عملية نابلس الفدائية: دلالات ورسائل!
نشرتُ قبل نحو شهر ونصف شهر، في بداية تشرين الأول/أكتوبر، مقالاً بعنوان "الضفة الغربية على أبواب انتفاضة ثالثة"، وأشرت إلى أن تقدير الموقف الميداني في الضفة المحتلة يرجّح سيناريو المواجهة والتصعيد على سيناريو الهدوء والتسكين، باعتبار أن نوافذ الفرص المتاحة، والعوامل المساعدة على تصاعد المقاومة في الضفة الغربية، أكثر من العوامل الكابحة، والهادفة إلى إحباط مسار المقاومة والانتفاضة في الضفة المحتلة.
وقبل أسابيع، وقَعت عملية القدس المحتلة المسلحة، والتي أدت إلى مقتل جندي صهيوني وإصابة آخرين، ونفّذها البطل الفلسطيني الشهيد فادي أبو شخيدم في مدينة القدس المحتلة. وأشرتُ، في مقال تناول العملية البطولية، إلى أن خشية العدو هي مما بعد تنفيذ العملية الفدائية ونجاحها، لأنها قد تُلهم آخرين في تنفيذ المزيد. وفي حال نُفِّذت سلسلة من العمليات، فإن كل ساحات الضفة والقدس المحتلَّتين، ستصبح مرشحة لتنفيذ عمليات مشابهة، الأمر الذي يمهّد لانتفاضة ثالثة.
تؤكد عملية نابلس الفدائية، والتي وقعت مساء الخميس الماضي قرب مدخل مستوطنة "حومش"، وأسفرت عن مقتل جندي/مستوطن وإصابة آخرَين، أن ساحة الضفة تتهيَّأ لموجة من العمليات المسلَّحة، الأمر الذي أجبر قيادة جيش العدو الصهيوني على زيادة عدد القوات ونشر مزيد من الكتائب والوحدات العسكرية، وهو ما يعني نجاح سلسلة العمليات الأخيرة في استنزاف قواته، وهو السيناريو الذي حاولت قيادة العدو تجنّبه، في كلّ الوسائل.
تنوَّعت عمليات المقاومة في القدس والضفة الغربية المحتلَّتين منذ معركة "سيف القدس"، في أيار/مايو 2021 ، بين عمليات دعس وطعن وإطلاق نار. وتصاعدت، بصورة لافتة، خلال الثلث الأخير من العام الحالي. ونشير إلى أبرز تلك العمليات كمؤشّر على تصاعد منحنى العمليات:
- 10 أيلول/سبتمبر 2021: نُفذت عملية طعن قرب باب المجلس في البلدة القديمة في القدس المحتلة، أسفرت عن إصابة شرطي إسرائيلي واستشهاد المنفذ.
- 13 أيلول/سبتمبر 2021: حدثت عملية طعن في محلّ تجاري قرب المحطة المركزية للحافلات في القدس المحتلة، أسفرت عن إصابة اثنين من الإسرائيليين، وإصابة المنفذ بجروح، ثُمّ تمَّ أسره.
- 25 أيلول/سبتمبر 2021: اشتباك مسلَّح بين خلية عسكرية تابعة للجناح المسلَّح لحركة "حماس"، "كتائب القسام"، وجنود الاحتلال في القدس المحتلة وجنين، أسفر عن إصابتين خطيرتين لضابط وجندي إسرائيليين، واستشهاد عدد من المقاومين.
- 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2021: استُشهد مقاوم فلسطيني بعد شروعه في طعن جنديين صهيونيين قرب إحدى المدارس الإرهابية اليهودية في البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة.
- 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021: استُشهد المقاوم الفلسطيني فادي أبو شخيدم (42 عاماً) من مخيم شعفاط في القدس المحتلة، في إثر قيامه بقتل مستوطن إسرائيلي وجرح 4 جنود آخرين، في عملية إطلاق نار فدائية في البلدة القديمة في القدس المحتلة، تبنّتها حركة "حماس".
- 16 كانون الأول/ديسمبر 2021: قبل نهاية العام الحالي بأيام، نجحت المقاومة في تنفيذ عملية نابلس، التي أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة آخرَين.
تتميّز عملية نابلس من سابقاتها، بأنها تبدو أكثر تنظيماً، وأن خلية عسكرية تقف خلفها، نجحت في عملية التخطيط والرصد، ثُمّ نصبت كميناً للمركَبة التي استقلّها المستوطنين، وأمطرتها بنحو 16 رصاصة، بحسب مصادر العدو، ثمّ نجحت الخلية في تنفيذ عملية انسحاب ناجحة. ويُشبّه العدوّ التكتيك الذي استخدمته الخلية بالتكتيكات الذي اتَّبعتها خلايا "حماس" العسكرية، والتي ادّعى كشفها قبل عدة أسابيع.
ازدادت خشية العدو من تكرار العمليات الفدائية في الضفة، مع النجاح الذي تحقّقه تلك العمليات. فمع كل عملية تُسفر عن قتلى وجرحى في صفوف جنود العدو ومستوطنيه، تزداد فرص تكرارها.
يسعى العدو، عبر كل أدواته، للحد من تأثير العمليات وإحباطها، حتى لا تُقَلَّد وتتحوّل إلى موجة يصعب إيقافها. ويبحث عن دوافع العمليات وأسبابها، ويشير إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، ويتعمّد تجاهل تغوُّل قوات الاحتلال ومستوطنيه، وسلوكهم الإجرامي في القدس والضفة المحتلَّتين، وفي المدن الفلسطينية بصورة عامة، وهو ما أشار إليه وزير الأمن الداخلي للعدو، عومر بار ليف، الذي وصف مَن يُعرفون بمستوطني التلال (المستوطنين المتدينين الأكثر تشدداً) بأنهم عنيفون. وكان آخر اعتداءات المستوطنين اقتحامهم قرية قريوت في قضاء نابلس، وقاموا بالاعتداء على مواطن فلسطيني، وأصابوه بجروح خطيرة.
يدّعي العدو أن توجيه العمليات ينطلق من قيادة "حماس" في الضفة، الموجودة في الخارج، تبريراً لفشله في إجهاض العمليات. ويوجّه أصابع الاتهام إلى التحريض القادم من غزة. ومع ذلك، يدرك العدو أن العوامل الذاتية والموضوعية في الضفة تدفع إلى مزيد من عمليات المقاومة. فبالإضافة إلى الروح التي بثّتها معركة "سيف القدس" في نفوس أبناء الضفة، وتزايد إجرام جنود الاحتلال والمستوطنين، وفشل المسار السياسي للتسوية، تعزّز الدافع إلى المقاومة في الضفة، بالتوازي مع ضعف السلطة الفلسطينية التي تراجعت مكانتُها إلى الحدّ الأدنى منذ نشأتها.
ويخشى العدو انهيارَها، الأمر الذي انعكس على قدرتها على التنسيق الأمني، وخشيتها المتزايدة من مواجهة خاسرة مع المكوّنات الفلسطينية الوطنية. وما يُشير إلى حالة السلطة الهشّة، شروعُ شخصيات وطنية فلسطينية في مواجهة محاولات الاعتقال، ورفض بعضها تسليم نفسه. وهو ما وثّقه، مؤخَّراً، الأسير المحرر حمد الزير، عبر بثّ مباشِر في وسائل التواصل الاجتماعي، أظهر صدّه قواتٍ أمنيةً تابعة للسلطة توجَّهت من أجل اعتقاله في مدينة الخليل المحتلة.
تدلّل عملية نابلس البطولية على أن المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلَّتين تشهد تصاعداً ملحوظاً. ومع كل عملية ناجحة تؤدّي إلى قتلى وجرحى في صفوف العدو، تتعاظم الفرص في تكرار مزيد منها. وقد تأخذ العمليات المقبلة أشكالاً متعددة، تتمتع بمستوى تنظيم مرتفع، ونسبة تحقيق خسائر أعلى في صفوف العدو ومستوطنيه. وقد تستحدث المقاومة أساليب ووسائل وخُطط عسكرية، ستزيد في استنزاف الاحتلال في الضفة، الأمر الذي سيُضطره إلى نشر مزيد من قواته فيها، وهو ما سيؤثّر في جاهزيته في حال نشبت مواجهات في جبهات أخرى.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.