تداعيات اغتيال فخري زادة.. هل تنتهي المواجهات المضبوطة؟
بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، استشهاد رئيس منظمة البحث والتطوير في الوزارة محسن فخري زادة، يمكن القول إن الحادثة بما تحمله من أبعادٍ وتداعيات، سوف تشكّل نقطةً مفصليّةً في الصراع الحسّاس الذي تعيشه المنطقة وربما العالم حالياً، بين الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" من جهة وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهةٍ أخرى.. فما هي أهمية وحساسيّة هذا الاغتيال؟ وماذا يمكن أن يحمل من تداعيات على المنطقة والعالم؟
استناداً إلى عدة معطيات، تفيد الظاهرة منها بأن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان قد ذكر في أحد مؤتمراته العالِم الشهيد "فخري زادة بالإسم علناً عام 2018 "، وقد أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية سابقاً أن "خطةً قد رُسمت لاغتياله قبل أعوام لكنها فشلت". نظراً إلى المعطيات المرتبطة بدور وأهمية الموقع العلمي لفخري زادة، ودوره بتطوير قدرات إيران العسكرية فإن أصابع الإتهام في عملية الإغتيال، تشير بوضوحٍ إلى "إسرائيل" وربما برعايةٍ أو حمايةٍ ومساعدةٍ أميركية.
هذه المساهمة الأميركية المفترضة تأتي انطلاقاً من البُعد الخطير لهذا الاغتيال، إذ لن يكون لـ"إسرائيل" القدرة الذاتية على تحمل تداعيات أي عملية ضد إيران، من دون موافقةٍ أميركية مسبقة، حيث لا يمكن لأحدٍ التكهن بردة الفعل الإيرانية وميدانها، وما يمكن أن ينسحب عليها من احتمالٍ كبيرٍ لمواجهةٍ خطيرةٍ قد تتوسع إلى حربٍ واسعة. إذن لا يمكن القيام بهكذا عملية من دون الوقوف معها أمام ردة الفعل الإيرانية المنتظرة.
في الواقع، ليس جديداً أن تقوم "إسرائيل" وعبر أذرعتها الإرهابية المباشرة كالموساد، أو غير المباشرة كالمجموعات الإرهابية الأخرى التي تشغلها أجهزة الموساد، باغتيال العلماء الإيرانيين، النوويين أو غير النوويين، أو باغتيال غيرهم من علماء محور المقاومة، كمهندسي الصواريخ أو الطائرات المسيّرة الفلسطينيين أو العرب، وقد دأبت تل أبيب دائماً على اتباع هذه الاستراتيجية في مواجهة القدرات البشرية والفكرية لمحور المقاومة، بعد أن عجزت عن مواجهة أو عرقلة إنجازاتهم أو الحد منها، وهذا الاغتيال يدخل أولاً في هذا الاتجاه.
الإتجاه الآخر لعملية الاغتيال هذه، يمكن أن نضعها في خانة العمل أو الإجراء المنتظر من نتنياهو ومن ترامب، وما رشح عن قرار أميركي تمّ العدول عنه في اللحظة الأخيرة لتنفيذ عملية استهدافٍ نوعيةٍ لواحدةٍ من المنشآت النووية الإيرانية أو أكثر. هذا الإغتيال الحساس يجمع أكثر من بُعدٍ، استهدفه الأميركيون والإسرائيليون، ويرتبط باستهداف رئيس منظمة البحث والتطوير العلمي في وزارة الدفاع الإيرانية المسؤول عن مناورة تطوير القدرات النوعية، والتي طالما رأت فيها واشنطن وتل أبيب نقطة الارتكاز الأساسية للقدرات الإيرانية في المواجهة الإستراتيجية ضدها.
الاتجاه الثالث الذي يمكن وضع هذا الاغتيال ضمنه أيضاً، يرتبط بسعي مباشر من الرئيس ترامب شخصياً ومن نتنياهو أيضاً، للقيام بعملٍ استثنائيٍّ، بهدف عرقلة عملية إعادة التوازن إلى العلاقات الدولية في المنطقة، والمرتبطة بالاتفاق النووي الإيراني، والتي من المرتقب أو المرجح عودتها مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن، والتي لن تحظى حتما بموافقة نتنياهو.
من هنا، وعبر هذه الاتجاهات الثلاث، جاءت عملية الاغتيال للعالم الإيراني محسن فخري زادة، وذلك من المنظار الأميركي والإسرائيلي. ولكن كيف تنظر طهران إلى هذا الاغتيال؟ وكيف يمكن توقع ردة فعلها عليه؟
تاريخ إيران في التعامل مع أوضاع مماثلة معروفٌ وثابت، ويمكن وضعه في خانة حقيقتين ثابتتين بمواجهة عملية اغتيالٍ حساسة لأحد كبار علمائها ورجالاتها المؤثرين.
أولاً، لن تسكت عن عملية الاغتيال هذه، وحتماً سوف تقوم بعملٍ يوازي أو يضاعف هذه العملية ضد المسؤول عن الاغتيال، سواء كان فاعلاً أو محرّضاً أو متدخلاً أو مساعداً.
ثانياً، من الطبيعي أن إيران لن تقوم بردة فعل متسرعة، بل سوف تأخذ وقتاً مناسباً لدراسة الردّ من كافة جوانبه، لكي يأتي قاسٍ وعادل في آن.
فهل ستكون المنطقة بعد عملية الاغتيال هذه، على موعدٍ مع وضعٍ مختلفٍ بالكامل عمّا شهدته في الفترة التي سبقت الاغتيال؟ بحيث تنتقل من حربٍ باردة كانت تتخللها من وقتٍ لآخر بعض المناوشات أو المواجهات المحصورة أو المضبوطة، إلى تطوّر دراماتيكي، لن يكون حتماً بأقل من مواجهةٍ واسعةٍ، وشعاعها لن يكون محصوراً في الخليج، بل سوف يمتد إلى أكثر من دولةٍ وكيانٍ على البحر الأبيض المتوسط؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً