سياسة السلطة بعد اجتماعي شرم الشيخ والعقبة والدور الوطني المطلوب
عُقد اللقاء الأمني الثاني في شرم الشيخ، على رغم فشل اللقاء الأول في العقبة. واتفقت الأطراف المشاركة (الولايات المتحدة و"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن)، على عقد اجتماع ثالث في شهر رمضان.
في أثناء لقاء شرم الشيخ، نفّذ مقاوم فلسطيني عملية بطولية بالقرب من قرية حوارة، استهدفت مركبة مستوطن صهيوني مسؤول عن تدريب المستوطنين على استخدام السلاح واستهداف المواطنين الفلسطينيين، وأُصيب بجروح قاتلة، بينما امتنع المقاوم عن استهداف أطفال المستوطن وزوجته. وأعادت الحادثة إلى الأذهان عملية حوارة الأولى، التي قُتل فيها مستوطنان، في التوقيت نفسه للّقاء الأمني الأول في العقبة.
في أعقاب لقاءَي العقبة وشرم الشيخ، أطلق ما يُسمى وزير المالية الصهيوني، بتسلئيل سموتريتش، تصريحات لافتة. فبعد لقاء العقبة، دعا إلى إبادة حوارة، وبعد لقاء شرم الشيخ قال إن الشعب الفلسطيني ليس له وجود، في إشارة إلى رؤيته القاضية باستئصاله من أرضه، عبر إبادته أو ترحيله، بينما عقّب ما يُسمى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، على لقاء العقبة، قائلاً إن "ما حدث في الأردن، إذا حدث، فسيبقى في الأردن".
على الرغم من غياب الأجندة السياسية عن جدول أعمال اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، وارتفاع وتيرة العدوان على الضفة الغربية، وارتقاء أكثر من 24 شهيداً خلال الأيام التي تلت اجتماع العقبة حتى لقاء شرم الشيخ، واستمرار التنكيل بالأسرى وحرمانهم من أبسط حقوقهم، وعدم التراجع عن الخطط الاستيطانية، والاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى، فإن السلطة الفلسطينية شاركت في اجتماع شرم الشيخ، على الرغم من الرفض، شعبياً وفصائلياً.
ورفض قطاع عريض من حركة فتح، الأمر الذي رفع الغطاء والشرعية، وطنياً وشعبياً، عن تمسك السلطة بالمشاركة، ودحض المبررات التي ساقتها للمشاركة في الاجتماع الأمني الثاني، من جهة، والاستمرار في التنسيق الأمني وملاحقة كوادر المقاومة، من جهة أخرى، على نحو يعكس مستوى استجابة مرتفعة لإرادة حكومة نتنياهو الفاشية التي تسعى لتحويل السلطة إلى وكيل أمني لملاحقة المقاومة، في مقابل "خدمات اقتصادية" و"امتيازات"، وتجنب مجرد طرح القضايا السياسية، ولا سيما قضايا القدس والاستيطان والأسرى والعدوان وغيرها.
تدرك قيادة السلطة الفلسطينية أنها تعيش في أضعف حالاتها، فهي، على الصعيد الداخلي، مفكَّكة ومترهلة، وتشهد صراعاً محموماً على خلافة رئيسها محمود عباس (88 عاماً).
كما تدرك أن رؤيتها بشأن التحول من السلطة إلى الدولة تحطّمت على صخرة الاستيطان والتهويد والجدار والعدوان، كما تدرك أنها تفتقد الحد الأدنى من عناصر القوة، التي تمكّنها من تحقيق إنجازات وطنية، ولو في الحد الأدنى، وأنها غير قادرة وغير مستعدة للدفاع عن مدن الضفة ومخيماتها من الاجتياح والعدوان.
ولا تتوافر لديها الإرادة والرغبة في ذلك، بل تشارك في جهود العمل الاستباقي، الذي يهدف إلى إحباط عمليات المقاومة قبل تنفيذها، وذلك بالعمل على احتواء المقاومين، وإقناعهم بإلقاء السلاح والتخلي عن المقاومة، في مقابل عدم ملاحقتهم والمحافظة على حياتهم، أو عبر ترغيبهم وإغرائهم بالوظيفة والمال. وفي حال فشلت مساعي الاحتواء والترغيب، تستخدم أداة الترهيب، عبر الملاحقة والاعتقال، أو عبر تبادل المعلومات ("التنسيق الأمني") مع العدو، الذي يؤدي غالباً إلى الاغتيال أو الأَسر.
كما تعي قيادة السلطة أن الطرف الأميركي يكتفي بإدارة العلاقة بين السلطة و"إسرائيل"، فواشنطن لم تمنحها مجرد خطوات رمزية، كإعادة افتتاح قنصليتها في شرقي القدس، ومكتب منظمة التحرير في واشنطن، ولا تعتزم طرح مبادرات سياسية، في الأمد المنظور، ولا حتى في الأعوام المقبلة، في ضوء انشغالها بمواجهة التحديات في البيئة الدولية.
ويَنصبّ جلّ اهتمامها على خفض التصعيد في المنطقة، وترى في السلطة أداةً من أجل المساهمة في منع تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، نتيجة خشيتهما من ارتفاع مستوى التصعيد خلال شهر رمضان المبارك، على نحو قد يمتد إلى قطاع غزة ويفجّر مواجهة واسعة في المنطقة، ينضمّ إليها فلسطينيو الداخل المحتل، والجبهة الشمالية، الأمر الذي من شأنه إرباك أجندة السياسة الخارجية الأميركية.
تشترك رؤية رئيس حكومة العدو، بيبي نتنياهو، تجاه خفض التصعيد، قبيل شهر رمضان، مع الرؤية الأميركية، إلّا أن الدوافع متباينة، فنتنياهو يضع في سلم أولوياته مواجهة إيران، وتمرير التعديلات القضائية، ولا يريد دفع أثمان إلى السلطة في مقابل التعاون الأمني معها، الأمر الذي لا يخفى على قيادة السلطة، فهي ترى في حكومة اليمين الفاشية خطراً وجودياً عليها، على نحو يهدّد حكمها، وربما يؤدي إلى انهيارها وتفككها، وهي الورقة التي يساوم بها نتنياهو قيادةَ السلطة، في الوقت الذي لا يتورع حليفاه (سموتريتش وبن غفير) عن الحديث عن عدم حاجتهما إلى وجود السلطة، من جهة، وتلويح نتنياهو بخطر سيطرة المقاومة الفلسطينية على السلطة بعد غياب أبي مازن، من جهة أخرى، على نحو نجح في إثارة مخاوف السلطة، التي تحوّل مجرد وجودها إلى هدف بعد أن كان وسيلة في طريق إنشاء الدولة، ودحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة عام 1967.
على الرغم من أن القيادة الحالية للسلطة فقدت كل الخيارات والأدوات لتحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، والتحول من السلطة إلى الدولة، فإنّها تدرك أنها تمتلك ورقتين تمكّنانها من البقاء، والمحافظة على مغانم الحكم، لكن من دون أفق سياسي.
الورقة الأولى هي دورها الأمني، الذي يدفع الطرفين الأميركي والاسرائيلي إلى العمل على عدم تفككها وانهيارها. والورقة الثانية هي الجهاز البيروقراطي للسلطة، والمسؤول عمّا يقرب من 140 ألف منتسب إلى الوظيفة العمومية، في السلكين المدني والأمني، الأمر الذي تستغله قيادة السلطة من أجل بث الخوف من المجهول، وعدم اليقين في حال انهارت السلطة.
لذا، فإنّ سلوك قيادة السلطة، بعد قمتي شرم الشيخ والعقبة، سيرتكز على هاتين الورقتين. فهي، من جهة، ستضاعف جهدها الأمني الوقائي تجاه الخلايا المسلحة، وستعمل على استغلال جرائم العدو تجاه عناصر المقاومة، في كسر الروح المعنوية للحاضنة الشعبية للمقاومة. ومن جهة أخرى، نشر الخوف من المستقبل فيما لو انهارت السلطة، والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
يدرك الشعب الفلسطيني ومكوناته الوطنية، بما فيها أغلبية حركة فتح، أن مسار التنسيق الأمني بات يرتبط بمصالح شخصية لجماعات المصالح داخل السلطة الفلسطينية، وأن فرص تحول السلطة إلى دولة تقترب من الصفر، وأن انخراط السلطة في الخطط الأمنية المنبثقة من اجتماعَي العقبة وشرم الشيخ بات يشكل تهديداً للسلم الأهلي الفلسطيني، وأن القيادة المتنفذة داخل السلطة باتت منعزلة وطنياً وشعبياً، الأمر الذي يحتم على المجموع الوطني البحث عن الآليات التي تغيّر وظيفة السلطة ودورها، بعيداً عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفي الوقت نفسه تقوم بإدارة الشأن الحكومي والشأن المدني العام.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.