دوافع قرارات حكومة نتنياهو الاستيطانية وانعكاساتها
الاشراق | متابعة.
تسريع وتيرة الاستيطان واتخاذ قرارات استيطانية متتالية لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تأتي رغبة من الأخير في توجيه رسالة احتجاج إلى إدارة بايدن على خلفية رفض تقديم دعوة له لزيارة البيت الأبيض، والحفاظ على تحالفه مع الصهيونية الدينية.
ضاعفت حكومة بنيامين نتنياهو، بشكل غير مسبوق، وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة وتقرر، خلال 6 أشهر، بناء 13 ألف وحدة استيطانية، وهو معدل يبلغ ضعف عدد الموافقات السنوية مقارنةً بحكومات العدو السابقة، وأعلن وزير مالية العدو بتسلئيل سموتريتش بناء 1000 وحدة استيطانية في مستوطنة "عيلي"، و 4500 وحدة في مستوطنات أخرى قبل عدة أيام، وتعهد بتنمية المستوطنات وتعزيز السيطرة على الأرض، كما تعهد برفع عدد المستوطنين إلى مليون مستوطن في الضفة الغربية، في ضوء تحويل صلاحيات البناء الاستيطاني من وزير أمن العدو يوآف جالانت، إلى سموترتش.
وأدرجت حكومة نتنياهو خطط الموافقة على 4560 وحدة سكنية في أماكن مختلفة من الضفة المحتلة في جدول أعمال المجلس الأعلى للتخطيط الإسرائيلي، وصادقت على تسريع خطوات البناء في المستوطنات، وقصر قرار مصادقة حكومة العدو على البناء الاستيطاني على مرحلتي التخطيط و طرح العطاءات فقط، من دون مصادقة المستوى السياسي على طرح مخططات البناء الاستيطاني في ما يسمّى "مجلس التخطيط الأعلى"، على غرار الإجراءات المتبعة سابقاً والتي كانت تقضي بأن يصادق رئيس حكومة العدو ووزير الأمن على أي مرحلة من مخططات البناء الاستيطانية، في عملية تقتضي الحصول على أربع عمليات مصادقة مختلفة أو أكثر تستمر عدة سنوات.
على الرغم من أن سياسة الاستيطان منسجمة في إطارها العام مع سياسة الأحزاب الصهيونية الرئيسية بشكل عام، وأحزاب اليمين الصهيوني بزعامة حزب الليكود، على وجه الخصوص، فإن تسريع وتيرة الاستيطان واتخاذ قرارات استيطانية متتالية لحكومة نتنياهو، يأتيان لأسباب داخلية وخارجية، أبرزها:
- رغبة نتنياهو في توجيه رسالة احتجاج إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على خلفية رفض الأخير تقديم دعوة لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض منذ توليه رئاسة حكومة العدو قبل نحو ستة أشهر، كما يعكس القرار عدم رضى نتنياهو عن مسار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، والتوجه الأميركي إلى توقيع اتفاق جزئي، من دون إطلاع الإدارة الأميركية "إسرائيل" على مسار المفاوضات، وعلى الرغم من أن قرارات حكومة نتنياهو الاستيطانية استدعت إدانة دولية وأميركية، وأدت إلى تأجيل انعقاد "منتدى النقب" لدول التطبيع المزمع عقده في المغرب، بإيحاء أميركي، على نحو عكس حالة التوتر وعدم الانسجام بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، فإن نتنياهو تعمّد اتخاذ القرار الاستيطاني، متجاهلاً ردود الفعل الدولية.
- رغبة نتنياهو في الحفاظ على تحالفه مع الصهيونية الدينية، وتثبيت التفاهمات الائتلافية مع سموترتش، التي منحته صلاحيات عمل واسعة تجاه الضفة الغربية، لا سيما في مجال الاستيطان، بما يتوافق مع برنامج سموترتش ووعوده تجاه قاعدته الانتخابية التي تتشكل بالأساس من المستوطنين المتطرفين، ورغبة نتنياهو في الحفاظ على استقرار الائتلاف الحكومي، الذي شهد حالة من عدم الاستقرار على خلفية التأجيل المتكرر للتعديلات القضائية، من خلال تصدير تسريع وتيرة الاستيطان كإنجاز يحظى بإجماع أحزاب الائتلاف.
- يسعى نتنياهو لامتصاص غضب المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية المحتلة، على خلفية تصاعد وتيرة المقاومة واستهداف المستوطنين، وآخرها العملية الفدائية التي أسفرت عن مقتل أربعة منهم، وأعقبها مطالبات قطعان المستوطنين وزعيم حزب القوة اليهودية إيتمار بن غفير بشن عملية عسكرية واسعة على الضفة الغربية المحتلة على غرار عملية "السور الواقي" عام 2002، الأمر الذي لا يتحمس له نتنياهو ولا المستوى العسكري، خشية تدحرج العملية إلى مواجهة واسعة، في ضوء فشل العدو في ترميم صورة الردع، وفشل عملية "كاسر الأمواج" في مواجهة عمليات المقاومة في الضفة الغربية.
قرار حكومة نتنياهو بتسريع وتيرة البناء الاستيطاني، ومضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، يعكسان مساعي اليمين الفاشي لتنفيذ خطة الضم للضفة الغربية المحتلة، والسيطرة الكاملة عليها، الأمر الذي سيقضي على فرص إقامة دولة فلسطينية، كما سيؤدي إلى مزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية، كما إلى تصاعد عمليات المقاومة، التي ستتحوّل تدريجياً إلى مقاومة شعبية شاملة في الضفة الغربية، وذلك مع تسارع وتيرة الاعتداءات التي تتعرض لها قرى الضفة ومدنها من زعران المستوطنين بحماية قوات الاحتلال ودعمها، وآخرها، عمليات الحرق والقتل التي تعرضت لها قرية ترمسعيا قضاء مدينة رام الله، على نحو سيدفع أبناء القرى والمدن الفلسطينية إلى تشكيل لجان حماية شعبية لمواجهة عدوان الاحتلال والمستوطنين، في ضوء عجز السلطة الفلسطينية عن القيام بواجبها تجاه المواطنين.
إن زيادة معدلات الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة سواء على صعيد بناء مستوطنات جديدة أو شرعنة البؤر الاستيطانية القائمة وإنشاء بؤر جديدة، واستجلاب مئات الآلاف من المستوطنين الجدد للاستيطان، سيحوّل الضفة الغربية المحتلة إلى حالة احتكاك واشتباك دائمة على المستويين الشعبي والعسكري، بين المستوطنين وقوات الاحتلال من جهة، والشعب الفلسطيني وقوى المقاومة من جهة أخرى، لا سيما في الضفة الغربية، على نحو سيضاعف عدد المنخرطين في خلايا المقاومة العسكرية، كما ستضعف السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية على أفراد الأجهزة الأمنية، في ضوء تآكل شرعيتها، ما سيدفع أفرادها إلى الانضمام إلى عمليات الدفاع عن أهلهم ومنازلهم وحقولهم، سواء بشكل رسمي أو فردي أو من خلال الانخراط في خلايا وكتائب المقاومة المسلحة، كما ستؤدي عمليات الفعل ورد الفعل إلى تمدد المقاومة من شمال الضفة الغربية المحتلة إلى وسطها وجنوبها، ما سيدفع العدو إلى توسيع نشر قواته، لما يزيد على نصف كتائب جيشه النظامي، ما يعني مزيداً من استنزاف العدو على جبهة الضفة الغربية، الأمر الذي سيربك خياراته وحساباته تجاه جبهات المقاومة المتعددة في الشمال والجنوب، وهو من أسوأ السيناريوهات التي يخشاها العدو.
إلى جانب التداعيات الميدانية للسياسة الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، ستنعكس إجراءات العدو على مسار التطبيع في المنطقة، وسيجد نتنياهو صعوبة في تنفيذ إحدى أبرز أولوياته، وتتمثل في توسيع "اتفاقات أبراهام" التطبيعية، لتشمل المملكة السعودية، وأحد مؤشرات تراجع المسار التأجيل المتكرر لـ"منتدى النقب" التطبيعي المزمع عقده في المغرب.
يعكس سلوك حكومة نتنياهو على المستويين الخارجي والداخلي ضعف قدرة نتنياهو على تحقيق أولوياته السياسية والأمنية، فعلى الصعيد الداخلي، ما زال الائتلاف الحكومي يتعرض لهزات بين الفينة والأخرى، في ظل تعرضه لحالة ابتزاز شبه دائمة من مكوناته، كما تراجعت سيطرته المطلقة على حزب الليكود على خلفية تعثر التعديلات القضائية، وعلى المستوى الخارجي، تشهد علاقة حكومته بالإدارة الأميركية والمجتمع الدولي توتراً ملحوظاً.
أمنياً، تتصاعد عمليات المقاومة وتتسع في الضفة الغربية، الأمر الذي سيدفع نتنياهو إلى المضي في سياسة توسيع الاستيطان، وسياسة أكثر عدوانية في مواجهة حالة المقاومة في الضفة، ما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى المقاومة الشعبية وتمددها، لتشمل في مرحلة متقدمة فلسطينيي الداخل المحتل، الأمر الذي سيقضم من مكانة العدو وصورته داخلياً وخارجياً.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة