أبعاد انعقاد المجلس المركزي والصراع على خلافة الرئيس أبي مازن
تتوالى ردود الفعل الشعبية والوطنية، قُبَيل انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في السادس من شباط/ فبراير الجاري.
وأعلنت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" والجبهة الشعبية وحركة المبادرة الوطنية والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وفصائل أخرى، مقاطعة المجلس. وعبّرت قوائم انتخابية، ترشَّحت للانتخابات التي أُلغيت العام الماضي، ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات عامة، رفضَها انعقاد المجلس المركزي، من دون توافق وطني فلسطيني، وشكّكت في أهداف انعقاده. ولم يقرّر كلّ من الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب موقفه من المشاركة، حتى كتابة هذا المقال.
يأتي قرار عقد المركزي الفلسطيني على خلفية عدة اعتبارات داخلية فتحاوية، أبرزها ترتيب مسألة خلافة رئيس السلطة محمود عباس، أبي مازن (86 عاماً)، وتعزيز فرص الفريق المقرَّب من عباس في قيادة "فتح" والمنظمة والسلطة.
اتَّخذت اللجنة المركزية في حركة "فتح"، في اجتماعها الأخير قبل نحو أسبوعين، عدة قرارات، من أجل ملء شواغر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. فبالإضافة إلى تجديد اختيار عباس لرئاسة المنظمة، وتجديد العضوية لعزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وترشيح روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني، اختير حسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أكد عدد من المصادر، ومنها مصادر قيادية داخل حركة "فتح"، أنّ الخطوة تمهّد الطريق لحسين الشيخ إلى تقلّد موقع أمين السر للّجنة التنفيذية للمنظمة، والتي كان يشغلها صائب عريقات قبل وفاته، الأمر الذي يعزّز فرص الشيخ في خلافة الرئيس أبي مازن بعد غيابه/وفاته.
يُعَدّ حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح"، ووزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، من أبرز المقرّبين إلى عباس، إلى جانب رئيس الاستخبارات الفلسطينية، ماجد فرج. ويشكّل الرجلان الفريق الأكثر تأثيراً في صنع القرار، سياسياً وأمنياً، داخل السلطة وحركة "فتح".
يسعى الرئيس عباس وفريقه المقرَّب، في هذه الخطوة، لحسم قيادة "فتح" والمنظمة والسلطة، بالنسبة إلى المرحلة المقبلة، وحسم الصراع على الخلافة مبكّراً، وإضفاء الشرعية على هذا التوجه، من خلال عقد المجلس المركزي، وفرض سياسة الأمر الواقع، وعدم التعاطي مع المعارضة الداخلية الفتحاوية، أو الخارجية الفصائلية والوطنية.
تعكس اللقاءات التي أجراها حسين الشيخ وماجد فرج مؤخَّراً، إسرائيلياً وأميركياً وإقليمياً، محاولةً، بدت ناجحة، للحصول على دعم تلك الأطراف في صراع الخلافة الجاري داخل أروقة "فتح" والسلطة. ويبدو أن تقاسُماً للدورين السياسي والأمني، بين الشيخ وفرج، في إطار إدارة مرحلة ما بعد أبي مازن، هو أبرزُ ما يجري الترتيب له بين مختلف الأطراف، ولاسيّما الطرف الإسرائيلي، الأكثر انسجاماً مع هذا التوجه. ويبدو مريحاً للجانب الأميركي، بالنظر إلى توجُّهات الرجلين.
فعلى المستوى السياسي، يتبنّى الشيخ وفرج المسار نفسه، الذي يتبنّاه أبو مازن، إن لم يكن سقف مسارهما أدنى. وأمنياً، يُعَدّ الرجلان من أشدّ المتمسكين بسياسة التنسيق والتعاون الأمنيَّين مع الاحتلال، والأكثر انخراطاً في مواجهة حركات المقاومة للاحتلال والمعارِضة للتسوية. أمّا الأطراف الإقليمية، فستجد فرصتَها في حاجة الشيخ وفرج إلى عوامل تعزيز شرعيتيهما في خلافة أبي مازن، وذلك من أجل بسط هذه الأطراف نفوذها وسيطرتها، بصورة أكبر، على القرار الفلسطيني.
تشهد معركة الخلافة صراعاً، سيشتد، على نحو أكبر في المرحلة المقبلة، بين عدة أقطاب فتحاوية. وعلى الرغم من تقارب الرؤية السياسية لها، فإن كل طرف يعتقد أنه الأكثر استحقاقاً للخلافة. ومن أبرز الشخصيات الطامحة إليها: جبريل الرجوب، مروان البرغوتي، محمد دحلان، ناصر القدوة، توفيق الطيراوي، بالإضافة إلى حسين الشيخ وماجد فرج.
تنقسم الشخصيات القيادية إلى ثلاثة تيارات. الأول يمثّله حسين الشيخ وماجد فرج، ويدعمه محمود عباس (أبو مازن). والثاني يمثّله مروان البرغوتي وناصر القدوة، ويدعمه محمد دحلان وتوفيق الطيراوي. والثالث يمثّله جبريل الرجوب، ويحظى بدعم قوي داخل جهاز الأمن الوقائي الذي كان رئيسَه الأسبق، وبتأييد من تنظيم "فتح" في الخليل، ويتمتع بعلاقات إقليمية قوية، وتربطه علاقات جيدة بالفصائل الفلسطينية.
يتمتع مروان البرغوتي بشعبية كبيرة في الأوساط الفلسطينية والفتحاوية، كونه أسيراً في سجون الاحتلال منذ 20 عاماً، وصاحب كاريزما قيادية مؤثّرة. لكن، تبدو حظوظه ضعيفة في خلافة أبي مازن كونه مقيَّد الحركة بفعل الأسر.
يحظى محمد دحلان بدعم داخل حركة "فتح" في قطاع غزة، ولا يتمتع بتأييد فتحاوي في الضفة المحتلة، وهو مفصول من حركة "فتح" على خلفية خلافه مع أبي مازن منذ عدة سنوات، ويتمتع بدعم إماراتي. وتبدو حظوظه محدودة.
الصراع الأبرز بين الشيخ وفرج من جهة وجبريل الرجوب من جهة أخرى، لا يعني تسليم الأطراف الأخرى، وبقاءها متفرجة، فلديها قواعد شعبية وامتدادات تنظيمية فتحاوية، وعناصر مسلحة. وتشهد المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة المحتلة حالة تسلُّح وتجييش غير مسبوقة، ومحسوبة على قيادات فتحاوية متعددة.
تخشى "إسرائيل" أن يؤدي الخلاف الفتحاوي الداخلي على خلافة أبي مازن إلى حالة فوضى في الضفة المحتلة. وتتحسَّب لليوم التالي، وتستعد وتضع السيناريوهات المتعددة. وأكثر ما تخشاه، أن تستثمر حركات المقاومة الفلسطينية مرحلة ما بعد أبي مازن، لإشعال المقاومة الشعبية والمسلَّحة ضد الاحتلال، وتحميله مسؤولية الفوضى المحتملة، بعد رحيل أبي مازن. لذا، فهي تستبق هذا التهديد، بالعمل على ترتيب المرحلة المقبلة، بالتعاون والتنسيق مع الرئيس أبي مازن والسلطة والأطراف الإقليمية والدولية، ولاسيما مع الولايات المتحدة الأميركية.
الصراع الفتحاوي الداخلي ومعركة الخلافة، لا تغيب عنهما الفصائل الفلسطينية. ولا يبدو أنها ستكتفي بالمراقبة والمشاهدة عن بُعد، وستسعى لاتخاذ خطوات تمنع حالة تفرد الرئيس أبي مازن وفريقه بالمشهد الفلسطيني، ولن تتركه يَصُوغ ملامح المرحلة المقبلة بأدوات خارجية تسعى لاستمرار مشروع السلطة السياسي على حساب مشروع المقاومة الشاملة للاحتلال، الأمر الذي يعني أننا أمام حالة انعدام اليقين بمستقبل السلطة الفلسطينية برمتها.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.