قراءة في موقف "إسرائيل" من مسار الاتفاق النووي
شهدت ساحة العدو الإسرائيلي تحركات دبلوماسية وإعلامية بما يشبه حال الاستنفار، بعد المؤشرات التي رجّحت قرب توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وعكست ردود فعل أوساط العدو الرسمية والإعلامية نوعاً من الارتباك في الموقف من الاتفاق المتبلور حالياً.
قدّم رئيس حكومة العدو يائير لابيد إيجازاً للصحافيين الأجانب، قال فيه: "المطروح حالياً على الطاولة هو اتفاقية نووية سيئة ستمنح إيران 100 مليار دولار سنوياً. هذه الأموال لن تبني مدارس أو مستشفيات. إنها 100 مليار دولار سنوياً ستستخدم لزعزعة استقرار الشرق الأوسط ونشر الإرهاب في العالم".
وأضاف لبيد: "لسنا ضد أيّ اتفاق، لكن الاتفاق الحالي لا يفي بالمعايير التي وضعها الرئيس بايدن لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية. أوضحنا للجميع أن إسرائيل، في حال تم التوقيع على الاتفاق النووي، لن تكون ملزمة به، وسنتحرك من أجل منع إيران من التحول إلى دولة نووية".
وعبّر وزير أمن العدو بيني غانتس ونائب رئيس الحكومة نفتالي بينيت عن مواقف معارضة للاتفاق النووي المتبلور بين إيران والقوى الدولية، ولم تكتفِ حكومة العدو بالتصريحات الإعلامية، إذ سيتجه غانتس إلى الولايات المتحدة يوم الخميس المقبل، بعد أن سبقه رئيس مجلس الأمن القومي إيال حولاتا، الأمر الذي يوحي بحصول العدو على معلومات عن قرب توقيع الاتفاق النووي.
وتسعى حكومة لبيد للضغط من أجل معرفة تفاصيله والتدخّل في اللحظات الأخيرة لضمان ألا يكون أسوأ من الاتفاق السابق عام 2015، والذي تم توقيعه في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وألغاه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.
يدرك قادة العدو أنَّ توجهات الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ توليه الرئاسة الأميركية، تتجه إلى العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وأنَّ الإدارة الأميركية تعتبر أن الانسحاب من اتفاقية عام 2015 كان خطأً كبيراً، وأن عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران سيكون خطأً أكبر سيصعب تداركه في المستقبل، الأمر الذي يعني أنَّ حكومة العدو، رغم تصريحاتها الإعلامية الرافضة لتوقيع الاتفاق، لا تسعى لإجهاضه، لأنها ببساطة لا تستطيع ذلك، بل تعمل على الضغط باتجاه تحقيق شروط أفضل لها.
من ناحية أخرى، فإنّ مواقف قادة العدو الإعلامية المعارضة للاتفاق تهدف إلى جلب مزيد من الأصوات قبيل الانتخابات الصهيونية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، كما أنَّ تحالف لبيد – بينيت - غانتس يدرك أن الإدارة الأميركية لا ترغب في عودة بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة ورئيس حكومة العدو الأسبق، إلى الحكم، وربما تعمل على الحد من فرص فوز تحالفه في الانتخابات القادمة، لكونه أدى دوراً بارزاً في دفع ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، وتبنّى سياسات أكثر علنية معارضة للتوجهات الأميركية تجاه النووي الإيراني، ولا سيما في عهد الرئيس الأميركي الأسبق أوباما.
وتخشى الإدارة الأميركية أن يمارس نتنياهو، في حال عودته لتولّي رئاسة حكومة العدو المقبلة، تبني السياسات نفسها، الأمر الذي قد يؤدي إلى انسحاب أميركي جديد من الاتفاق النووي في حال وصل الحزب الجمهوري إلى الحكم في الانتخابات القادمة بعد نحو عامين، أو على الأقل ممارسة تحريض أكبر على إدارة بايدن الديمقراطية قبيل الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
تسعى حكومة لبيد لاستغلال رغبة إدارة بايدن في بقائها في سدة الحكم بعد انتخابات كنيست العدو المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر، وعدم عودة نتنياهو للحصول على مكاسب أكبر وأضرار أقلّ بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ولا تسعى حكومة العدو للضّغط من أجل إجهاض توقيع الاتفاق.
ترى أوساط داخل العدو على المستويين الأمني والعسكري أنّ التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران، على غرار اتفاق عام 2015، أفضل من عدم التوصل إلى اتفاق. حتى لو كان الاتفاق المتبلور لا يلبي مطالب العدو ولا يبدد مخاوفه، فإن توقيع الاتفاق سيكون أقل ضرراً من اللااتفاق.
واعتبرت أوساط إسرائيلية مختلفة ومراكز أبحاث مؤثرة قريبة إلى صنع القرار أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي كان خطأ، ووصفته بأنه أدى إلى أضرار استراتيجية للعدو، ومنح إيران فرصاً لم تكن تحلم بها.
ورغم أن غانتس/لبيد لا يعلنان تبنّي هذا الموقف، فإنّهما على الأغلب يتبنّيانه، ولو لم يصرّحا به علناً، كما أنّهما يحمّلان نتنياهو مسؤولية توتير العلاقات مع الولايات المتحدة والأضرار التي انعكست على توجهات الحزب الديمقراطي المؤيدة للعدو، إضافة إلى التقدم الذي أحرزته إيران في ملفها النووي وإخفاق سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي عليها، الأمر الذي مكّنها من أن تصبح في موقف أقوى، وخصوصاً في قدرتها على تخصيب المادة الانشطارية بمستويات عالية، والتجربة والخبرة بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60%، وتطوير ونصب أجهزة طرد مركزي متطورة، وتطوير قدراتها التكنولوجية.
يسعى لبيد وغانتس، بمواقفها الأكثر تفاهماً مع الإدارة الأميركية، للحصول على دعم وإسناد أكبر من إدارة بايدن، كما يسعيان لتعزيز صورتهما لدى الرأي العام الإسرائيلي بأنهما الأكثر احتضاناً من الحليف الأميركي، والأكثر قدرةً على توثيق هذا التحالف الذي يحرص عليه كلّ مستوطن وناخب صهيوني.
يبدو أنَّ حكومة العدوّ تضغط كي يكون موعد انتهاء سريان الاتفاق النووي أطول من الاتفاق السابق، كما تضغط لإبقاء العقوبات على شركات إيرانية، وعدم إغلاق 3 ملفات فتحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران حول خرق الاتفاق النووي السابق، إلا أنَّها تدرك في المقابل محدودية مستوى تأثيرها، في ظل توجه إدارة بايدن إلى توقيع الاتفاق.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.