تحولات الصراع مع العدو منذ تحرير الجنوب حتى سيف القدس
يحتفل لبنان وفلسطين وجماهير المقاومة في شهر أيار/ مايو، منذ عام 2000، بذكرى تحرير الجنوب اللبناني وطرد آخر جندي إسرائيلي عن أرضه. وتزداد الذكرى السنوية أهمية مع تزامنها مع الذكرى السنوية الأولى لمعركة سيف القدس. فما هي أبرز التحولات في بيئة الصراع مع العدو الاسرائيلي منذ تحرير الجنوب حتى معركة سيف القدس؟
تمكّنت المقاومتان اللبنانية والفلسطينية من تحقيق عدد من الإنجازات المهمة خلال 22 عاماً، ونجحت في تجاوز عدد من المحطات والتحديات الصعبة، وتسعى للبناء على ما تحقّق وتطويره في طريق حسم الصراع مع العدو الإسرائيلي، والانتقال من مرحلة الدفاع والردع إلى مرحلة الهجوم والحسم.
أبرز ما نجحت المقاومة في تحقيقه يتلخّص في النقاط التالية:
- تحرير الجنوب اللبناني، في الـ25 من أيار/ مايو 2000، وطرد العدو ودحره تحت ضربات المقاومة، من دون أيّ مفاوضات أو استحقاقات سياسية أو تنازلات أو شروط. وكان مشهد الهروب التاريخي لقوات العدو، وجره ذيول الخيبة، دليلاً على هزيمته النكراء، وانتصار المقاومة المستحق.
- تحرير قطاع غزة، في الـ15 من آب/ أغسطس 2005، وتفكيك كل المستوطنات الجاثمة على أرضه، وطرد المستوطنين واجلاؤهم، بفعل عمليات المقاومة، ومن دون شروط مسبقة، وهو ما يُعَدّ أول جزء من الأرض الفلسطينية يتم تحريره بالمقاومة، منذ وعد بلفور المشؤوم قبل أكثر من مئة عام، وما أعقبه من احتلال بريطاني حتى اغتصاب فلسطين من الكيان الإحلالي الاستيطاني الصهيوني عام 1948 .
- استمرار حالة الاشتباك والمواجهة مع العدو، وقدرة المقاومة على هزيمة العدو في خمس معارك كبيرة، ما عدا المواجهات والجولات والعمليات الفدائية المتعددة. فكان انتصار المقاومة اللبنانية في معركة تموز/يوليو 2006، وانتصارات المقاومة الفلسطينية في معارك 2008، و2012، و2014 ، والنصر البارز والمؤثّر في معركة سيف القدس في أيار/ مايو 2021 .
- عكست المعارك والمواجهات العسكرية، التي أعقبت تحرير الجنوب اللبناني وقطاع غزة، إلى جانب المقاومة الشعبية والمقاومة المسلّحة والعمليات الفدائية في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل، حالةَ التحدي والإصرار على مواجهة العدو، واستمرار الصراع والاشتباك معه، من أجل استنزافه وتدفيعه ثمن احتلاله وبقائه في الأرض الفلسطينية والعربية، وتشكيل حالة ردع له، وتطوير قواعد الاشتباك معه، الأمر الذي أدى إلى قضم صورته، وهزيمته في معركة الوعي والصورة، وتراجع ثقة جبهته الداخلية بجيشه المهزوم، وغير القادر على تحقيق النصر والحسم مع مقاومة محدودة القوة بالمقارنة مع قوة العدو العسكرية، وهو ما ترك تداعيات على البيئة الداخلية الإسرائيلية، وتعزيز الاستقطاب والانقسام والخلاف، داخلياً، وضعف النظام السياسي وعدم استقراره، في مقابل استعادة الثقة والوعي الجمعي الوطني والقومي، الفلسطيني والعربي والإسلامي، بإمكان هزيمة العدو وكسره ودحره عن الأرض الفلسطينية والعربية.
- تطوّرت مقدرات المقاومة وخبراتها من الناحية العسكرية، فلا يوجد مقارنة بين قدرات المقاومة العسكرية قبل 22 عاماً وبين قدراتها الآن. وليس أدل على ذلك من الكثافة النارية للمقاومة في معركة سيف القدس، والتي اقتربت من إطلاق 4000 صاروخ خلال 11 يوماً ، وهو العدد غير المسبوق في تاريخ الكيان، وباتت المقاومة اللبنانية تمتلك عشرات آلاف الصواريخ، منها صواريخ دقيقة، قادرة على استهداف مواقع العدو في أغلبية الجغرافيا الفلسطينية المحتلة، وأظهرت المعارك تنوع قدرات المقاومة وأسلحتها، الصاروخية، والجوية، والبرية والقتال خلف خطوط العدو، بالإضافة إلى القدرات الاستخبارية واللوجستية والدفاعية، وأبرزها سلاح الأنفاق والخنادق، ومراكز التحكم والسيطرة وغرف القيادة والعمليات تحت الأرضية، الأمر الذي يدلّل على أن المعارك والمواجهة مع العدو، بعد أن أكسبت المقاومة أراضيَ محررة، أكسبتها الخبرة، عسكرياً وقتالياً وميدانياً.
- تطور مستوى التحالف بين محور المقاومة، بالتدريج، من المستوى المحدود قبل نحو 20 عاماً، إلى المستوى المتوسط، حتى وصل إلى المستوى الأعلى، بعد معركة سيف القدس، ورسخت مكونات المقاومة محوراً عنوانه "القدس"، وربطت خطوطاً عسكرية بين القدس وبيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وطهران، وتفاعلت جماهير الأمتين العربية والإسلامية مع قضية القدس، وباتت مرشحة أكثر من أي وقت مضى للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، وفشل العدو في فصل الجبهات، وعزل المقاومة في فلسطين عن محيطها الحيوي، عربياً وإسلامياً، بعد أن فشل في فصل الساحات الفلسطينية، حتى أضحت فلسطين جبهة واحدة في مواجهة الاحتلال. ويستعد محور المقاومة لسيناريو حرب متعددة الجبهات ضد العدو الإسرائيلي.
يُضاف إلى ما حققته المقاومة منذ تحرير جنوبي لبنان، حتى معركة سيف القدس، تمكُّنها من تجاوز عدد من التحديات، والتغلب على كثير من المهددات، أبرزها:
- تجاوز المقاومة اللبنانية للخطر الداهم الذي هدّدها بعد التطورات التي أعقبت ما سُمِّي "الربيع العربي"، وما كشفه وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم بشأن تشكيل خلية دولية عربية أميركية، بموازنة تقدَّر بـ 2000 مليار دولار أميركي لإسقاط النظام السوري، وتجاوز محور المقاومة تداعيات تلك المرحلة، على قاعدة أن "إسرائيل" هي العدو المركزي للأمة، وأن قضية فلسطين وتحريرها هدف مشترك، وأن المقاومة الفلسطينية تشكل رأس الحربة في مواجهة العدو، الأمر الذي يستدعي دعمها وإسنادها في كل المجالات، وعلى رأسها الدعم، عسكرياً ومالياً.
- تمكّنت المقاومة الفلسطينية من التغلب على الحصار وقطع خطوط الإمداد العسكري، بعد عام 2013، واستطاعت تحويله من تهديد استراتيجي، إلى فرصة استراتيجية، باعتمادها على التصنيع العسكري الذاتي، بحيث كشفت معركة سيف القدس أن الصواريخ التي دكّت العدو، كانت تصنيعاً ذاتياً محلياً. كما تغلبت حكومة المقاومة في قطاع غزة على محاولات كسرها وإجهاضها وتثوير الشارع الفلسطيني عليها، خلال محطتين بارزتين. الأولى عام 2007، ونتج منها إجهاض محاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية المنتخَبة عام 2006. والثانية عام 2017، بحيث حاولت جهات متعددة تطويق مشروع المقاومة وتثوير الشارع الفلسطيني بعد تشديد الحصار الاقتصادي على قطاع غزة، فكانت مسيرات العودة وكسر الحصار، التي أجهضت تلك المحاولات، ووجهت الغضب الفلسطيني تجاه العدو الإسرائيلي.
شكّل تحرير الجنوب اللبناني وقطاع غزة، واستمرار معارك المقاومة مع العدو الإسرائيلي، والتي تُوِّجت بمعركة سيف القدس، محطات فارقة في تاريخ الصراع مع العدو. وحققت المقاومتان اللبنانية والفلسطينية انتصارات مهمة، أكدت قدرة مشروع المقاومة على مواجهة العدو وإجباره على الاندحار عن أراضٍ محتلة، من دون شروط أو تنازلات مجحفة، الأمر الذي يدلّل على أن مسار المقاومة الشاملة ضد العدو، وطريق الكفاح المسلح، قادران على تحقيق الهدف الاستراتيجي للأمة، وهو تحرير فلسطين وإلحاق هزيمة بالشروع الصهيوني وكَنس الاحتلال الاستيطاني الإحلالي للأرض الفلسطينية والعربية.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.