تزايد الاقتحامات والعدوان على الأقصى.. أهداف العدو ومخاوفه!
تاريخياً، بدأت اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى منذ أن اقتحمها الجنرال مردخاي جور مع جنوده عام 1967 بُعيد احتلال مدينة القدس، واستولى العدو وقتها على مفاتيح باب المغاربة، ومنع الفلسطينيين من المرور منه، وأبقى هذا الباب مخصصاً لاقتحامات المستوطنين وجنود الاحتلال بأعداد كبيرة.
عام 1976، أصدرت قاضية في المحكمة المركزية الإسرائيلية قراراً يعطي اليهود أحقية في الصلاة داخل المسجد الأقصى. وفي 21 آب/أغسطس 1969، قام الصهيوني دينس روهن بإشعال النيران في الجامع القبلي؛ أحد مصليات المسجد الأقصى.
وعام 1989، سمحت شرطة الاحتلال للمرة الأولى بصورة رسمية بإقامة الصلوات التلمودية على أبواب الأقصى. وفي الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 1990، حاول متطرفون يهود وضع الحجر الأساس لما يسمى "الهيكل الثالث" في ساحة المسجد الأقصى، لكن أهالي القدس تصدوا لهم، فقوبلوا بزخات كثيفة من الرصاص، ما أدى إلى ارتقاء 21 مقدسياً وإصابة 150 آخرين.
تزايدت أعداد مقتحمي المسجد الأقصى بشكل مطّرد منذ عام 2000، لتقدّر أعدادهم بعشرات الآلاف في العام الحالي؛ ففي عامي 2001 و2002، اقتحم الأقصى بضع عشرات من المستوطنين، رغم قرار المنع الذي أقرته حكومة العدو في حينه.
ومع نهاية عام 2002 بدأت حكومة العدو السماح لما لا يزيد على 30 يهودياً متطرفاً بزيارة الحرم في وقت واحد. وفي عام 2003 وصل العدد لنحو 150 متطرفاً، وزاد العدد عام 2004 إلى أكثر من 500، وأصبحت الزيارات من دون موافقة الأوقاف الإسلامية.
يحاول العدو من خلال سياسة اقتحامات الأقصى، وزيادة أعداد المقتحمين عاماً بعد عام، كما توضح الأرقام السابقة، إلى تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً لإضفاء حقّ اليهود بالمسجد، عبر تكريس سياسات ضد المقدسيين والأقصى لفرض وقائع تهويدية، الأمر الذي يعني إلغاء كاملاً لما يعرف بـ"الستاتيكو" القائم في المسجد الأقصى منذ عام 1967 وحتى عام 2000، وهو اتفاق توصل إليه وزير أمن العدو في حينه موشيه ديان مع الأوقاف التابعة للسلطات الأردنية في أعقاب احتلال القدس عام 1967.
وكانت شرطة العدو مسؤولة عما يجري عند بوابات الحرم، فيما تولت الأوقاف الإدارة داخل الحرم، وحدّدت نظام الزيارات فيه. انهار "الستاتيكو" في أعقاب اقتحام رئيس المعارضة حينذاك، أريئيل شارون، الحرم في نهاية أيلول/سبتمبر 2000، وأدى ذلك إلى اندلاع انتفاضة الأقصى، وتوقفت زيارات غير المسلمين للحرم.
اعترف العدو خلال مفاوضات مع الأردن والولايات المتحدة في 2015 بأن لا حقّ لليهود بالصلاة في الأقصى، ودعت الأمم المتحدة "إسرائيل" إلى احترام "الوضع الراهن" في مدينة القدس، مؤكدةً أن "موقفها لم يتغير بشأن وضعية المسجد الأقصى، ويجب احترام الوضع الراهن (الستاتيكو) للأماكن المقدسة التي تخص الأديان كلها".
واعتمدت اليونسكو عام 2018 أنه "لا توجد علاقة بين اليهود والقدس والأقصى، وهذه الأماكن للمسلمين فقط". وفي 2019، اتخذت قراراً بالإجماع "يرفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب في الأماكن التاريخية في القدس"، ويؤكد "بطلان جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة وهويتها".
سعى العدو في العديد من محطات القضية الفلسطينية إلى تغيير الوضع القائم بـ"ستاتيكو" جديد يثّبت ما حققه من تقدم في وقائع وسيطرة على القدس، ولا تزال مساعيه مستمرة وسياسته ذاتها، على الرغم من أن حكوماته المتعاقبة لطالما أكدت أن لا تغيير في "الستاتيكو"، وأن إجراءاتها تجاه دخول المستوطنين أمنية بحتة لا تهدف إلى أي سيطرة.
نجاح سياسة العدو تاريخياً في تغيير الوقائع على الأرض بالتدريج وتثبيت "ستاتيكو" جديد للقدس يدلّ على أنه لن يتوقف عن استخدامها، وهو ما حاول تكراره في الآونة الأخيرة في الأحداث الجارية، بهدف تثبيت التقسم الزماني والمكاني للأقصى.
يسعى الشعب الفلسطيني لمواجهة الوقائع التي يفرضها العدو من خلال الرباط في باحات المسجد الأقصى وتفعيل أدوات ضغط شعبية وعسكرية على العدو، ما أدى إلى اندلاع معركة "سيف القدس" العام الماضي.
ويخشى العدو تداعيات أحداث الأقصى وتكثيف اقتحامات المستوطنين لباحاته خلال فترة الأعياد الجارية والممتدة حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر المقبل، على نحو دفعه لنشر عشرات الآلاف من قواته في مدينة القدس المحتلة، واستنفاره عدداً من كتائب الجيش في الضفة المحتلة، تحسباً لاندلاع مواجهات وتنفيذ عمليات فدائية، كما يخشى تطور الموقف إلى مواجهة عسكرية مع المقاومة في غزة والتوتر في الداخل الفلسطيني المحتل، في ظلِّ تصاعد مستوى التهديد على الجبهة الشمالية ومتابعة الملف النووي الإيراني.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.