انعطافة ابن سلمان نحو إيران.. أيّ دور لصمود اليمنيين؟
لم يكن أحد من متابعي الأحداث الجارية في المنطقة، من اشتباك وصراعات وخلافات، وخصوصاً تلك التي تتمحور حول الخلاف العميق والشائك بين السعودية وإيران، ينتظر ما صدر عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من مواقف إيجابية تجاه إيران، لا لأن هذا التحول كان مستحيلاً، ففي السياسة لا يوجد شيء ثابت، ومواقف المتخاصمين، مهما كانت متطرفة أو عدائية ضد بعضهم بعضاً، تتغيّر أو تتبدّل وفقاً لتبدّل المعطيات أو الأوضاع، بل لعدم تسجيل أي جديد متغير وطارئ في الوقائع المرتبطة بهذه العلاقة، على الأقل في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، الأمر الذي يدعو إلى التّساؤل عن مضمون هذا التحوّل.
أن تصبح إيران تلك الدولة الجارة التي يجب أن تكون علاقات السعودية معها ممتازة، بعد أن كانت، في نظر ولي العهد السعودي على الأقل، قائدة لمحور الشرّ وللأعمال الهدامة في المنطقة، والراعية للإرهاب، والتي يجب أن تُحارب من الداخل، وأن ترزح تحت وطأة أشدّ العقوبات التي تحرم شعبها من أغلب حقوقه وحاجاته، حتى الإنسانية والصحيّة منها، وخصوصاً في ظل جائحة كورونا، فإن ذلك يدفعنا إلى البحث في المستجدات المؤثرة في العلاقة بين الطرفين أولاً، وفي نقاط الخلاف والاشتباك بين الدولتين ثانياً، لمحاولة التوصّل إلى تحديد سبب هذا التحول الدراماتيكي.
بداية، ولكي نكون موضوعيين، لا يمكن استبعاد فكرة مفادها أن ولي العهد السعودي يناور كالعادة، ويحاول من خلال هذا الموقف "الخادع" ربما امتصاص صدمة "اقتراب" توصُّل الدول الراعية للاتفاق النووي مع إيران إلى مقاربة مقبولة من المعنيين، وخصوصاً الأميركيين. هذه المقاربة ستعيد إحياء بنود جميع الأطراف والتزاماتهم، الأمر الذي ستكون نتيجته إلغاء العقوبات عن إيران، ورفع الحظر الاقتصادي والسياسي عنها، لتعود طرفاً أساسياً فاعلاً في منظومة السياسة الإقليمية والدولية، وهو ما لا يمكن للسعودية أن تعارضه أو تعرقله. لذا، سارعت، وعبر هذا الموقف "الانحرافي" لولي العهد السعودي، إلى استباق الأمور، تلافياً للإحراج الدبلوماسي والسياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
من جهة أخرى، واستناداً إلى كلام الأمير محمد بن سلمان في تصريحه المذكور، والمعني بالعلاقة مع إيران، يمكن استنتاج عدة نقاط أساسية تحدد العلاقة بين الطرفين أو تؤثر فيها، وهي:
موقع إيران ونفوذها في المنطقة، وتحديداً علاقتها بعدة دول وأطراف فاعلة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وقدراتها وإمكانياتها العسكرية والاستراتيجية، الأمر الذي لطالما عارضته السعودية، وذلك في اتجاهين:
الاتجاه الأوّل يتعلّق بنظرة السعودية إلى إيران، باعتبار أنها تنافسها في المنطقة كدولة "فارسية" غريبة لها علاقات قوية مع أطراف عربية فاعلة، وليست عربية، في الوقت الذي يجب أن ترعى السعودية، الدولة القوية الغنية وصاحبة النفوذ، هذه الأطراف وتحضنها وتحركها وتوجه سياستها وعملها، وليس إيران.
الاتجاه الآخر يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل"، فلطالما كانت السعودية، تاريخياً، مطبّعة مع الكيان الصهيوني "ضمنياً"، أي من دون اتفاق ظاهر علني أو مكتوب. إن أساس علاقة الأطراف الإقليمية القريبة من إيران يقوم على العداء لـ"إسرائيل"، وعلى الالتزام بمواجهة الكيان الذي اغتصب الأرض والمقدسات ومقاومته. هذا الأمر لا يناسب سياسة السعودية العميقة والاستراتيجية، ويمكن استنتاجه من كلام ابن سلمان عن نقاط الخلاف مع السعودية، والتي اعتبر أنه يجب إيجاد حلّ لها، وهي:
إضافة إلى النفوذ الإيراني في المنطقة - المذكور أعلاه - هناك المشروع النووي الإيراني أو القدرات النووية الإيرانية والقدرات الصاروخية. هاتان النقطتان تعتبران عملياً من النقاط الأكثر تأثيراً في العدو الإسرائيلي، الأمر الذي أشار الأمير الشاب إلى ضرورة إيجاد حل جذري له قبل تصحيح العلاقة مع إيران، وكأنه في ذلك يتكلم باسم الكيان الصهيوني أو يضع تبديد هواجس "إسرائيل" في أساس تصحيح العلاقة السعودية - الإيرانية، وخصوصاً أن الجميع يعلمون، وخصوصاً المتابعين الجديين للنفوذ وللقدرات الإيرانية، النووية أو الصاروخية، أنّ الأخيرة عملياً وفعلياً لا تستهدف إلا "إسرائيل"، لكونها عدواً تاريخياً مغتصباً للأرض وللمقدسات. وما عدا ذلك، إن إيران غير معنية باستعمال هذه القدرات لاستهداف أي طرف إقليمي أو عربي أو خليجي بتاتاً.
لذلك، وفي حين لم يحدث أيّ تغيير عملياً في النقاط المتعلقة بالنفوذ الإيراني أو بالقدرات النووية أو الصاروخية، بحيث يمكن أن تكون عاملاً مؤثراً في تبدل نظرة ولي العهد السّعودي وموقفه من إيران، لم يتبقَّ إلا الموقف من الحرب على اليمن، والتي يفترض أن تكون وراء هذا التبديل، وذلك على الشكل التالي:
بعد 6 سنوات من الحرب على اليمن، والتي كان يفترض أن تنتهي بتحقيق أهداف السعودية خلال أسابيع قليلة كحدّ أقصى، لم يعد الموضوع، بفضل صمود وثبات أبناء اليمن والجيش واللجان و"أنصار الله"، موضوع دفاع عن الداخل اليمني فقط، بل تطوّرت المواجهة إلى ما وراء الحدود اليمنية شمالاً، وأصبح العمق الاستراتيجي للمملكة وأمنها القومي مهددين بشكل جدي.
وبفضل ثبات اليمنيين وتطويرهم القدرات النوعية، أثبتت السعودية، رغم كلّ الدعم الغربي، فشلها في حماية عمقها، وبدت عاجزة عن احتواء واستيعاب الاستهدافات اليمنية الفاعلة لأغلب نقاطها ومواقعها الحيوية، العسكرية أو الاقتصادية.
والأهم في هذه المواجهة ما يشهده الميدان اليمني حالياً، والمتعلق بمعركة تحرير مأرب، التي أصبحت، كما يبدو، في نهاياتها الفعلية، إذ يتصاعد الغليان السعودي والغربي أمام التقدم النهائي لـ"أنصار الله" والجيش اليمني على أبواب المدينة الأهم شمال شرق اليمن، والتي تشكّل نقطة الارتكاز الأخيرة للتحالف السعودي في اليمن، إذ تفقد السعودية، بخسارتها، آخر أمل بإعادة تغيير مسار المواجهة أو تبديله أو تعديله، لتكون بعد تحريرها الهزيمة الكبرى للرياض في الحرب التي شنّتها بداية باستخفاف، وهي تتوسّل في نهايتها إيجاد مخرج مناسب لها منها.
من هنا، جاءت مبادرة الأمير محمد بن سلمان التودّدية لإيران، والتي لا شك في أن أساس أهدافها يتعلق بمحاولة حثيثة لاحتواء الحرب على اليمن وإلغاء تأثيراتها السلبية في الداخل السعودي، لتساهم إيران، من موقعها القريب والمؤثر مع أبناء اليمن، في إيجاد المخرج المناسب أو المعقول للسعودية من مستنقع اليمن.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً