى الراديكالية، مثل حزب الله. 

وكما يلاحظ، فإن الحديث عن فلسطين ولبنان يستدعي فورا الحديث عن سوريا، التي أظهرت تجاربها أن خط المرونة لديها ظل محصَّناً بصِمَامات أمان وطنية. 

أيضاً، على رغم تباين المواقف بين أصدقاء سوريا نفسها بشأن التبعات والتداعيات لعودة النظام الرسمي العربي إليها وأهدافه من وراء ذلك، على غرار الانفتاح على إيران بغية إضعاف وحدة محور المقاومة والممانعة، فإن من المنتظر من قوى المحور، الذي أدى صموده دوراً حاسماً في المآلات الحالية لعموم المنطقة والعالم، أن تفكر بعقل مشترك، بقدر ما يحترم خصوصية كل طرف، بقدر ما يبدي تماسكاً موحداً ولا يسمح لأيّ تشققات سياسية هنا وهناك بأن تتحول من مساحة خاصة للمناورة المشروعة، إلى فرصة للعبة الاحتواء المزدوج. 

ولنتذكرْ أن سياسات الاحتواء المزدوج، في عناوينها الأقل استفزازاً من الوقاحة الإمبريالية المعروفة، ليست جديدة، سواء مع سوريا أو إيران، وكان الفشل نصيبها.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP